أعماله الفنية تعكس الجوانب الإنسانية وما يمر به الوطن العربي من حالة استثنائية

- أجدني في حوار متداخل بيني وبين اللوحات الفنية التي تركز على الوجوه ، ففي الشيخوخة يكون الوقار وفي الطفولة تكون البراءة وفي منتصف العمر تكمن القوة والحدة

حوار ـ خميس السلطي:
الحديث عن قطاع الفن التشكيلي في السلطنة، له خصوصية الحضور والتفرد، فهناك الكثير من الأسماء الرائعة، التي أوجدت لنفسها أرضية صلبة تقف عليها، حيث وصلت إلى العالمية من خلال جهودها المثمرة والفاعلة، اليوم ومن خلال هذا الحوار الصحفي، نريد أن نكون أكثر قربا من الفنان العماني التشكيلي محمد المعمري، والذي حدثنا من خلال سياق اسئلتنا التي طرحناها عليه بشفافية ووضوح، سافرنا معه حيث اللون والريشة وحكايات الإنسان العماني، أطلعنا على جماليات هذا التكوين التشكيلي وأوضح لنا ما كان مبهما علينا، .. وللاستمرارية معه كان الحوار

- الشكل العام للفن التشكيلي العماني يبدو مميزا، من حيث السمات التي يطرحها، إضافة إلى الممارسات الفنية لهذا الفن، من خلال قربك وحضورك كيف تنقل لنا هذا الواقع؟ في تصوّرك الشخصي ما مدى قرب هذا الفن من خصوصية الحياة العمانية؟ كيف جسدها؟
- من خلال اطلاعي على هذا المجال فمن الملاحظ ان الحياة العمانية والعناصر العمانية اخذت جانبا كبيرا في هذا الفن من حيث المضمون والتكوين وربما بعض الرموز التي تستخدم في اللوحة التشكيلية ، كما ان الاساليب تنوعت في تناول مواضيع الحياة العمانية فالبعض يستخدم الفن الواقعي لبرز هذا الامر (الاخوة الحنيني) والبعض الآخر يستخدم الفن التجريدي (ادريس الهوتي وانور سونيا وعبد الكريم الميمني ونائلة المعمرية ومريم عبدالكريم) والبعض الآخر يستخدم اسلوب التركيبات (جمعة الحارثي ورشيد عبد الرحمن وموسى عمر) والبعض الآخر يستخدم الفن التعبيري او الأسلوب التآثيري (سليم سخي وعبد المجيد كاروه). حيث انه من الطبيعي تآثر الفنانين التشكيلين العمانين بالبيئة التي يتعايشونها والموروث الثقافي والحرفي والبيئي كون هذه المواضيع هي من المشاهد التي تقع في منظورهم البصري وفكرهم، فالبعض يستخدم عنصرا من الحياة او الموروث العماني كالبرقع والخنجر وعدد مختلف من الفضيات العمانية كجزء مكمل للوحته التشكيلية والبعض الاخر يتخذ من الموروث او الحياة العمانية كمحور فني يتناوله في مجموعه كثيرة من لوحاته كالابواب الخشبية القديمة والزخارف العمانية المختلفة سواء تلك التي بعدد من الفضيات او التي استخدمت في تزيين القلاع والحصون العمانية القديمة ، والبعض الآخر يستمتع برسم الحياة العمانية (الحياة البدوية وحياة الانسان العماني في السوق وغيره). كما ان هذا الامر لم يقتصر على اللوحة التشكيلية وانما استمتع النحات العماني بهذا الموروث من خلال استغلاله للفخاريات (سالم المرهون) وكذلك عدد من الفنانين الخزفين وربما لا تسعني المساحة لذكر الاخوة الزملاء الفنانين ذوي تجارب فنية متميزة في هذا الجانب الا انه حسبما ذكرت سلفا فان الاساليب تعددت وكذلك الادوات الفنية اختلفت في نقل هذه الحياه العمانية، لاسيما وان هذه الحياة (الموروث الحضاري) غنية بمواضيع مختلفة وهي مادة خصبة يستقي منها الفنان ابداعاته الفنية في مختلف المجالات.

- لك مشاركات خارجية متعددة، وآخرها تلك التي أنجزتها في ميلان الإيطالية، لو نقترب من هذه المشاركات؟ تُرى ما مدى إضافتها للفن التشكيلي لدى الفنان؟
كانت اول مشاركة خارجية لي في بينالي الشباب الثالث عشر بالقاهرة في عام ٢٠٠١م حيث قدمت اعمال عن الحروب التي وقعت انذاك في غزه وعن معاناة الشعب الفلسطيني ، وتلتها مشاركات اخرى في مختلف دول الخليج العربي وبعض الدول الاوربية وكان من اهمها سيمبوزيوم الفنون البصرية في دولة القطر في عام ٢٠١١م والتي حصلت على الجائزة الذهبية وكذلك البينالي الثالث في بلجيكيا في عام ٢٠١٢م والذي حصلت فيه على الميدالية الذهبية ودبلوم فنان الاوبرا الفائز في البينالي الثالث.
