[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
مقدمة:
في الخامس والعشرين من مايو 2000 أيقظني في منزلي صوت أعرفه، نهضت أرصده، فتفاجأت بوجوده في لبنان في هذا الوقت، لكني حين علمت سبب مجيئه المفاجيء قدرت هدفه الذي جاء من أجله.. ففي ذلك التاريخ كان جنوب لبنان يتحرر، اسرائيل تهرب من الحزام الأمني الذي فرضته ثماني عشرة سنة، ورائحة الأرض التي عادت للوطن تفوح في كل مكان ويرصدها الإعلام.
ـــــــــ
الصديق الأردني كان صحافيا في احدى الصحف الاردنية، بل هو الأنشط في التحقيقات وفي تغطية المناسبات الكبرى والعزيزة، ولهذا لم يكن ليترك مناسبة هروب اسرائيل دون ان يكون موجودا بقلمه وافكاره .. بل كان يعلم، وقد قاله لي سابقا وفي مناسبات، ان اسرائيل لن تنسحب من لبنان، اطماعها فيه تاريخية، وخصوصا في مياهه فكيف حين تمكنت من احتلال جنوبه، ان تتركه بهذه الطريقة، خصوصا وان ما سيقال انها انسحبت امام مقاومة لم تمكنها من الإمساك بأرض الجنوب اللبناني كما خططت لذلك.
كانت الاحتفالات في لبنان في ذروة التعبير عن فرح غامر، فأهل الجنوب انتظروا تلك المناسبة العزيزة سنوات طويلة، وكانوا دائما يتذاكرون حول ما إذا صار جنوبهم من الماضي وانه كلما سيطول فترة بعاده عن بقية الوطن سيدخل في النسيان..
لم ينتظر كثيرا ردود افعالي وهو القادم من اجل مهمة صحافية بالدرجة الاولى، ثم تحريرية، بل خط على الورق برنامج رحلته اليومية ولقاءاته، ومن بينها ضرورة حواره مع الامين العام لحزب الله حسن نصرالله.
كان الجو ربيعيا، وحين غادرنا الى جنوب لبنان كان علي الا انسى انه يعتمد علي في كل صغيرة وكبيرة .. في بلدة الناقورة الحدودية كان المشهد قد بدأ يظهر على حقيقته، وهي البلدة التي كانت مفتاح الدخول الى لبنان او احد مفاتيحه المهمة فتراها بدون اسرائيليين، ومن ثم بدون اعوانهم مما يسمى جيش لبنان الجنوبي الذي كان يتزعمه آنذاك انطوان لحد.
كانت الارض الفلسطينية التي هي امتداد طبيعي للارض اللبنانية تمتد امامنا ، والبحر الفلسطيني مليء بالأسرار الحزينة التي حملت عشرات الآلاف من الهاربين الى لبنان عبره عام النكبة .. السيارة مازالت تسير، والصديق يتطلع في كل اتجاه ، اننا الآن على الطريق الحدودية تماما، اخبرته باختصار، كانت ارتال العائدين الى الجنوب قد بدأت، رغم ان الجنوبيين مازالوا متخوفين من ردود فعل اسرائيلية كالعادة ، وكلما أوغلنا في المسير كانت فلسطين تتسع امام عيوننا، جبالا وسهولا ولابد انها كانت مليئة بالقرى التي تحولت اليوم الى مستوطنات .. كان المشهد موحيا، لبنان ينال حريته، وهاهي الأرض الفلسطينية التي يجب ان تتحرر مازالت في القيد. لم يتغير المشهد على طول الخط المحاذي للحدود، لا حركة في المستعمرات الاسرائيلية، فيما دبت الحركة في الجانب اللبناني .. ما اجمل الحرية حين تؤخذ بهذه الطريقة التي نفذتها المقاومة اللبنانية ودفعت من اجلها آلاف الشهداء والكثير من الخراب والدمار في البنى اللبنانية التحتية. هاهي قصة عشق جديدة تكتب على ارض لبنان، فلقد تحرر جنوبه دون قيد او شرط، بلد صغير بحجم لبنان تمكن من تنفيذ شرطه الا يكون هنالك اي شرط امام الانسحاب الاسرائيلي، فيما بلد كبير وضخم كمصر، كبلته اسرائيل باتفاقية اذعان هي كامب ديفيد لم يتمكن من التخلص منها حتى الآن، وليس بوارد التخلص على مايبدو. هنا نعرف اهمية ان تكون لكل بلد احتلت ارضه مقاومة، اذ لم تستطع اسرائيل بكل جيشها القوي والعصري والمدجج بأعتى انواع السلاح ان تصمد طويلا امام ضربات المقاومة اليومية وعملياتها الاستشهادية وخياراتها في التوقيت .. بل لم يكن امام " جيشها " الجنوبي الذي صنعته واعطته تلك الصفة ان يتمكن من الصمود في مواقعه امام الضربات المتلاحقة .. فقد كان خيار المقاومة واسعا ومكثفا ، في حين كان الخيار الاسرائيلي واعوانه ضيقا للغاية. وتلك هي من اهم عناصر المقاومة كما كان يقول اكبر مهندس لها تشي غيفارا في كتابه حرب الغوار.
