مراجيح ملونّة لأزهار أحمد نموذجا

إعداد: عزيزة الطائية
أصبح كلّ من يعرف الكتابة يتطلَّـع لأنْ يكون كاتباً للأطفــال! أعرف كاتب قصة، نصف موهوب، طلب بعض الموضوعات العلمية، ليعيد صياغتهـا، لتناسب الطفل، لأنّه – حسب قوله – عرف لنفسه (منفذاً) في مجلة أطفال تصدر. وأعرف كاتباً آخر، يكتب في كلّ شيء، من السينما إلى أخبار الحوادث، وقد دخـــــل إلى الميدان مؤخَّـــراً، وهو يحدثني عن نشــــاطه، من حين لآخــــر، فيقول – بالنّص – أنّه وضع ( قليلاً ) في مجلـــة كذا، و(بضعاً) في مجلة أخرى، وينتظر (التساهيل)!. كما أنّ مجلة للأطفـال، تصدرها مؤسسة صحافية كبرى، يكتب فيها المحررون العسكريون والدبلوماسيون ومحررات الشؤون النسوية، وكتَّاب المؤسسة من الصحافيين الذين ينشـــــرون كتاباتهم في إصدارات أخرى للمؤسسة، ويعملون على (زيادة مدخولاتهم) بالكتابة للأطفال!
إذن، فقد أصبح الكتَّــاب يستسهلون الكتابة للأطفـال؛ ومن جهة أخرى، فإنّ هذا النّوع من الكتابة أصبح مربحاً، أكثر من الكتابة الأدبية أو العلمية للقرّاء الكبار؛ وتدفع المجلات العربية الموجهة للأطفال بســـخاء لمن يكتبون لهـا، رغبة في اجتذاب أفضل الأقلام والمواد لقــرَّائها الصغار؛ وهو هدف نبيل بحد ذاته، غير أنّه تحوَّل إلى دافع قوي، يحفز كل من يعرف بتسعيرة هذه المجلات إلى تعديل مسار قلمه، ليصبح كاتب أطفال!. وكانت النتيجة أنّ تزايد عدد كتَّاب الأطفال العرب؛ فبعد أنْ كانوا لا يزيدون عن عدد أصابع اليد الواحدة، منذ نصف قرن، أصبحوا الآن يعدون بالمئات، إذا اعتبرنا أنّ كاتب الأطفال هو كل من ينشر موضوعاً أو أكثر في سلاسل كتب ومجلات الأطفال. أما إذا خضع التّعريف للتّدقيق، فإنّ العدد يمكن أنْ يتضـاءل إلى بضع عشرات؛ ولكن – للأسف – لم يهتم أحد، حتى الآن، بهذا التدقيق الضروري.
ويبدو أنّ هذه الظاهرة لا تخص العرب وحدهم، فقد قرأت مقالاً لمحررة مجلة أطفال أميركية، تقول فيه: إنّ الكتابة للأطفال أصبحت (تجارة) مربحة، وأنّها – المحررة – تدفع ألف دولار أميركي في مقابل الموضوع الموجَّـه للطفل – قصة أو مقال – الذي لا يزيد طوله عن 350 كلمة؛ وتضيف قائلة، إنّ صديقاً لها يتقاضى من مجلة للناشئة 1100 دولار، كل شهر، مقابل موضوعين يكتبهما بالمجلة، وهي تعرف عنه أنه لا يحب الأطفال، بل ويرفض إنجابهم !. وقد تضاعف عدد كتَّــاب الأطفـال الأميركييـن، أيضاً، فتشير إحصائيات معهد أدب الأطفـال، بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن عـــدد كتَّــــــاب الأطفال المستقلين، أو المراسلين ( من منازلهم )، كان 354 كاتباً، بالعام 1985؛ وقفز إلى 600 كاتب، مع نهاية القرن العشرين.
