تعتبر منطقة الخليج العربي1، من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم، ولعبت دورا كبيرا في تشكيل تاريخه، وقد تجلت أهميتها عبر العصور المختلفة، نظرا لموقعها الجغرافي المتميز الذي يتوسط بين الشرق والغرب، حيث ازدهرت الملاحة بين موانئ الخليج العربي وموانئ المحيط الهندي، بالإضافة إلى مواردها الطبيعية وثرواتها المتعددة، لدرجة أن البعض ذكر بأنه ما من بحر داخلي في العالم قد أثار أطماع الدول والامبراطوريات بمثل ما أثاره الخليج العربي.
ولذلك لطالما تعرضت منطقة الخليج إلى الأطماع والغزوات الاستعمارية خاصة من الدول الأوروبية الكبرى، التي حرصت على أن يكون لها نفوذ وموطئ قدم في هذه المنطقة التي اعتبرت منطقة تحاذي أحد أطراف الامبراطورية الهندية، وتشكل جسرا يربط أوروبا بالشرق الأقصى.
إن أهمية الخليج العربي كممر مائي تلتقي فيه أهم طرق المواصلات الدولية وأقدامها، قد ترك أثرا كبيرا على تاريخ الخليج، وبالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي الذي تمتع به عبر العصور المختلفة، فقد نشأت أيضا على ضفافه الشرقية والغربية، العديد من المدن والموانئ التي خدمت كمراكز لنقل السلع وتوزيعها، سواء في الفترة التي سبقت وصول البرتغاليين أو بعدهم، وقامت في هذه المدن والموانئ عدة إمارات عربية، أضفت طابعها الخاص على المنطقة.
ويمثل القرن السادس عشر حقبة تاريخية مهمة بالنسبة للمنطقة وشعوبها، حيث شهد هذا القرن كتابة تاريخ جديد بالنسبة لها، عندما وصل إليها البرتغالييون محملين بالنوايا الاستعمارية البحتة، وبالأطماع السياسية والإقتصادية المختلفة، وذلك بعد اكتشافهم لرأس الرجاء الصالح2، حيث اعتبرت تلك الرحلة عملا حاسما في تاريخ العالم، ومهدت نحو إقامة الامبراطورية البرتغالية في الهند3 والشرق، والسيطرة على ممرات الوطن العربي ومنطقة الخليج الحيوية وفتحت الطريق أمام الدول الأخرى للتسابق نحو المنطقة وتحقيق نجاحات توازي ماحققه البرتغاليون. وكانت القوى الاستعمارية في تسابقها نحو استعمار مناطق متعددة في العالم تسعى إلى تحقيق الكثير من الأهداف، ولكن يأتي في مقدمتها حرصها على استغلال الدول الضعيفة والسيطرة على مقدراتها الاقتصادية، ولم تخرج منطقة الخليج عن هذا الإطار في نظرة الدول الاستعمارية لها، وكان من أبرز تلك القوى بخلاف البرتغاليين، كل من الإنجليز والهولنديين وغيرهم. وبالإضافة إلى ارتباط تلك القوى بالخليج، فقد شهدت المنطقة الكثير من الصراعات الداخلية فيما بين القوى المحلية في مختلف أجزائها، مما ضاعف من تردي الأوضاع فيها على مختلف الأصعدة، وإن كانت بعض هذه القوى المحلية دافعت عن المنطقة، وأخذت على عاتقها مقاومة الاستعمار الأوروبي، مثلما فعل العمانيون والقواسم، خاصة في صراعهم ضد البرتغاليين والإنجليز.
ويمكن بالتالي تحديد أوجه صراعات المصالح التي قامت في منطقة الخليج منذ القرن السادس عشر، على النحو التالي:
- صراع المصالح بين القوى المحلية مثل القواسم وبنو ياس وبنو خالد والعتوب وغيرهم.
- صراع المصالح بين القوى الإقليمية مثل فارس والدولة العثمانية وعمان.
- صراع المصالح بين القوى الاستعمارية، مثل البرتغال وفرنسا وانجلترا وهولندا.
