[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
المبررات التي وظفتها إدارة بوش الابن لغزو العراق التي تركزت على امتلاكه أسلحة الدمار الشامل وتهديده للأمن القومي الأميركي، هي مزاعم أثبت الوقائع بطلانها بعد احتلال العراق والتأكد من خلوه من تلك الأسلحة التي كانت سببا من أسباب الغزو.
ورافقت هذه المزاعم دعوات لتخليص العراق من الدكتاتورية ونشر الديمقراطية، وإشاعة أجواء الحرية للعراقيين الذين حرموا منها خلال الفترة التي سبقت احتلال بلادهم وإلى حد أن مسؤولا أميركيا رفيعا قال: إن الديمقراطية في العراق نجحت، ولكن كلف ذلك بلاده كثيرا.
هذه الشهادة لمسؤول أميركي تجانب الحقيقة التي يعيشها العراق منذ احتلاله ولحد الآن؛ لأن إدارتي بوش الابن ومن بعدها إدارة أوباما تحاولان تسويق احتلال العراق على أنه إنجاز حققته الولايات المتحدة للعراقيين من غير أن تدرك أن ما أقدمت عليه كان عدوانا صارخا وانتهاكا لسيادة العراق تمثل باحتلال بلادهم خارج إرادتهم وإرادة المجتمع الدولي.
الديمقراطية التي بشروا العراقيين بتحقيقها تحولت إلى كابوس ما زال ينغص حياتهم بفعل حصده هذا الكابوس من أرواحهم وسعادتهم على مدى السنوات الماضية. هذه الديمقراطية لا تمت للحقيقة بصلة؛ فالعراق أًصبح أسير تجربة سياسية فاشلة أسست لديكتاتورية جديدة استخدمت شعارات الإقصاء والتهميش، وإلغاء الآخر كغطاء لتمرير أهداف لا تقل خطورة عن أهداف الاحتلال.
وبعد مرور12 عاما على غزو العراق فإنه ما زال يرزح تحت وطأة الفوضى والفساد والخوف وعدم الاستقرار من دون أمل قريب بالخروج من هذا الخانق الذي وضع العراق برمته على طريق مسدود يصعب الخروج منه، وما ظهور القاعدة ومن بعدها "داعش"، وتغول الميليشيات المسلحة إلا دليل على ما ذهبنا إليه.
في جردة مركزة ومكثفة لما سببه الاحتلال فإنه جلب للعراقيين (الديمقراطية والحرية) وهو من أسس لنظام وضع العراق في دائرة التقسيم والتشظي عندما صدر لهم أسوأ نظام تمثل بالمحاصصة الطائفية التي فتحت شهية قوى ومكونات هدفها إضعاف العراق وتغييب هويته وارتباطه بأُمته ومحيطه العربي في محاولة لسلخ العراق عن عروبته.
النظام الذي نتحدث عنه شرعن في دستور مشوه مختلف عليه أسهم في الانقسام السياسي والطائفي، ناهيك عن أنه عطل الحياة وشل المجتمع، وتسبب وليد الدستور (نظام المحاصصة الطائفية) في هدر ثروات العراقيين وحمى الفاسدين ومبددي المال العام؛ لأنه وفر الحماية لهؤلاء الذين يعبثون بأمن العراق ومستقبل أبنائه وحياتهم الكريمة من قوى نافذة.
وأسست الديمقراطية الموعودة ديكتاتورية جديدة تسببت في إلغاء الآخر والاستئثار بالسلطة عبر استخدام القوة والمال لتصفية الحلفاء قبل الخصوم، وأصبحت هذه الديمقراطية سيفا مسلطا على المعارضين وحاميا للفاسدين والعابثين بالأمن والاستقرار.
العراق بفعل الديمقراطية التي كلف تصديرها الكثير لمصدريها تحول إلى ساحة للعبث بالحياة السياسية، وملاذ للطامعين بالسلطة على حساب الوطن وحق مكوناته بتقرير مستقبلة وهويته.
وتسببت الفوضى الأميركية بمزيد من الانقسام والفرقة بين أبناء الوطن الواحد واستعصاء إيجاد المخارج لأزمات الوطن الذي يعاني من مخاطر تقسيمه وتجزئته على أساس العرق والطائفة، ما وضع العراق في الفوضى والمجهول.
ونتوقف عند الذين يتحدثون عن تضحيات الأميركان من أجل حرية وديمقراطية العراق نقول: إنهم واهمون وكمن يذر الرماد بالعيون، فالديمقراطية التي صدروها للعراق هي فقاعة تلاشت على الأرض بفعل دخول العراقيين في المجهول والفوضى العارمة التي كلفتهم كثيرا وما زالوا يدفعون ثمنها الباهظ.
والديمقراطية التي صدروها للعراق تسببت بمقتل وإعاقة أكثر من مليون عراقي، ونحو ثلاثة ملايين مهجر، وثلاثة ملايين يتيم ومعوق، ونحو مليوني أرملة، يضاف إلى ذلك آلاف المعتقلين، ناهيك عن ضياع أموال العراق وتحوله ساحة للصراع الطائفي وجاذبا للإرهاب.