اما عن المشاركة الاخيرة في مدينة ميلان الايطالية فهي احدى جوانب التعاون والتبادل الثقافي بين السلطنة وجمهورية ايطاليا في مجال الفن التشكيلي، حيث اشتركت في معرض فني مشترك مع الفنان الايطالي المخضرم البالغ من العمر ٨٢ عاماً(اتيليو فروجولي) بعدد ١٣ عملا فنيا اغلبها تعكس الطابع العماني والحياة العمانية والبدوية المختلفة والتي حاولت فيها نقل بعض مشاهد العمانية التي تعكس الموروث العماني باسلوب واقعي سريالي، بينما قدم الفنان الايطالي مجموعه فنية مختلفة حوالي ١٦ عملاً فنيا منها اعمال من ايطاليا والاخرى من القارة الافريقية التي تاثر بها مؤخرا باسلوب تجريدي ، وهنا من الممكن ذكره ان هناك بعض العوامل المشترك بين اعمال الفنان الايطالي واعمالي الفنية من خلال المساحات في اللوحة ومن خلال استخدام القطرات اللونية ، وهذا الأمر يعكس ان اللغة العالمية التي جمعتنا في هذا المعرض هي لغة الفن التشكيلي رغم اختلاف ثقافاتنا. مثل هذه المشاركات فإن تضيف للفنان التشكيلي الكثير من خلال اطلاعه على تجارب الفنانين المختلفة في الدول الاخرى واعطائه المجال في تجديد منظوره الفني وكيفيه معالجته للمواضيع التي يتناولها في لوحاته وكذلك اطلاع الفنان على ثقافات هذه الدول وموروثها الفني الكبير والتي نقلت عن طريق اللوحات والمنحوتات والاعمال الفنية المختلفة وكذلك وقفة احترام وتقدير هذه الدول للفنون التشكيلية المختلفة كما ان هذه التجارب تستوقف الفنان وقفه ليرى ذاته اين هو من هؤلاء الفنانين واين هو من فنون العالم.
- المسابقات الفنية التشكيلية في السلطنة قليلة جدا، والبعض يصفها بالمقطوعة أي المغيّبة، على الرغم من إنها أداة تحفيز لأن يبدع الفنان العماني، هل نقول إنها لبّت طموح الفنان؟ كيف تقرأ تسويقها لنتاجه الفني الفكري؟
المسابقات الفنية هي محدودة بعدد من المسابقات السنوية التي تقام من قبل الجمعية العمانية للفنون التشكيلية ومرسم الشباب وهي في رأيي اصبحت اداة وفرصة لاحتضان اعمال فنية جديدة وتحفز الفنانين للتجديد في اساليب طرحهم لنيل الجوائز المراكز الاولى وجوائزها المالية، غير ان البعض من الفنانين المشاركين في هذه المسابقات يحيدون عن الابداع ويلجأون لتقليد بعض التجارب الفنية المميزة سواء للفنانين التشكيليين العمانيين وغير العمانيين وهذا الامر يؤثر على مستويات هذه المسابقات كمجمل، وبالتالي فيمكن ان نقول انها اداة جيدة لترويج العمل الحاصل على المركز الاول وفكر الفنان في هذا العمل، وهنا يتطلب قراءة فنية لهذا العمل بعد العرض ويتطلب قراءات نقدية بناءة لمثل هـذه الاعمال تكريما للمستوى الفني الذي حصل عليه والعمل على تطوير الاطروحات التشكيلية الفنية العمانية، مثل ما ذكرت سابقا ان هذه المسابقات محدودة حيث يتطلع الفنان التشكيلي طوال العام مسابقات فنية مختلفة ليعرض نتاجه الفكري المتجدد وفي رأيي انه يمكن ان يتواجد تعاون مع القطاع الخاص في هذا الجانب من خلال طرحه لمسابقة فنية تمثل محور ما يختص بالقطاع الخاص من جانب تتسنى للفنان عرض افكاره ومن جانب اخر تحصل الجهه المعنية في القطاع الخاص على افكار واطروحات جديدة من الممكن تطبيقها ، كما انني ادعو الفنانين الى البحث المستمر في الدخول في المسابقات الاقليمية والدولية فهناك فرص مختلفة ومتعددة للفنان يجب الاخذ بها.
