حتى لحظة كتابة هذه السطور ما زلت أستعيد مشاعر البهجة والفرحة وأعيد قراءة خبر اختيار 30 شابا عمانيا للبرنامج الوطني لإعداد الرؤساء التنفيذيين، بعد فوزهم في مسابقة شارك فيها ألف واربعمائة مشارك من مختلف القطاعات والمناطق. ينتمي المشاركون إلى جيل الشباب، ويمثلون خلفيات مهنية وعلمية متنوعة؛ فبينهم من ينتمي الى جيل رواد الأعمال وأرباب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومنهم من أظهر نبوغا في إدارة مؤسسات وشركات واستمزج خبرات وتجارب عالمية فضلا عن تفوق كثير منهم في التحصيل العلمي وهم من المشهود لهم بالتفوق داخل وخارج السلطنة. كل التحية لهؤلاء الشباب الذين سيقودون قطاعات وطنية ستغير موقع السلطنة في سباقها مع نفسها لتحقيق التميز في القرن الحادي والعشرين على المستوى النوعي والمعياري، بعد النجاح المشهود للسلطنة في ردم فجوة حضارية تمتد لقرون خلت واستطاعت أن تتبوأ مكانة يشار اليها بالبنان دوليا، وتبدأ اليوم برنامجا طموحا تطوي بمخرجاته ما يفصلها عن موقعها الذي يجب أن تحتله في مسارها التنموي والنهضوي.
أتوجه بالشكر الى فريق العمل للشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص وإلى معهد تطوير الكفاءات بديوان البلاط السلطاني، ولا أنسى فضل المؤسسات التعليمية التي استطاعت أن تخرج هؤلاء الرائعين الذين سيساهمون في قيادة التنمية في عمان اعتمادا على التخطيط والتكنولوجيا والابداع والابتكار، هؤلاء الشباب الذين جاء أغلبهم من مستويات اقتصادية متوسطة. فهم من الطبقة التي كدحت وكافحت من أجل تعليم أبنائها، وهم الذين لم يفسدهم الاستهلاك ولم تغرقهم الرفاهية ولم تضعف الحياة النمطية شرارة الابداع في عقولهم، والذين أعرفهم منهم هم دون سن الأربعين وبعضهم دون الثلاثين، فبهؤلاء تنهض عمان.
إن مؤسسات التعليم مدعوة اليوم أن تستخلص طريقة تفكير هؤلاء الشباب وأن تضعها في نماذج قابلة للنمذجة والتدريس في مراحل التعليم المختلفة، وخاصة في مساقات ريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما أرجو أن يستمر هذا البرنامج الوطني الواعد وأن يتجه إلى برامج اختيار المبدعين في مختلف المجالات وأن يتم تصميم برامج مماثلة لاختيار العلماء والباحثين؛ فبهؤلاء تنهض الأمم. ما زلت أتذكر مقابلة تم اجراؤها مع العالم العربي الدكتور أحمد زويل الذي استضافته تركيا للاستفادة من نصائحه وتوجيهاته، ولم تستفد منه مصر بكل اسف، عندما ذكر أنه وجد نفسه في مقابلة تجمعه برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع حوالي 50 عالما ممن لا تتجاوز أعمارهم سن الأربعين، وهم من صفوة علماء تركيا تم ترشيحهم لبرنامج واعد يهدف إلى اعداد تركيا لكي تصبح من بين أقوى دول العالم بحلول 2023. وبتلك العقول استطاعت تركيا أن ترتقي مرتبة عالمية في نهضتها، وبمثل هذه النخب استطاعت الدول الناشئة كسنغافورة وكوريا وقبلها اليابان وماليزيا أن تسجل معدلات تنموية قياسية في زمن وجيز في مسار التنمية الاقتصادية والتكنولوجية.
إن عمان التي تتميز منذ القدم بحكمتها وانفتاحها وساهمت بفعلية في قيادة الملاحة وتطوير التجارة، تستطيع اليوم بكل كفاءة أن تتجاوز التوقعات إذا ركزت على بناء قاعدة مؤهلة من القيادات الشابة المزودة بأدوات ومهارات التفكير الإبداعي والانفتاح على العصر وتطويع التكنولوجيا مع الحفاظ على الموروث الحضاري بثرائه القيمي والأخلاقي.
لا شك أن عماننا الحبيبة التي استطاعت اكتشاف كنوزها الطبيعية من بترول وغاز ومعادن؛ تستطيع اليوم بقيادة معلمها ومبدع نهضتها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ـ أن تكتشف ثروة عقول أبنائها في مختلف المراحل والمواقع من خلال برامج وطنية لاكتشاف العقول المبدعة والمبتكرة التي تفكر بطريقة غير نمطية وتتفاعل بكل كفاءة مع ثورة المعرفة والاتصالات لكي يصبح الاقتصاد العماني اقتصادا معرفيا وعلميا وتصبح السلطنة منتجة للتكنلوجيا والمعرفة وليست مستهلكا فحسب.

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مكتب النجاح للتنمية البشرية