كان فرحي لايوصف، فأنا اضافة الى مهنة الصحافية التي امارسها، ابن لبنان وخلاياي من خلاياه، وبالتالي لابد ان يكون أثر التحرير يصيبني في الصميم، وانا من تابع افعال المقاومة خلال رحلتها الطويلة، وصمودها الرائع، وتطوير بناها العسكرية، والضربات الموجعة التي كانت تكيلها لجيش اسرائيل واعوانه.. فقد كان الأمر بالنسبة لي حلما، ان اعود وارى قطعة غالية من وطني تدخل في حلم التحرير الذي صار واقعا، شيء لايصدق.
كان عامل الدهشة يرافق الصديق الصحافي الذي اثمرت المشاهد التي رآها وضغط السكان الذين بدأوا حراكهم مقالات رأيت الكثير منها لاحقا على صفحات جريدته العربية في الاردن. ظلت السيارة تنهب الارض، الى ان وصلنا الى سجن الخيام الذي كان مركزا كبيرا واساسيا لتعذيب المناضلين والمقاومين الذين يقعون في الأسر. هنالك بدت استحالة الوصول اليه لأن ارتال السيارات هائلة، الكل يريد المشهد المؤثر، ولابد ان لبعض هذا الكل أخا او صديقا او قريبا سجن هناك وفقدت الاخبار عنه تماما. أوقفنا السيارة في مكان بعيد وترجلنا ثم ذهبنا سيرا على الاقدام .. كانت كثافة الموجودين لا تحصى، وهم من تمكن من كسر الباب الحديدي الذي كان يحتجز السجناء المقاومين الذين خرجوا وتنشقوا رائحة اوكسجين الحرية، وقد قابلنا بعضهم على الفور وأجرى الصديق حوارا صحافيا انسانيا معه، ومن شدة فرح المقاوم الطليق ان تأثير حريته الجديدة كانت طاغية عليه فكان يجيب بتوتر ظاهر، وكان اول فعل قام به عند لحظة خروجه من السجن ان قبل الارض ورسم أملا في داخله لم يكن يتوقعه اطلاقا.
هنا الحرية مكتوبة بالصبر، فلقد هرب الاسرائيلي ومثله " جيش لبنان الجنوبي"، وكان يتناهى الى اسماعنا في ذلك اليوم ، ان الاسرائيلي اغلق آخر البوابات المطلة على لبنان، تاركا وراءه آلافا من " الجيش " الجنوبي الذي احتشد عند ذاك الباب يريد الهروب من لبنان خوفا من الحساب العسير لتعامله مع جيش الاحتلال، ولوقوفه ضد شعب وطنه وتعذيبهم وقتلهم ومن الغريب ان رئيس وزراء اسرائيل آنذاك مناحيم بيغن ماان ترك السلطة بعدها حتى خلد الى كآبة اودت به لاحقا الى الموت .. ولهذا الرجل قصة محكية باعتباره زعيما من زعماء اسرائيل، فقد كان مطلوبا من الجيش البريطاني مما دفعه الى الهروب باتجاه لبنان في الثلاثينات من القرن الماضي، وحين ظل يمشي وصل الى قرية جنوبية سأل مااسمها فقيل " انصار "، وحين ادلهم الليل خبط على احد الابواب طالبا استعطاف صاحب البيت الذي اكرمه ثم اعطاه في اليوم الثاني حماره كي يعود الى بلاده .. ومن المفارقات انه بعد اجتياح اسرائيل لجنوب لبنان طلب بيغن تحويل قرية " انصار " الى معسكر سجن فيه كل المناضلين اللبنانيين الذين تم القبض عليهم اثناء الاحتلال.
