نستكمل حديثنا في هذه المقالة عن حالات إنقضاء الإلتزام دون الوفاء به، ونخصصها لبيان الحالة الثالثة والأخيرة التي تبرأ عند تحقق شروطها ذمة المدين من الدين دون أن يكون قد أدى للدائن شيئا لا الدين ذاته ولا ما يعادله فمتى أصبح تنفيذ الإلتزام مستحيلا، فإنه بطبيعة الحال ينقضي الإلتزام... فكما هو معروف أنه لا التزام بمستحيل... وقد جاءت المادة (339) من قانون المعاملات المدنية العماني لتؤكد ما تقتضيه طبائع الأشياء من أن الإلتزام ينقضي إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلا... حيث جرى نص هذه المادة بالآتي "ينقضي الإلتزام إذا ثبت المدين أن الوفاء به مستحيلا عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه." ونخلص من نص هذه المادة أن هناك شرطين أساسين يجب توافرهما حتى تتحقق الإستحالة التي بموجبها ينقضي الإلتزام دون أن يكون هذا المدين قد قام بالوفاء بما يشغل ذمته... أول هذه الشروط أن يصبح تنفيذ الإلتزام مستحيلا. أي أن يصبح تنفيذ الإلتزام بعد نشوئه، مستحيلا إستحالة فعلية كانت أو قانونية... وبمعنى آخر لا يكفي أن يصبح تنفيذ الإلتزام مرهقا طالما لا يزال ممكنا لأن حالة الإرهاق لا يمكن مساواتها بحالة الإستحالة... فيجب أولا أن يكون الإلتزام ممكنا عند نشوئه ومن ثم لا تطرأ الإستحالة على تنفيذه إلا بعد نشوئه... وهذا ما يستفاد من عبارة النص "إذا ثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلا" تفسير ذلك أنه إذا كان تنفيذ الإلتزام من البداية مستحيلا، فإنه لا ينشأ أصلا الإلتزام وبالتالي لا محل للقول بإنقضائه طالما لم يوجد أصلا... وفوق ذلك يكون العقد الذي رتب هذا الإلتزام المستحيل منذ البداية باطلا بسبب عدم توافر الشروط اللازمة في محل العقد... فمن شروط صحة العقد يكون محله ممكنا إذا كان عملا أو امتناعا عن عمل، وأن يكون موجودا إذا كان عينا معينة بالذات... وثاني هذه الشروط أن يكون إستحالة التنفيذ راجعا إلى سبب أجنبي لا يد للمدين فيه، فالسبب الأجنبي هو حدث مستقبل عن إرادة المدين يتمثل في حالة القوة القاهرة وفعل الغير وخطأ الدائن... ولهذا فإذا كانت الاستحالة راجعة إلى سبب أجنبي فإن الإلتزام عندها ينقضي أصلا... أما إذا كانت الإستحالة راجعة إلى خطأ المدين عندها لا ينقض الإلتزام ولكنه ما كان تنفيذه العيني أصبح مستحيلا وجب تنفيذه عن طريق التعويض... لكن ما يجب ملاحظته أنه لا يجوز القول قانونا عند استحالة التنفيذ بسبب خطأ المدين ويستعاض عنه عن طريق التعويض بأن الإلتزام الأصلي قد إنقضى وحل محله إلتزام جديد محله التعويض. وإنما الإلتزام باق بعينه وإنما فقط تحول محله من التنفيذ العيني إلى التعويض... لأن لهذا التكيف القانوني له من الأهمية العملية التي يتوجب عدم الخلط بين القولين. وبطبيعة الحال فإن عبء إثبات السبب الأجنبي يقع على المدين. بإعتباره هو المستفيد من إنقضاء الإلتزام- إذ بعد أن يثبت الدائن وجود الإلتزام يجب على المدين أن يثبت التخلص منه بإستحالة التنفيذ لسبب أجنبي لا يد له فيه... خلاصة القول أنه إذا أصبح تنفيذ التزام المدين مستحيلا واستطاع ان يثبت أن سبب الإستحالة راجع إلى سبب أجنبي كقوة قاهرة ينقضي الإلتزام الذي يشغل ذمته تجاه الدائن وتنقضي معه توابع هذا الإلتزام كالتأمينات العينية والشخصية التي كانت تكفله... ولكن قد يكون الإلتزام مترتبا في ذمة مدينين متضامنين... ثم يستحيل تنفيذه لسبب أجنبي فهل تبرأ ذمة جميع المدينين المتضامنين...؟ نعم تبرأ ذمة جميع المدينين المتضامنين طالما سبب الإستحالة راجع لسبب أجنبي لا يد لهم فيه... أما إذا كانت إستحالة تنفيذ الإلتزام راجع إلى خطأ أحد هؤلاء المدينين المتضامنين... فإن هذا الخطأ لا يتعدى إلى باقي المدينين وعندها يكون هذا المدين الأخير وحده هو المسؤول عن التعويض إذ يعتبر خطأ المدين بالنسبة لباقي المدينين من قبل فعل الغير- أي يعتبر سببا أجنبيا ينقضي معه الإلتزام... لمزيد من الإيضاح يمكن للقارئ الرجوع إلى قانون المعاملات المدنية والقوانين ذات الصلة... قراءتنا القادمة- إن شاء الله- مع موضوع آخر ضمن أحكام هذا القانون...

الدكتور سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة والقوانين التجارية والبحرية
[email protected]