- الفنان التشكيلي العربي عامة، والعماني خاصة، بعيد جدا عن المزادات الفنية العالمية، على الرغم من إتساع التجربة في هذا المجال، بماذا تفسر هذا البعد؟ أم أن التجربة لم تصل إلى مرحلة النضج؟
حسب علمي المزادات العالمية تتطلب وجود جهات معنية(كجمعيات الفنون والمراسم وصالات العرض المختلفة) للدخول فيها ولايمكن للفنان الدخول فيها مباشرة، كما انه حسبما سمعت من بعض الفنانين العرب الخليجيين وغيرهم انهم لهم تجارب في هذه المزادات،اما بخصوص الفنان التشكيلي العماني فلا يوجد لديه حضور في هذه المزادات وفي رآيي ان هذا الامر مهم ويتطلب وجود الدعم اللازم من قبل الجهات المعنية وذلك من خلال السعي في الدخول في هذه المزادات كمزاد كريستي وغيرها ، حيث انه توجد مجالات من الممكن وجود الفنان العماني فيها او العربي وذلك حسب تصنيف هذه المؤسسات لمقتني الأعمال الفنية . كما انني لا اعتقد ان التجربة العربية او العمانية لم ترتق لمستويات هذه المزادات وانما يتطلب الامر الاهتمام في اظهار الفنان التشكيلي والفن التشكيلي لاي بلد ما من خلال قنوات معينة لتعرض ما هو افضل وما يمثل الفنون التشكيلية لهذه البلد خير تمثيل .

- يمر الوطن العربي بمرحلة استثنائية، وقد نصفها بالحرجة التي أوجدت التراجع في مختلف القطاعات "السياسية، الاجتماعية، الثقافية، الأقتصادية"، كيف اقترب الفنان التشكيلي من هذه المرحلة ؟ كيف أخرجها للمتلقي من خلال ريشته الفنية؟
مثل هذه الاحداث تنعكس في مجموعه معينة من الاعمال قد يطرحها الفنان في احد المعارض وفي الغالب تنعكس هذه الظروف السياسية والاجتماعية على الفنان التشكيلي المتاثر بهذه الاحداث . فالعديد من الفنانين قاموا باعمال فنيه تناقش الاوضاع في بعض الدول العربية والحروب التي قامت بها، ولكل فنان اسلوبه في الطرح فالبعض منهم يستخدم الالوان الحاره والالوان القاتمة وذلك ليعكس مدى تاثره بشكل سلبي .
- الجانب الإنساني بقضاياه المتعددة دائما ما يشغل المبدع في مختلف توجهاته الأدبية الفنية، أنت كيف لامست هذا الجانب من خلال لوحاتك المبتكرة؟
اهتم للجانب الانساني كونه يلامس جميع طبقات المجتمع ، ففيه يرى الفنان نفسه في بعض الحالات التي يناقشها في لوحاته التشكيليه او اعماله الفنيه او لربما يتأثر بالانفعالات التي تكون مصاحبة للقضايا الانسانية والاحاسيس التي تكون بها في هذه القضايا
عن اعمالي فأنا لامست هذا الامر في بعض الاعمال التي انجزتها خلال الفتره ٢٠٠٣م الى ٢٠٠٧م والتي كنت اناقش فيه مواضيع اهمها الصرخة وحرية امرأة وكذلك الدعوه لرؤيه العالم مقلوباً والاخير رآسا على عقب وهي كانت فترة قد تاثرت بها لهذه المواضيع وقد حاولت فيها اطرح هذه الجوانب برؤيتي وحسب امكانياتي انذاك
- جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، أتت لترسخ ذات الفكر، فهي تقترب من المثقف العربي والعماني بصور عميقة ورائدة، ما هي قراءتك لهذه الجائزة؟
هذه الجائزة هي لفتة وقراءة ذات بعد نظر من لدن مولانا صاحب الجلالة ، فهو المعلم الأول لهذا الشعب والذي يرسخ فيها مفهوم التكريم والتقدير والاحترام للمثقفين العرب والعمانيين في مختلف المجالات ، وهي دعوة في الوقت ذاته للمبدعين لتقديم خلاصة ابداعاتهم وخصوصا ان الامم ترتقي برقي مثقفيها ومبدعيها، فمن متابعتي للدورات السابقة لهذه الجائزة والاعمال الحاصلة على الجوائز هي اعمال متفردة وراقية بمستواها الفني والثقافي وهي تكريم لمسيرة كل مثقف ومبدع، استحقت هذه الاعمال بكل جدارة الحصول على وسام شرف في الحصول على اسم الجائزة

- تكاد أن تكون لك سمات خاصة في تناولك لقضاياك المتعددة في لوحاتك الفنية، فيبدو أن ثمة علاقة مترابطة بينك وبين "البورتريه" المتمثلة في الوجوه، لنقترب بنوع من الشفافية من هذه السمات؟ دعنا نتعرف عليها بصورة موسعة؟
الأعمال الاخيرة وخصوصا اعمال البورتريه هي صور لأشخاص التقيت بهم خلال رحلات التصوير التي اقوم بها في المناسبات التي تكون قبل الاعياد (الهبطات) وقبل اختيار صور هذه الوجوه اقوم بالبحث في الصور المتوفرة لدي لحوار ما يقع بيني وبين الصورة ليقع الاختيار عليها لرسمها، حيث انني استمتع برسم تفاصيل وتعابير هذه الوجوه واجد فيها حوارات بيني وبيني هذه اللوحات ، من خلال الدخول في تفاصيل متعددة في الوجوه وفي التعابير التي مرت عليها هذه الوجوه بسبب تقادم العمر، وفي رسم الاعين وكذلك باقي اجزاء الوجه. ففي الشيخوخة يكون الوقار وفي الطفولة تكون البراءة وفي منتصف العمر تكمن القوة والحدة.