وسنستعرض فيما يلي أبرز القوى المحلية التي كان لها دور مؤثر في المنطقة قبل عام 1763م:
أولا: القواسم
ظهرت زعامة القواسم على عهد زعيمهم رحمة بن مطر المعروف بكايد بن عدوان4 في أوائل القرن السابع عشر الميلادي، وكان ذلك حين أراد الشاه عباس الكبير مقاتلة البرتغاليين في هرمز فاستعان بالعناصر العربية على الساحل الفارسي، ووجد مساعدة من الشيخ كايد الذي انتقل منذ ذلك الوقت إلى جلفار(رأس الخيمة)، وهي التي عرفها الملاحون العرب باسم رأس الخيمة5. وكانت بالتالي رأس الخيمة مقرا لشيخ القواسم بديلا عن جلفار القديمة، ويحلو للبعض أن يطلق عليها جلفار الجديدة، وظلت عاصمة للقواسم إلى أن دمرها الإنجليز في حملتهم الكبرى عام 1819م، فتم اتخاذ الشارقة6 عاصمة لإمارة القواسم الكبرى7.
وبعد اغتيال نادر شاه عام 1747م، استعان بعض قادة الفرس الطامعين في الحكم بالقبائل العربية في الخليج لمقاومة الحكام المتعاقبين بسرعة على عرش فارس، مما أدى ذلك إلى تصاعد نفوذ القواسم في الساحل الشرقي للخليج8، وفي عام 1751م تصاهر ملا علي شاه الذي كان يسيطر على معظم الأسطول الفارسي عقب اغتيال نادر شاه مع شيخ القواسم راشد بن مطر، حيث قام الملا علي بتزويج إحدى بناته للشيخ رحمة القاسمي9، وكان لهذه المصاهرة أهمية خاصة، إذ أنها كانت بداية لتحالف بين قائد الأسطول الفارسي وزعيم القواسم، حيث أصبح القواسم بفضل هذا التحالف قادرين على الاستفادة من الأسطول الفارسي، بل واستخدامه ضد خصومهم ومنافسيهم، وقد نجح القواسم في عهد الشيخ راشد في الاستيلاء على باسيدو10 في جزيرة قشم11، كما اشتركوا مع حليفهم ملا علي شاه عام 1755م في الهجوم على شيخ بني معين ومحاصرته في ميناء لفت، وتمكنوا من انتزاع قيادة المنطقة من بني النعيم12.
وأصبح القواسم يسيطرون على جزر وموانئ هامة تضم بندر عباس وهرمز وقشم13، وفي عام 1759م اشترك القواسم في الحروب التي كان يخوضها الأمير مهنا شيخ بندر ريق ضد الهولنديين، كما أيد القواسم حليفهم ملا علي شاه ضد تمرد أتباعه الذين نجحوا في نفيه إلى هرمز عام 1760م، وسلموا قلعة بندر عباس إلى شقيقه جعفر خان، وحين حاول بنو معين انتهاز هذه الفرصة لاسترجاع جزيرة قشم، أسرع القواسم إلى نجدة حليفهم ملا علي شاه وهاجموا من أجل ذلك بندر عباس، وإن كانوا لم يفلحوا في إجلاء حامية خان لار، وفشلوا في الاستيلاء على قلعتها، في الوقت الذي قام فيه ناصر خان حاكم بوشهر بالرد على ذلك الهجوم بإرسال حملتين انتقاميتين ضد لنجة ورأس الخيمة، ولكن فشلت في تحقيق أهدافها، فقام ناصر خان بتخريب جزيرة قشم14.
يتبع،،،،

هوامش :

1 - الخليج العربي: تطلق هذه التسمية على الدول العربية التي تطل على سواحل الخليج، وهي الأكثر مساحة، ابتداء من جنوب العراق في رأس الخليج حتى سلطنة عمان جنوبا، وقد وصفه ياقوت الحموي بأن شعبه من بحر الهند الأعظم، حيث يمتد على شكل ذراع، بينما يشكل البحر الأحمر الذراع الآخر الموازي له في الموقع الجغرافي والأهمية، وبالتالي يشكل الاثنان نقطتا الوصل بين حوضي البحر المتوسط والمحيط الهندي، ويقدر طول الخليج العربي بحوالي 990 كم، وتبلغ مساحته 24 ألف كم مربع. انظر: العلى، عفاف السيد: تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين عمان والهند، ط 1، مركز الراية للنشر والإعلام، القاهرة، 2012، ص 193.
2 - رأس الرجاء الصالح: رأس القارة الأفريقية الجنوبي، سمي في البداية رأس العواصف لكثرة العواصف التي تثيرها حوله الرياح الشديدة، تم اكتشافه من قبل المستكشف البرتغالي باثلميو دياز عام 1481م، اختار له ملك البرتغال تسمية "رأس الجراء الصالح" على سبيل التفاؤل والأمل، وكان أول من نجح في الدوران حوله هو القائد البرتغالي فاسكود دي جاما عام 1497م في طريقه إلى الهند. انظر: السعدون، خالد: مختصر التاريخ السياسي للخليج العربي منذ أقدم حضاراته حتى سنة 1971م، ط 1، جداول للنشر والترجمة والتوزيع، بيروت، 2012، ص 108.
