‏[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا كاتب فلسطيني [/author]
لم تطل حتى جاء رد نتنياهو على آخر عروض أبومازن التفاوضية. كان الأخير قد طرح في خطابه بمناسبة مرور ذكرى النكبة آخر اشتراطاته المتهاودة، أو المتكيِّفة مع المتغير الحكومي في الكيان الصهيوني عقب انتخابات الكنيست، المنتجة لإتلاف ضيِّق جامع لأشد غلاة اليمين الصهيوني تطرفًا... اشتراطاته الليِّنة، وحتى منزوعة الدسم، للعودة لطاولة المفاوضات المهجورة، والتي لم تزد على تجميد، لا وقف، التهويد، والإيفاء باستحقاق الإفراج عن الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، ومفاوضات مستمرة لمدة عام على أن تنتهي بسقف زمني لإنهاء الاحتلال بنهاية العام 2017.
رد نتنياهو جاء متمثلًا في اتخاذه لقرارين: الأول، تلزيم واحد من أمثال سلفان شالوم، وزير الداخلية في حكومته الجديدة، مسؤولًا عن ملف المفاوضات، وهو أمر لا يخلو من دلالة إذا ما نظرنا له من ناحيتين، الأولى، إن شالوم يعد واحدًا من عتاة المغالين، والرافض أصلًا لما يعرف بـ"حل الدولتين"، هذا الذي يتذكره أوباما أحيانًا رياءً، ولا ينفك الأوروبيون يتحدثون عنه نفاقًا، وبالتالي يعلِّق الأوسلويون كافة أوهامهم التسووية على مشجب ذاكرة أوباما المخاتلة ونفاق الأوروبيين المزمن. والثانية، وأخذًا في الاعتبار لحقيبة شالوم الوزارية، العودة بالمفاوضات، إن هي عادت، إلى زمن "كامب ديفيد"، بمعنى إبقائها في حدود الحكم الذاتي، ومعالجته الأمر كقضية محض داخلية تحت خيمة الكيان الصهيوني.
القرار الثاني، تكثيف وتسريع وتعميم التهويد أماكن وأشكالًا، في القدس التي هوِّدت والضفة التي فصل التهويد قدسها عن ما تبقى منها، وصولًا إلى النقب في المحتل في العام 1948، أو آخر خطوة في سياق الخطوات التهويدية هناك، هذه التي تختصر برمزيتها النكبة الفلسطينية بمجملها، لتمثُّلها في قرار إزالة قرية أم الحيران بكاملها وطرد كافة آهليها وبناء قرية للمتدينين اليهود مكانها لكن مع الاحتفاظ باسمها. وهو ذات المصير الذي تقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن 35 قرية فلسطينية نقبية أخرى تنتظره، ولسوف يتعرَّض له ثمانون ألفًا من أهلها، وكانت قرية سوسيا الواقعة جنوب الخليل في الضفة قد سبقت أم الحيران وأخواتها إليه.
من المفارقة أن كثرة من المعارضين الصهاينة لشخص نتنياهو وليس لسياساته تجاه ما يُحكى عنه من الحلول، قد عبَّرت عن نظرتهم لاشتراطات أبومازن التفاوضية صحيفة "هآرتس"، حين اعتبرتها طوق نجاة يلقيه أبومازن لنتنياهو الذي تتناهش حكومته الضيِّقة ضباع صهاينته حتى من داخلها. وترجع "هآرتس" سر هذه اللفتة المنقذة إلى كون صاحبها، وفقما قالت، "يعيش ويموت بحسب نوايا إسرائيل" فإن هو تجاوز "السقف المنخفض جدًّا" المسموح له فأغضبها فلسوف "تتزايد أصوات المطالبين" "بخطوات من جانب واحد يمكن بنتيجتها أن تنتهي سلطة عباس".
هناك الكثير من القرائن الأوسلوية التي، ومن أسف، تتفق مع الالتزام بالسقف الذي تحدثت عنه "هآرتس"، ومنها تصريح المالكي وزير خارجية السلطة القائل بأنها قد "تقدَّمت بطلب للجنائية الدولية لتحديد موعد تقديم ملف الاستيطان والعدوان الأخير على قطاع غزة. وقد يكون منتصف الشهر المقبل"... ما قاله المالكي استبشر به المستبشرون، لكنما هذا لم يطل، إذ أوضح رئيس مؤسسة "الحق"، شعوان جبَّارين، بأن ما سيقدم هو ليس بالملفات وإنما مجرد إيداع للمعلومات، جوهره، كما قال، "تعاون رسمي مع جهد مكتب المدعي العام لتقديم المعلومات بناءً على طلب المحكمة"... وعاد فأوضح، تقديم معلومات لا ملفات "حول ما حصل في قطاع غزة من عدوان إسرائيلي عام 2014، والجرائم المحيطة بالاستيطان لأنه لا يوجد جريمة استيطانية"!!!
ما ينطبق على الجنايات الدولية وحكاية المعلومات لا الملفات هذه، لا يشذ مصيرًا عن سائر تلكم السياقات ذات النكهة الأوسلوية الملوَّح بها دون الإقدام عليها، من مثل مسألة قطع العلاقات الاقتصادية والأمنية مع المحتلين، التي كانت اللجنة التنفيذية قد شكَّلت لجنة سياسية لإعادة النظر بها ما زالت تجتمع لكنما دون أن تقرر أو توصي أو تعيد نظر... ثم أوليس مجرد طرح مناقصة العودة للمفاوضات هو بحد ذاته نكوصًا بيِّنًا عن التدويل، والذي ما كان يلوِّح بها إلا استدرارًا لهذه العودة؟! هذا التدويل، الذي إن هو أثار فعلًا قلق الصهاينة فهم لا يخشونه حقًّا اعتمادًا منهم على الحليف الأميركي... الفرنسيون، مثلًا، وبطلب أميركي، أجَّلوا مشروع قرارهم المتعلق، والذي هو في جوهره لن يكون أكثر من مدخل للمفاوضات، مغلف بسلوفان الإشارة إلى حدود 1967، مع إفراغ ما غُلِّف من مضمونه بتبادل الأراضي، والأخطر منه نصه على "الدولة القومية للشعب اليهودي"... وأخيرًا لا ينقصنا إلا قدوم فردريكا موجريني متوسطةً باسم الاتحاد الأوروبي، أي لتناول الأوسلويين جرعة ينشدونها من مخدِّر النفاق الأوروبي التصفوي.
وإذا ما أضفنا، ديمومة المراوحة وتليد المراوغة، أو التعثُّر المُتعمَّد للنهاية المرتجاة لحكاية طالت تدعى "إنجاز المصالحة"، أو أقله تنفيذ "اتفاق الشاطئ"، الجالب لما تعرف بـ"حكومة التوافق" المزعوم والأبعد عن مسماها، ناهيك عن مطمح "الوحدة الوطنية"، أو ما كاد اليوم أن يبدو طوباويًّا، ثم هذا الإحجام الأوسلوي المتعمِّد عن بذل الجهود المستحقة لفك الحصار الجهنمي المضروب عربيًّا وصهيونيًّا على قطاع غزة، بل المساهمة موضوعيًّا في إبقائه، وكذا راهن هذه المطاردات والاعتقالات المزدوجة، أو المتلازمة أوسلويًّا وصهيونيًّا، للمناضلين والمقاومين في الضفة، نخلص، ونحن ما زلنا نعيش ثقل الذكرى السابعة والستين للنكبة الفلسطينية المستمرة بمحطتيها 1948 و1967، إلى وجوب أن لا ننسى أن نضيف لهما ثالثتهما، 1993 الأوسلوية...