القصة التي بين يدينا تحمل عنوان (العمامة)، وهي القصة القصيرة السادسة ضمن المجموع القصصي (عمامة العسكر) للقاص العُماني حمود سعود ، ويستمد عنوان المجموعة مادته الخام من عنوان هذه القصة، مع إلحاق علامة أخرى به لها سيميائيتها بالنظر إلى بعض القصص القصيرة الأخرى الموزعة في ردهات المجموعة، وقد صدرت المجموعة في طبعتها الأولى عام 2013م عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت.
تتألف هذه القصة من 15 وحدة، تتآلف فيما بينها بمنطقية سردية تؤجج التحولات نحو نقطة النهاية، وهذه الوحدات هي وفق التتابع الطباعي:
1. دعوة المسؤول
2. الإهداء
3. الحلم
4. الخروج
5. الارتعاب
6. الحلم
7. الارتعاب
8. الوصول
9. طلب المساعدة
10. الخيبة
11. التفتيش
12. القلق
13. العودة
14. الشكوى للمسؤول
15. الإغماء
هذه خمس عشرة وظيفة تشكل تحوّلات القصة، وتنسج عبرها حركة السرد، إلا أنها تنقسم من حيث محوريتها إلى نوعين : الوظائف النوى، والوسائط1، وإذا شئنا التمييز بين هذه الخمس عشرة وظيفة وفق التقسيم الثنائي هذا فلنلحظ الآتي:
النواة الأولى: دعوة المسؤول:
فهي الوظيفة الرئيسية الأولى في القصة، كما أنها هي المنطلق الذي تتضامّ إليه الوظائف الأخرى، وتندرج تحت هذه النواة بشكل تضميني الوظيفتان التاليتان لها (الإهداء – الحلم)، بحيث تتشكل هاتان الوظيفتان كوسيط للوظيفة النواة، فالإهداء كما هو الحلم إنما نتجا بسبب حدوث الوظيفة الأولى.
النواة الثانية: الخروج:
وتنضوي تحتها كوسائط الوظائف الثلاث الموالية لها (الارتعاب – الحلم – الارتعاب)، حيث يشكل فعل الخروج انبلاجًا لسلسة أفعال تحدد خط سير السرد، وهنا يبدأ حدث مفصلي في القصة، وهو حدث الارتعاب، يليه مباشرة معاودة الحلم ثم معاودة الارتعاب لضخ مزيد من الفعل التنبيهي المذكر للمتلقي.
النواة الثالثة: الوصول:

وهي وظيفة رئيسية تجمع تحتها وسائط (طلب المساعدة – الخيبة – التفتيش – القلق) وتشغل حيّزًا كبيرًا من السرد بسبب من كثرة وسائطها التي تقوم هنا بتصعيد وتكريس للنوة السابقة، وأيضًا بسبب احتمالها العديد من الدلائل كما سيبين فيما بعد.
النواة الرابعة: العودة:
وتدخل تحتها وظيفتا (الشكوى للمسؤول – الإغماء) مشكلة بذلك المرسى الذي ينتهي إليه تصعيد تحولات السرد، محددًا الفضاء المكاني المنتهى إليه بالمبتدأ به.
وهذه النُوى الأربع تتضام فيما بينها، بحيث تنتج كل منها بسبب من الأخرى وفق منطق سردي متناسب والزمن، كما أنها تشكّل متواليتين هما: متوالية (الهدية)، ومتوالية (الارتعاب)، فتندرج تحت المتوالية الأولى النواتان الأوليان (دعوة المسؤول- الخروج)، بينما تندرج تحت الثانية النواتان الأخريان (الوصول – العودة)، مع ملاحظة أن النواة الثانية هي الرابطة بين المتواليتين على صعيد الوظائف الرئيسية.
وتقوم هاتان المتواليتان بمهمة إفشاء الحركة السردية، بحيث تنبثق منهما مجموعة الوظائف المذكورة مشدودةً جميعها نحو هاتين المتواليتين، مع وضوح اتصالهما دونما انقطاع يستدعي بث الصلة عبر مستوى الأفعال: اتصالاً منطقيًا وتعاقبيًا في الوقت نفسه.
أما على صعيد الدلائل فلا بد لنا أن نتجاوز الصفة التعاقبية لصالح المنطق السردي، وحينئذ فينبغي لنا أولا أن نميز الدلائل التي تنبني عليها القصة، وفق الجدول المرفق :
إن هذه المدلولات تشكّلها دلائل متفشية على طول القصة، وهذا يحتّم علينا قراءتها بشكل عمودي بعيدًا عن المنحى التتابعي، فهي تبيّن لنا الكينونة الوجودية للشخصية/ البطل بوجهٍ يمنطق لنا الأحداث التي تقوم بها هذه الشخصية، حيث الذكورة المقهورة التي تبدأ علامتها منذ العنوان (العمامة) ونضوج العمر الذي انبنى على روتين حياتي بسيط هو الذي سيجعل من الهدية الصغيرة المختلفة كفيلة بهدم هذا النمط الحياتي وهدم الشخصية نفسها.
وتنبني جميع أفعال القصة على شخصية محورية لعامل مجهول الاسم بيِّن الصفات، تليه بعد ذلك جملة شخصيات، هي على التوالي حسب قوّة حضورها: المسؤول، الجار، المعلم، الزوجة، وتتشكل هذه الشخصيات حسب المحاور الآتية:
1. محور الفاعل/ المفعول:
حيث يكون المسؤول في النواتين الأولى والأخيرة فاعلاً، والبطل مفعولاً، بينما يتكرس البطل فاعلًا في النواتين الثانية والثالثة، كما تدخل الزوجة بشكل مختزل كفاعل في النواة الثالثة والبطل كمفعول.
2. محور المرسل/ المستقبل:
باعتبار المسؤول مرسلاً، وشخصية الفرّاش مستقبلاً.
3. المساعد/ المعارض:
والمساعد هنا شخصيتان: الجار والمعلّم، بينما يتكرس البطل ذاته كمعارض، على نسق الروايات النفسية.
ويسيطر على السرد بارتكازه على الشخصية/البطل النظامُ الشخصي مراوحًا بين العلامات اللسانية المتعلّقة بالأنا(في المنولوجات والحوارات) ومجموعة علامات مرتبطة بالشخص الثالث تنتشر على طول القصة، بينما يغيب تمامًا النظام غير الشخصي.
كما أن منبع التشويق في القصة هي تلك الانحرافات المتكررة عبر مفصلي الخروج والعودة بارتباطهما بحادثة المرآة.

هامش :

1 . ينظر: بارت، رولان، مدخل إلى التحليل البنيوي للقصص، ترجمة: منذر عيّاشي، مركز الإنماء الحضاري، ط2، 2002، ص47

مبارك الجابري