3 - الهند: تستمد الهند اسمها من كلمة "سندهو" ، وهو الإسم الهندي لنهر : الغندونس "، وهو نهر السند، ومن هذه الكلمتين اشتقت كلما "أند"، و"هند"، ومعناهما الأرض التي تقع وراء نهر الإندوس، وهناك آراء أخرى ترجح الفضل في تسمية الهند إلى الإله " أندرا " إله الهند. انظر: العلى: عفاف السيد: مرجع سابق 22.
4 - رحمة بن مطر: المعروف بإسم (كايد بن عدوان)، لسطوته، وفي بعض الأقوال (كايد بن حمود) وهو أول زعيم للقواسم، والجد الأكبر لحكام إمارتي رأس الخيمة والشارقة، ولعله المؤسس للحلف القاسمي، الذي حكم الإمارتين المذكورتين، وضم إليه إمارة الفجيرة وساحل الشميلية، وتحالف معه النعيم حكام إمارة عجمان، وآل علي المعروفون بالمعلا حكام إمارة أم القيوين، وامتدت الدولة القاسمية لتشمل أجزاء كثيرة في الساحل الفارسي، فكانت عاصمتهم لنجة، وكايد بن عدوان هذا ورد في شجرة الأنساب بإسم (كايد) ووضعوا فوقه اسم (قاسم)، إذ أن واضعي شجرة أنساب القواسم لم يحددوا العلاقة بين كايد وقاسم، كما أن بعض الأساطير المحلية تقول بأن كايد لقب تلقب به أول زعيم للقواسم، وكان رحمة بن مطر، وأن لقب كايد يعني شديد وصلب. انظر: الميري، خلف عبدالعظيم: أثر القواسم إبان تكوين الخليج العربي، ضمن كتاب الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، القاهرة، 1431هـ/2010م، ص 95؛ حنظل، فالح: المفصل في تاريخ الإمارات العربية، ج 1، لجنة التراث والتاريخ، دولة الإمارات العربية المتحدة، 1983م، ص 50؛ العيدروس، محمد حسن: دولة الإمارات العربية المتحدة من الاستعمار إلى الاستقلال، ط 1، ذات السلاسل، الكويت، 1989م، ص 45.
5 - اختلف المؤرخون على مسألتين بشأن القواسم، أصولهم وتاريخ مجيئهم إلى جلفار. فالمؤرخ البريطاني كيلي، جون بي يعتقد أن القواسم كانوا يؤلفون فرعاً من بني غافر الذين هاجروا من نجد الواقعة وسط شبه الجزيرة العربية إلى عُمان في القرن السابع عشر تقريباً. وبالمقابل، فإن المؤرخ المصري سيد نوفل، يقول بأنهم قبائل عربية يعود أصلهم إلى عدنان، وكان مسكنها الأول سامراء في العراق. وهاجرو إلى جلفار حوالي النصف الأول من القرن الثامن عشر. ومن المصادر من ترجع أصولهم إلى قبائل نجد، وهناك مصادر أخرى ترجعهم إلى قبائل آل ظفير، ومن الباحثين من يرجع القواسم إلى منطقة الصير بعمان، واذا تحقق هذا الرأي، فإن هذا يعنى أن استقرار القواسم في عمان لم يكن استقراراً حديثاً، وإنما كان ذلك في فترة بعيدة في التاريخ، وأن امتدادهم إلى الساحل الجنوبي للخليج حدث في فترات تاريخية تالية، خاصة وأن هناك مصادر كثيرة ترجع قدوم القواسم إلى الساحل الجنوبي للخليج في أوائل القرن الثامن عشر، وأن انتشارهم إلى الساحل الجنوبي للخليج في أوائل القرن الثامن عشر، وأن انتشارهم امتد من مسندم إلى الديرة من أعمال دبي. ومن الباحثين من أرجع القواسم إلى الديرة من أعمال دبي؛ ومن الآراء من تعتبر القواسم فرعاً من عرب الهولة – وهي قبائل تقطن الساحل الشرقي من الخليج العربي بين بوشهر وبندر عباس. انظر:
Bombay Govt: op. cit.، Historical Shech of the Joasmee tribe of Arabs. vol. XXIV, By Francis warden Bombay 1856. P. 300