وقصة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان واحدة من افكار الصهيونية التي كانت ترى اهمية تلك البقعة بالنسبة اليها من الناحية المائية اولا ومن ثم استراتيجيا، وكان الصهاينة يعتقدون كما قال مرة شيمون بيريز ، ان لبنان يحتاج لفرقة كشفية كي تحتله وتسيطر عليه .. بل ان مؤسس الكيان العبري بن جوريون كان يخطط منذ قيام كيانه الى اقامة دويلات في لبنان وانه يطمح لصداقة ضابط لبناني مسيحي يؤمن له فكرة السيطرة على الجنوب .. ولهذا عمل بلا هوادة لتحقيق تلك الفكرة، وحين وجد الضابط اللبناني سعد حداد ظن انه وجد ما يحلو له، لكن حداد لم يعش طويلا فحمل راية التعامل والخيانة بعده انطوان لحد الذي مازال حيا الى اليوم وهو مقيم في اسرائيل مؤسسا له مطعما .. وكان لحد قد تعرض في السابق الى عملية اغتيال قامت بها المناضلة اللبنانية سهى بشارة عندما جاءت لتهنئته بمناسبة عزيزة عليه ثم اطلقت النار عليه وانقذ بأعجوبة.
وقصة احتلال اسرائيل لجنوب لبنان تطرح بالمقابل، تاريخا من الصراع في هذه البقعة منذ النكبة الاولى 1948 حين هاجمت العصابات الصهيونية قرى لبنانية وقتلت العشرات وقيل المئات ، ثم انها قامت باحتلال قرى لبنانية تجاوزت السبع حولتها الى مستوطنات ومستعمرات تحت اسماء مختلفة عما عرفت به . لكن حين اتخذت المقاومة الفلسطينية من المنطقة الجنوبية مراكز عمليات لها ، تطور الصراع الذي اصبح شبه يومي .. كان الفلسطينيون ينفذون عمليات من داخل الاراضي اللبنانية فترد اسرائيل بالقصف والتدمير، واستمر هذا الحال الى العام 1982 حين اجتاح الاسرائيلي لبنان ووصل الى بيروت ودخلها بالفعل لكنه لم يتمكن من البقاء فيها نتيجة مقاومة اهلها العنيفة له. وهكذا خرج منها مطرودا، معاقبا حتى على تفكيره بما فعل، لكن النتيجة التي حصلت بالفعل هي في اخراج الجسم العسكري للمنظمات الفلسطينية الفدائية نهائيا من الاراضي اللبنانية .. منذ ذلك التاريخ، ظن الاسرائيلي انه عاش بأمان وطمأنينة، وان الخروج الفلسطيني سيؤدي الى تطويع اللبنانيين واقامة سلام معهم عمل بالفعل عى تحقيقه من خلال اتفاقية 17 مايو المشؤومة التي سسقطت قبل توقيع رئيس الجمهورية عليها.
من الطبيعي ان يؤدي الاحتلال دائما الى عملية انهاض وطني، وهو ماصار في الجنوب، حين بدأت الطلاائع الوطنية من كافة الاحزاب اللبنانية تغير يوميا على مراكز العدو فوق الاراضي اللبنانية وتشتبك معها وتقتل منها، بل ان يد المقاومة الطويلة وصلت الى تدمير اكبر مركز استخبارات اسرائيلي في مدينة صور، اي في داخل العمق الاسرائيلي الذي لم يتوقع امرا كهذا ..