فهل الكتابة للأطفـال مهمة ســهلة، حتى أنّها تغري الكتَّــاب وتجتذبهـم؟
من واقع تجربتنا، نقول إنّها ليست عملية سهلة – على الأقل في بداية الدخول إليها – فأنت حين تجلس لتكتب لهذه الكائنات البشرية الطالعة، ينبغي عليك أن تقدِّم لها قدراً مناسباً من المعلومات، في حيِّز صغير، وهدف محدد؛ وهذه هي أول صعوبة تقابل كاتب الأطفال. ثم تأتي صعوبة، أو تحدي، اللغة الخاصة لكل مرحلة من مراحل الطفولة، التي يجب صياغتها بحيث يتقبلها الطفل القارئ ويتفهمها. وقبل كلِّ ذلك، عليك أنْ تبحث عن أفكار جديدة، مثيرة للدهشـة، تجذب انتباه الطفل، وتستولي على حواسه، وإلاَّ فإنّه سيجد طريقه الســهل إلى تكنولوجيا المعلومات والتّسلية، المرئية والمسموعة؛ فلماذا يجهد عينيه في عملية قراءة ( بغيضة ) لأفكار وموضوعات لا تهمه، ولا يراها جذابة، في حين أنّ ضغطة واحدة على زرٍ تفتح له أبواباً سحرية، لعوالم مليئة بالحركة، ولا حدود للخيال فيها؟!.
إنّ المنافسة بين المادة المكتوبة للطفل، وما تقدمه له الوسائط الأخرى المتعددة، غير متكافئة، وتميل كفتها لصالح هذه الوسائط المتجددة، في معظم الأحيان؛ ويساعد كتَّاب الأطفال غير المجيدين، وغير الموهوبين، على تكريس خسارة المادة المكتوبة، في مواجهة مصادر المتعة المعرفية التكنولوجية، التي تحيط بالأطفال، من كل جانب، وفي كل مكان.
ويميل كثيرون، ممن يكتبون للأطفال، إلى إنتاج المواد غير القصصية؛ ولعل معظمهم يجدون ذلك أسهل من التّعرض لتأليف قصص، فتكشف التجربة سوءات مواهبهم المحدودة. وإذا كانت الكتابة للطفل، بعامة، ليست سهلة، فإنّ كتابة قصة للأطفال أصعب. ومن مراجعتنا لجانب كبير من الإصدارات الموجهة للطفل، في عالمنا العربي، لاحظنـا أنّ المواد القصصية تحظى بمساحة (معقولة) – في المتوسط العام – بين هذه الإصدارات؛ وإنْ كنّا نعلم – من واقع خبرة منقولة لنـا من أصدقاء يعملون في تحرير مجلات الأطفال – أنّ ثمة نقصاً واضحـاً في المواد القصصية الصالحة للنشر، وعلى وجه الخصوص، في القصص المصــوَّرة، أو السيناريوهات المرسومة1. أو إزاء هذا النّقص الواضح، يلجـأ القائمون على إصدار بعض مجلات الأطفال العربية إلى (حشـــو) المجلة بمـواد غير قصصية، مثل التغطيات والتقارير العلمية والتكنولوجية المبسَّـــطة؛ والمقابلات الشخصية مع الأعـــلام من رجال الفن والرياضة والعلم؛ وأخبار أنشطة الأطفال في المدارس والمنتديات؛ بالإضافة إلى مواد دينية ورياضية، لا تختلف كثيراً – في المظهر والجوهر – عن تلك التي ينفر منها الأطفال، والتي تحتشــد بها بعض الكتب المدرسية.
وتحاول تلك المجلات، التي يضطرها القصور في الإمداد بالمواد القصصية إلى استخدام مثل ذلك الحشــو .. تحـاول تجميل وجه هذه المواد غير القصصية، قدر المســـتطاع، بأن توفر لهـا رسامين ممتازين، ينتجون رسومات معبِّـرة جذابة، تضفي بعض الحيوية على تلك المواد، التي تتصف بالسكون، مقارنة بالمواد القصصية المملوءة – بحكم طبيعتها الدرامية – حياةً وحركةً. وعندما يعـزُّ الرسام الجيد، يُضطــــرُّ المحرر إلى إرفاق صور ضوئية مناسبة بالموضوعات غير القصصية.
وعلى أي حال، فإنّ كاتب الأطفال الجيد يمكنه – متعاوناً مع القائمين على إخراج صفحات مجلة الطفل – أنْ يعطينا مادة غير قصصية مقبولة ومقروءة، إنْ مكَّنـتــه موهبته من الإحاطة الكافية بالموضوع الذي يكتبه، وصياغته في لغة شيقة، وإضفاء مسحة (حكوية) عليه، لإكســاب المادة غير القصصية جاذبية2.
