لا يزال الحديث الأميركي عن محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي وعن استراتيجية الرئيس باراك أوباما بشأن ذلك، نوعًا من أنواع الدجل الممارس منذ تفجير "الحريق العربي" ووصول كراته الحارقة إلى سوريا والعراق وليبيا، لاستخفاف عقول الشعوب العربية واللعب بعواطفها، وتغييب وعيها ووعي الرأي العام العالمي، كعامل رئيسي لاستثمار ذلك في تحقيق الأهداف الاستراتيجية المتعلقة بما يسمى مشروع "الشرق الأوسط الكبير" بتقسيم المنطقة إلى كيانات طائفية يتربع على كرسي قيادتها كيان الاحتلال الإسرائيلي.
وحين يقول كل ذي عقل وفكر ومنطق بأن كل المواقف المعلنة هي دجل، سواء كانت من الجانب الأميركي أو من الأطراف التابعة لمعسكر التآمر والتدمير الذي يقوده الأميركي، فإنه يعني ذلك، فمعطيات الواقع اليوم هي التي تقوده إلى الخلوص إلى هذه الحقيقة، إذ لا يوجد عقل سوي ووعي حاضر ومستقل أن يقبلا التبريرات الأميركية حول الجرائم الإرهابية التي يرتكبها تنظيم "داعش"، سواء في العراق أو سوريا بأنه "انتكاسة تكتيكية، وضعف تدريب وتسليح، وقلة قوات دفاع وحماية". فسقوط مدينة الرمادي العراقية ثم يتلوه مباشرة سقوط مدينة تدمر "لؤلؤة الصحراء" السورية ـ على سبيل المثال ـ في الوقت الذي تملأ فيه طائرات التحالف الأميركي المشكَّل لمواجهة "داعش" سماءي العراق وسوريا، وتتحرك قوافل الإرهاب الداعشي وعجلاته المحملة بالعناصر الإرهابية وبمختلف الأسلحة وخاصة الأميركية، حيث استخدم إرهابيو "داعش" صواريخ "تاو" الأميركية الصنع في استهداف الدبابات والعربات التابعة للجيش العربي السوري أثناء محاولتهم السيطرة على مدينة تدمر، فهذه التطورات وحدها كفيلة بتأكيد أن كل ما يقوله الأميركي وتابعوه عن محاربة "داعش" هو دجل وكذب محض، لا يقبله كل ذي بصر وبصيرة، ومثل هذه التطورات في أبعادها الاستراتيجية تبرهن على جميع الأهداف والخطط والمشاريع المعلنة من أجل السيطرة على المنطقة وإعادة رسم خريطتها وتقسيم ثرواتها بين المستعمرين القدامى والجدد، وتؤكد حضور الدور الصهيو ـ أميركي وتحكمه في مسارات أحداثه وصياغتها وفق ما تحتاجه اللحظة الراهنة، وبما يتناسب مع المطلوب في المرحلة اللاحقة، لا سيما وأن الميدان الذي يشهد سباقًا في تغيير موازينه وتعديلها يدفع باتجاه ضرورة المسارعة نحو حصد أوراق قوة تسمح بالجلوس على طاولة الحوار في مؤتمر جنيف الثالث الذي يعمل على التحضير له وإعداد أجنداته ستيفان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا.
ولذلك وأمام هذا القدر المتيقن والثابت واقعًا، لا يصح السؤال من قبيل: من أين حصل تنظيم "داعش" على صواريخ "تاو" الأميركية الصنع وغيرها؟ وكيف تمكن التنظيم من ذرع الأرض من العراق إلى سوريا والعكس بدباباته وعرباته وسماء العراق وسوريا مطوقة بطيران التحالف؟ ومن الذي يرشده إلى اختيار المكان والزمان الملائمين والحساسين، وتوجيهه للسيطرة على آبار النفط ومصافيه وحقول الغاز وتسهيل عملية بيعهما في السوق السوداء لصالح أطراف متآمرة؟ ولماذا أسندت إلى تنظيم "داعش" الإرهابي مهمة تجريف الأرض العربية من البشر والحجر والشجر والتراث الإنساني والحضاري؟ فالسؤال عن ذلك يصبح نوعًا من العبث وإهدار الوقت، ونوعًا من الغباء أو التغابي أو الاستغباء، عن إدراك الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار. ولهذا فإن الوصف الأميركي عن سقوط الرمادي العراقية وتدمر "لؤلؤة الصحراء" السورية بيد "داعش" الإرهابي بأنه "انتكاسة تكتيكية" هو توصيف دقيق وصحيح، في ظاهره يعبر عن امتعاض وأسف أميركييْنِ، وفي جوهره ومضمونه يؤكد أن كل ما يجري فعلًا عبارة عن تكتيك، وهذه هي الحقيقة.