منذ ذلك التاريخ تغيرت المعادلات وبدا ان هنالك من هو اصعب من الفلسطيني هو المقاوم اللبناني.. فاذا كان الفلسطيني على سبيل المثال لم يكن جادا في قتال اسرائيل لأن الارض اللبنانية ليست ارضه، فان اللبناني صار محكوما بالقتال لأنها ارضه بالفعل .. وبرزت خلال فترة قصيرة قوة المقاومة الاسلامية ( حزب الله ) وقبلها حركة أمل، فازداد الوضع الاسرايلي صعوبة .. تمت مقاتلته على مدار الساعة بلا هوادة، وكان " الجيش " الذي ألفه ودعمه وموله وصرف عليه الاموال الباهظة وهو من كل اللبنانيين لم يصمد هو الآخر امام ضربات المقاومة التي كانت تهاجم مواقعه وتتصيد عناصره من قريب ومن بعيد. وهكذا صار على هذا العدو التاريخي للبنان، ان يفكر بأمر بقائه الصعب بل المستحيل، وصار عليه ان يتأمل هذا البقاء الذي تحول الى عبء على الجيش الاسرائيلي ذاته، فلا الجيش الجنوبي تمكن من حماية نفسه ومن حماية الجيش الاسرائيلي، ولا الجيش الاسرائيلي تمكن ذلك من جهته، فوقعت الكارثة على رأس الطرفين، وبدا الأمر انه بعد 18 سنة من الاحتلال سوف يصعب البقاء على تلك الارض، وبمعنويات منهارة صار يتحرك الجيشان بعد ان يتساقط منهما يوميا عدد لابأس به .. وحين امسك باراك بوزارة الدفاع الاسرايلية، جاء بافكار الهروب من جنوب لبنان، فبدأت ملامح ذلك تظهر للعيان من تخفيف لهذا الموقع او الغاء لمثيله، وبدا الأمر انه ضمن هذا الاتجاه، وفي هذه الحال زادت المقاومة من عملياتها كي تزيد الضغط عليه .. ومنذ منتصف شهر مايو 2000 بدأت الانسحابات العسكرية تظهر للعلن، الى ان كان يوم الخامس والعشرين منه حين اغلق الاسرائيلي بواباته كلها باتجاه لبنان وخرج منه آخر آخر جندي، وما تزال هنالك عن مصب نهر الكلب القريبة من بيروت لوحة تخلد تلك الذكرى منقوشة فوق الصخور.
/// عودة الى الرحلة
ما أن انتهى التجوال في سجن الخيام كما عرفنا، حتى كان النهار قد بدأ التوديع، وكان علينا ان نعود الى بيروت كي يرسل الصديق الاردني مقالاته التي كتبها في مقهى قريب من السجن .. لكن المشوار الى العاصمة طويل يأخذ وقتا، وانه لاسباب تقنية تختص بطبيعة العمل داخل الجريدة، كان لابد من ارسال المواد في هذا الوقت بالذات .. فكيف يمكن ذلك ومدير الصحيفة ينتظر وكذلك كل العاملين.
هنا خطرت لي فكرة ان نمر في قرية جنوبية اعرف اهلها، فلربما نتمكن من ارسال المواد بطريقة او بأخرى، خصوصا انني منذ انطلقت حملت معي هاتفا يعمل بالفاكس ايضا .. وصلنا القرية فاستقبلتنا المرأة العجوز التي لاتستطيع المشي نتيجة اصابتها في قدمها. كانت الكهرباء مقطوعة، والفاكس لايعمل الا بالكهرباء، اوحت الينا المرأة ان هنالك موتورا كهربائيا يمكنكم اشعاله اذا كان ذلك يحقق الهدف والغرض، وبالفعل تمكننا من اشعاله، ثم ربطنا الفاكس باشرطة الهاتف، فاشتغل تماما، وبسرعة كانت المقالات في طريقها الى الاردن، نجحت التجربة وفازت التقنية وليس غيرها مايفوز دائما. وفي اليوم الثاني قرأنا تلك المقالات من خلال الانترنت وعرفنا ان الرحلة قد حققت اغراضها.
من جملة ماقام به الصديق الصحافي الاردني في تلك الفترة اجراء حديث مع نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم نظرا لأن الامين العام كان مشغولا في تلك الفترات بمتابعة الوضع الجنوبي عن كثب، وخصوصا ردود الافعال ضد قرى مسيحية او ضد اقرباء مسلمين لعناصر في الجيش الجنوبي، اضافة الى السيطرة التامة على الوضع في كافة انحاء الجنوب. فلم تقع بالفعل اية ردة فعل، اثبتت الاحداث الالتزام التام بتأمين الهدوء في الجنوب تماما، ولم تقع حادثة واحدة مع ان الاشاعات المغرضة كانت تملأ العديدمن الاذاعات والتلفزيونات. ومع احاديث اخرى مع قيادات انهى الصديق الصحافي عمله وتغطيته بشكل ناجح تماما، لكنهه قال ان الذي افاده هو تلك الفترة الحاسمة من تاريخ لبنان وهي التي ستكون معينه في كل كتاباته مستقبلا.
