[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
عندما نشرت مجلة (شؤون عربية) دراساتي حول تاريخ جامعة الدول العربية وحول ذكرى تأسيسها الخمسين أواسط تسعينيات القرن الماضي، لم يكن يدر في خلدي قط أن يأتي يوم تهمش به هذه الجامعة درجة النسيان واللامعنى كما يحدث اليوم على نحو واضح، لا ريب فيه.
وإذا كان تفاؤلي يومذاك في محله باعتبار وصف الجامعة بـ"بيت العرب"، فإنه اليوم يجد كل ما من شأنه إحباطه ذلك التفاؤل ولجمه، درجة عدم التفكير بالجامعة البتة، خاصة في خضم الأنشطة الدولية الدائرة اليوم بأقصى سرعتها حول الشقيقة سوريا في جنيف، وليس في القاهرة أو تونس أو الإسكندرية.
إنها لحال مؤسفة، بطبيعة الحال، فلا أثر للجامعة ولهيئاتها ومنظماتها ولجانها ومواثيقها العديدة، من تاريخ ميثاق الإسكندرية على سنوات النحاس باشا ونوري السعيد باشا حتى مواثيق اليوم التي توارثت لا فعاليتها من حقائق الواقع على الأرض، ذلك الواقع الذي ينأى بها عن نفسه إلى تموضع لا يمكن ملامسته.
إن الذي بقي من جامعة الدول العربية، بقدر تعلق الأمر بلب اختصاصها هو تلك الخدمة اللفظية المحصورة بوصف الأخضر الإبراهيمي "ممثلًا للجامعة" و"للأمم المتحدة". وبطبيعة الحال، هو لا يمثل الجامعة قط، إلا على المستوى اللفظي أو الاعتباري المعنوي، لأن الرجل أضحى حلقة وصل بين الفريقين المتخاصمين والمتفاوضين في سويسرا، مع رحلات مكوكية بين الفاعلين الأساس، وهما: واشنطن وموسكو.
لا أرى أثرًا للسيد نبيل العربي ولا لنوابه المتعددين، إذ يبدو هؤلاء المسؤولون الإقليميون "خارج قوس"، حسب اصطلاح الرياضيات، خاصة بعد أن استدرجوا إلى تعليق عضوية سوريا في الجامعة بوقت كانت سوريا فيه بأمس الحاجة لرؤى ولجهود الجامعة، على الرغم من تواضع تلك الرؤى والجهود على المستوى العملي. ما كان ينبغي الانزلاق إلى حذف سوريا من أنشطتها، وكأنها كانت تأتمر بأوامر فاعلين كانوا يرومون إلى القضاء على النظام السوري القائم، كما فعلوا مع نظام صدام وهم الآن نادمون على ذلك النظام الذي كان بمثابة درع لهم.
لذا يمكن لدراساتي في تورخة الجامعة أن تمتد إلى هذه المرحلة المحبطة من تاريخها، بوصفها مرحلة "النكوص والانكسار"، باعتبار دورها الثانوي والهامشي الذي فرضته هي على نفسها مذ ارتضت لنفسها الانصياع لإملاءات من خارج حدود استقلالها الذاتي، كمنظمة إقليمية لا تدين لأحد بشيء.
وإذا كانت قصة تأسيس الجامعة منطوية على مناورة بريطانية، أراد لها التاج أن تكون تعويضًا اسميًّا لأنه لم يسمح بتأسيس مملكة عربية، كما وعد الشريف حسين، فإن قصتها اليوم تنطوي على اللوذ بالصمت والاعتراف الضمني باللاجدوى، للأسف.
يبدو أن على الحكومات والجماهير العربية أن تبعث الحياة بهذه الجامعة لتعيدها إلى سابق عهدها وآمال العرب بها، بيتًا لهم. علينا بأمصال إطالة الحياة، وقبلها بإجراء الإسعافات الأولية قبل أن يعلن ما لا يتمناه مديروها من أخبار.