وانظر: كيلي، جون بي: بريطانيا والخليج 1795– 1870، ترجمة محمد أمين عبدالله، وزارة التراث القومي والثقافة، ج 1، مسقط، 35؛ فينزنزو، موريزي: السيد سعيد سلطان عمان ومعه تاريخ الشعوب والأقطار على سواحل الخليج العربي، ترجمة محمود فاضل، ط 1، الدار العربية للموسوعات، 1988م، ص 87، 88؛ العابد، صالح: دور القواسم في الخليج العربي 1747- 1820، مطبعة العاني، بغداد، 1976، ص65؛ السالمي، محمد عبدالله، عساف، ناجي: عمان تاريخ يتكلم، المطبعة العمومية، دمشق، 1963م، ص 198. انظر أيضا:
Miles. Countries and Tribes of the Persian gulf, pp. 267-269
6 - الشارقة: كانت تعتبر أكبر وأعظم المدن أهمية على ساحل عمان المتصالح، وكانت مشيخة الشارقة تشمل جزءا كبير من رأس عمان سابقا. وكانت بلدة الشارقة القديمة ضيقة مفتوحة تحميها قلعة ومدافع وبعض الأبراج المتفردة، ويقطنها القواسم وآل علي والشويهيين وخليط من القبائل. انظر: لوريمر، ج. ج: دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة العربية. ط 2، القسم الجغرافي، ج 2، طبعة وترجمة مكتب الأمير دولة قطر، الدوحة، 1976، ص 2305؛ القاسمي، سلطان بن محمد: القواسم والعدوان البريطاني (1797 – 1820)، منشورات القاسمي، الشارقة، 2012، ص 37.
7 - الميري، خلف عبدالعظيم: مرجع سابق، ص 92-92.
8 - قاسم، جمال زكريا: تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر، المجلد الأول، القاهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 2001، ص 242.
9- لوريمر، ج. ج: مرجع سابق، القسم التاريخي، ج 2 ، ص 968.؛ القرني، صالح بن مرعي: الحملات البريطانية ضد القواسم، مكتبة الفلاح، الكويت، ط 1، 1424هـ/2003م ص 84.
10 - باسيدو: محطة بريطانية في الطرف الغربي لجزيرة قشم، وتقع على مسافة حوالي 25 ميلا إلى الشرق من ناحية الشمال لمدينة لنجة، وتضم باسيدو قرية أهلية تسمى "بندر سنكو" وقرية نخلستان. انظر: لوريمر، ج. ج: مرجع سابق، السجل الجغرافي، ج 1، ص 420؛ ويلسون، أرنولد: الخليج العربي من العصور الأولى حتى بداية القرن العشرين، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط1، 2012م/1433م، ص 354.
11 - عبدواني، حسن: دول شرق الجزيرة العربية، عمان، ساحل قطر والبحرين، خلال 1750 – 1820م، دار الجيل للطباعة، الفجالة، ص 40.
12 - القرني، صالح بن مرعي: مرجع سابق، ص 84.
13 - قشم: حملت هذه الجزيرة أسماء عديدة في القرون الوسطى منها الطويلة ولافت وجزيرة ابن كاوان وجزيرة برخت والقشم، وهي واقعة مقابل ساحل لارستان وبندر عباس، ويبلغ طولها حوالي 115 كم، ويفصلها عن البر الرئيس مضيق كلارنس، وكان أهلها عربا زمن سلطنة هرمز، ورد اسمها في سجلات البوكيرك بإسم كوشن Cochim وإسم ملكها الذي تعاون مع البوكيرك قودا فارما، الذي توفي عام 1510م، ويقال أن الزلزال الذي وقع عام 1884م قد دمرها، وقد حظيت باهتمام الكثير من المؤرخين والجغرافيين العرب. انظر: سجلات أفونسو دلبوكيرك (1503- 1515م) الرواية البرتغالية لأحداث الغزو البرتغالي لسواحل الخليج العربي والمحيط الهندي، ترجمة عبدالرحمن عبدالله الشيخ، مراجعة وتقديم أحمد عبدالرحمن السقاف، ط 1 ، دار الكتب الوطنية، أبوظبي، 2013، ص 19؛ خوري، ابراهيم، والتدمري، أحمد: سلطنة هرمز العربية، سيطرة سلطنة هرمز العربية على الخليج العربي، المجلد الثاني، رأس الخيمة، 1999م، ص 34.
14 - قاسم، جمال زكريا: تاريخ الخليج، المجلد الأول، ص 242.

محمد بن حمد الشعيلي
أكاديمي في الجامعة العربية المفتوحة
[email protected]