بعد 15 عاما على ذلك الحدث، لم يزل لبنان واقعا في مشكلة اخرى تقول ان الانسحاب الاسرائيلي لم يكن كاملا من جنوب لبنان، فما زالت هنالك مزارع شبعا وقرية الغجر .. المزارع بالنسبة للبنان مساقط هائلة من الماء التي تعتبر انظف انواع الماء في العالم، ولهذا تتمسك بها اسرائيل، اضافة لموقعها الاستراتيجي الذي يحاذي منطقة الجولان ..
ومزارع شبعا، يصر لبنان على انها جزء من ارضه، فيما تقول بعض التواريخ انها جزء من الارض السورية، فلا سوريا تنازلت عنها وقالت بانها لبنانية، ولا اسرائيل قبلت بالكلام اللبناني حول لبنانيتها، ولهذا السبب يقف حزب الله حاملا في يده تلك المشكلة ومطالبا بها، وكلما اشير له بان دوره انتهى داخليا بعد ان تم الانسحاب الاسرائيلي يشير لهم بالمزارع.
والحقيقة الكامنة التي باتت معروفة ان حزب الله لم يعد ذلك الحزب العادي الدور، بقدر ماصار حزبا عميق الجذور في المنطقة العربية كلها وفي العالم، وهو بالتالي قد تحول الى ان يكون له ادوار اقليمية كمثل مايفعله اليوم في سوريا من مؤازرة للجيش العربي السوري، وكذلك في العراق وربما في اليمن كما يقال.
فحزب الله اذن، لم يعد مرتبطا كما يشاع بتحرير مزارع شبعا او عدمه، بل انه صار مطلوبا في سياسة المنطقة، بل هو الرقم الصعب في لبنان، وهو من يمكنه تهدئة الوضع اللباني امام اية محاولات لجر لبنان الى حرب اهلية من جديد ، في حين هو من يمكنه ايضا ان يكون القادر على تفجير اية حرب ..
ثم ان جزب الله فد تجاوز تماما ان يكون مجرد دور لمرحلة، بل هو حزب استراتيجي سيكون له دوره الثابت في ازمات المنطقة، اضافة الى دوره في قتال اسرائيل .. ويبدو ان الاسرائيلي بات يعرف منذ العام 2006 حين اخفق في القضاء على الحزب، انه لابد من الثأر، بل لابد من ايجاد الفرصة المناسبة لتصفيته وانهائه، لكن الأمر لم يعد كما يفكر الصهيوني اتجاهه، فبقدر الخطط الاسرائيلية ضده، يسعى الحزب الى ان يطرح مشروع انهاء اسرائيل بالمقابل، ومن يتابع خطابات الامين العام حسن نصرالله في هذا الصدد سوف تكون لديه محصلة مهمة حول محو الكيان العبري من الوجود .. وقد بات يعتقد الاسرائيلي ان الحزب جاد في خطواته، واهمها انه يسعى دائما لمنازلته، ولم يتوان نصرالله لحظة واحدة عن الكلام بانه سيقوم باحتلال منطقة الجليل في اللحظة المناسبة الأمر الذي سيضع اسرائيل امام اخطر الازمات التي ستعني بالفعل انهاء وجودها.
لم يعد احد في لبنان يذكر حزب الله بمزارع شبعا، وبأن وجوده الآن مرتبط بها .. تغيرت المعادلات تماما، وجود الحزب في المناطق السورية نسج معادلات جديدة .. فهو يقاتل الى جانب الجيش العربي السوري، بل صار يعتمد عليه كحزب ذي بعد قومي وليس محلي فقط. صارت المزارع من الماضي، فيما اصبح الحاضر مختلفا، والاستراتيجيات مختلفة ايضا ..
تلك المزارع اليوم تم احتلالها على مراحل بدءا من العام 1967 .. لم يكن احد متنبها لها، الوحيد الذي قال ومازال عن المزارع هو رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما انسحبت اسرائيل في العام 2000 من الجنوب، سأل يومها عن مصير هذه المنطقة اللبنانية وكيف انها مازالت تحت الاحتلال ولا بد من تحريرها بكافة الوسائل الممكنة.