- المتتبع للوحاتك الفنية يرى أن "الإبل" حاضرة في الكثير من هذه اللوحات، هل نقول نتاج علاقة بينكما؟ كيف تخبرنا عنها؟
لوحات الجمال (الابل) الاخيرة والتي هي جزء من المعرض الاخير “قطرات” هي نتيجه متابعتي لمضمار الابل منذ عام ٢٠١٢م وحتى الان ، حيث ان هذه الاعمال ارى فيها عددا من القيم والصفات التي اتصف بها العمانيون مثل المواجهة والتحدي ومثل والترويض والتأهب والاستعداد، وغيرها، وهي مجرد لحظات قبل انطلاق الجمل من نقطة بداية المضمار ، فوجوه الاشخاص تكون حادة وتكون ذات عزم وقوة وفي نفس الوقت الجمال تكون هائجة، كما الاصوات التي تخرج من هذه الجمال في المضمار اظل اتذكرها عند قيامي برسمها
- عندما نقف لنتأمل البعض من لوحاتك أيضا، نسافر بعيدا حيث الشفافية وروح التغيير، مع الأخذ بجماليات المكان المحيط بنا، وهذا يتشكل في تقارب الألوان وتشاركها في أغلب هذه اللوحات، وهذا أمر بلا شك يميزها، بماذا تفسر هذا التقارب بين الألوان؟
المجموعه الاخيرة من الاعمال الفنية اتسمت بوجود الفراغات في اللوحة ووجود الموضوع بارز وواضح ووجود بعض الالوان المنتشرة بجوانب الموضوع نفسه، وهنا اوجه عين المشاهد على الموضوع نفسه دون تشتيته مع اعطائه مساحات فراغية لتريح عينه، وهي نفس فكرة اي قطرة متواجدة في اي سطح ما حيث ان هذه القطرة تظل بارزة وظاهرة بشكل مباشر في هذا السطح . وهنا ارغب بتوضيح انتشار بعض الالوان في بعض الصور وهذي ما هي الا قراءة لونية لانعكاسات هذه الالوان القوية في البيئة التي تكون من حولها وكذلك الظلال في بعض اجزاء الموضوع المرسوم، فعلى سبيل المثال لون المصر الاحمر والالوان المنتشرة حوله من ذات اللون فما هو الا انعكاس لوني لهذا اللون في البيئة المحيطة به .
كما انني لا اميل لاستخدام نفس الالوان في عدد من اللوحات وانما التزم بميزان اللون وقاعدته.
- في مقال للفنان التشكيلي عبدالكريم الميمني، حول لوحة "الصرخة" وصفك بأنك المميز والمذهل في تناول قضاياك الفنية الإنسانية، فأنت تمارس عدة طقوس وأيضا تقترب بعمق من جميع المدارس الفنية، كيف تعلق على هذا المقال؟
هذا المقال من المقالات الجميلة والرائعة، أبدعه الأخ عبد الكريم الميمني ، اعجبتني قراءته جداً للعمل وكيفية دخوله في تفاصيل العمل ، بكل زوايه وهي قراءه فنيه رائعه من عين تستمع بما ترى وقلم يسرد هذه الرؤيا بأسس وبشكل بناء.
- في نهاية حديثنا نود أن نتعرف على جديد الفنان التشكيلي محمد
- المعمري؟
كما ذكرت سابقا حول مشاركتي في ميلان أنها تبادل ثقافي بين السلطنة وجمهورية ايطاليا في مجال الفن التشكيلي، فأنا اعمل حاليا على تنظيم معرض آخر في نهاية العام في عمان وذلك مع الفنان الايطالي (اتيليو فروجولي)، الا انه حاليا لا تحضرني التفاصيل حول موعد المعرض والجهه المنظمة.