في الذكرى 15 لتحرير الجنوب اللبناني من الوجود الاسرائيلي يبدو اننا امام متغيرات كبرى لايجوز التغاضي عنها بل ادراجها ضمن الحسابات المتجددة للمنطقة. فلم يعد الاسرائيلي يتفوه بكلام من قبيل السخرية من لبنان بعدما ذاق الويل من حزب الله في مراحل متعددة، ليست الفرقة الكشفية من يمكنها احتلال لبنان، كل جيش اسرائيل لم يعد ينفع، فلقد ولدت مقاومة لم يحسب لها العدو الصهيوني حسابا، بل لم تحسب لها الدول الكبرى ان تصبح على هذه الدرجة من القوة والامكانية والمعرفة والعلم والقدرة، فصواريخها من كل العيارات تجاوزت المائة الف باعتراف اسرائيل، ومقاتلوها اليوم اشد بأسا وخبرة بعدما احترفوا وزادوا من معرفته العسكرية من خلال وجودهم في سوريا، وهو ماجعل الاسرائيلي على قلق، وبات يعرف ان اية حرب يفتعلها ضد لبنان سيجد مقاتلين مختلفين كثيرا، لديهم الخبرات العالية في قتال الشوارع والمدن وفي شتى التضاريس، بل ان موضوع احتلال الجليل ليس كلاما اطلقه نصرالله في الهواء بل هو حقيقي الى ابعد مدى.
فهل صار من الصعب بل من المستحيل قيام اية مغامرة عسكرية اسرائيلية ضد لبنان، من الممكن الاجابة على ذلك بقولة نعم، كلما تحقق التوازن العسكري صارت الحرب اصعب، فكيف اذا كانت اسرائيل كلها في مرمى صواريخ المقاومة، وكيف بالتالي اذا تمكن رجال المقاومة بخبراتهم القتالية المضافة من احتلال منطقة الجليل فعلا، بل ربما هنالك شتى عناصر المفاجآت التي يتحسب لها الاسرائيلي تماما وهو يعرف مدى جديتها.
بعد 15 سنة على تحرير جنوب لبنان، هنالك لبنان مختلف، لم يعد بامكان اسرائيل الاعتداء عليه ساعة تشاء او ترويع سكان الجنوب كيفما تشاء .. ولأن حالة القلق والخوف قد انمحت من عقول الجنوبيين، اذ لم يعرف هذا الجنوب حالة تعمير مثلما هو الآن، تحولت كل قرية فيه الى ورشة بناء، ومن ثم الى مدينة صغيرة فيها كل مايحتاجه المرء .. بل ان البناء وصل حتى الحدود مع فلسطين، فقرية مثل مارون الرأس تلتصق اراضي مواطنيها بالحدود الاسرائيلية تماما تعيش حالة بناء بيوت مميزة ملفتة للنظر وعند الحدود ايضا، اضافة الى تلك الحديقة الهائلة التي سميت بحديقة ايران تطل على الاراضي الفلسطينية تكاد تلمسها.
هو عصر التحدي، عصر المقاومة والقوة، وعصر تغير المعادلات التي ادخلها لبنان الصغير في حسابات جعلته ملهما للمنطقة.
لا يبدو ان الاحتفال بالعيد 15 في 25 مايو سوى مرحلة ينظر اليها على انها متغير استراتيجي تعترف به اسرائيل التي جربت في العام 2006 وفشلت، وحين تهدد اليوم فمن باب اعادة التماسك للاسرائيليين القلقين من الساحة اللبنانية ومما تخبئه ومما قد تكون مفاجآته. الجدير ذكره، ان من يلحظ نقاشات الاسرائيليين على اجهزتهم الاعلامية، يعرف مدى عمق القلق الذي ينتابهم كلما تحدثوا عن الساحة اللبنانية وعن مفاجآتها .. حتى ان بعض المختصين الاسرائيليين قال ذات مرة ان على قيادة دولته ان تجهز شخصا مختصا لكي يطفيء انوار المطار لأنه قد لايبقى من يطفئه اذا ماوقعت الواقعة مع حزب الله.