ويهمنا أنْ نؤكد على أنّ كاتب الأطفال المتمكن يمكنه أنْ يعالج أي موضوع، وينتج منه (كتابة فنية) جميلة؛ فغير مطلوب منك – مثلاً – أنْ تكون من علماء الفضاء، لتحكي لنا عن حياة رواد الفضاء في رحلاتهم إلى الفضــاء الخارجي، أو أنْ تكون من علماء البيئة البحرية، لتكتب عن العلاقة العجيبة بين أســماك البهــلوان وحيوان المرجان؛ ولكن المطلوب والمرغوب هو أن تكون الكتابة – بلغة الحرفيين – مخدومةً، وأن يكون الكاتب مخلصـــاً في توجهه للكتابة للأطفــال؛ وقبل كل شيئ، أن يحترم قراءه الصغار، ولا يستهين بهـم.
إنّ معظم من (يتحولون) للكتابة للطفل يخفقون، ولا يتحقق لإنتاجهم في المجال الجديد نفس الدرجة من الجودة، التي قد تكون تحققت في كتاباتهم للكبــار؛ والســبب – في رأينـا – مردودٌ إلى أن هؤلاء لم يستطيعوا أن يتخلصــوا من تصــوُّرٍ مســبقٍ عن الطفل والطفولة، تكــوَّن لديهم من قراءات نظرية في علم نفس الطفولة، أو من خلال ذكرياتهم الخاصة عن مرحلة التنشــئة، وسنوات طفولتهم – ولا نتوقع، في كل الأحوال والحالات، أن يكون هؤلاء الكتاب قد هنأوا يطفولة ســوية! – فإذا جاءوا ليكتبوا لأطفـال اليوم، كانت كتاباتهم كالأطعمة المعلبة، طعمها مغاير، وفائدتها محدودة، ناهيك عن أنّها قد تكون مصدر خطورة حقيقية. ومن حق الأطفال – وهم أبناؤنا وأحفادنا – أن يحصلوا على وجبات تثقيفية طازجة وصحية، تفتح شهيتهم للحياة، وتمدهم بعوامل بناء المخيِّلـة وأســاســـيات التفكير.
إنّ على كاتب الأطفال، إنْ أراد النّجاح، أنْ يترك طفولته وراءه؛ فالزمن تغير، كما أنّه مستمر بالتغير .. إننا نعيش في عالم تتغير ملامحه كــل صبــاح؛ وعلى من يتصــدى لمهمة الكتابة لطفل اليوم أنْ يهيئ نفسه ليكون (وسيطاً) جيداً، ينجح في توصيل صـورة حقيقية – غير مهزوزة – لما يجري في هذا العالم لأطفالنــا، وإلاَّ عاشــوا طفولتهم غرباء في عالمهم؛ فإذا كبروا ازدادت غربتهم، وبالتالي تخلفهم، في عصــر لا يقبـل، ولا يرحـم، من يتخلفون عن مســـايرة وقعـه المتســـارع. وبالإضافة إلى ذلك، فثمة اعتبارات ومواضعات اجتماعية يجب أنْ تؤخذ في الحسبان عند الكتابة لأطفال اليوم، الذين تختلف ظروف تنشئتهم أُســريَّاً عن الظروف التي تربى فيها ونشأ آباؤهم وأجدادهم؛ ففي مجتمعاتنا العربية، على سبيل المثال، يتراجع شكل الأسرة التّقليدي، حيث كان الأب والأم والأبناء والأحفاد يعيشون، مجتمعين، في مسكن واحد كبير (بيت العائلة)، أو في مساكن متقاربة، بحيث يتوافر التّرابط والتّواصل الأسريين، ويتاح للجد أو للجدة، أو للإثنين معاً، أنْ يشاركا في رعاية الأحفاد، وتشكيل وعيهم بالعالم، وإطلاق قدرات الخيــال عندهم، عن طريق عشرات، بل مئات، القصص والحكايات، من الموروث الشعبي المحلي، ومن التّراث الأدبي العربي. والمطلوب من كِتـــــّاب الطفل ومجلته أنْ يحــلا محــل الجـــــد والجـــــدة، بعد أنْ أبعدت الحياة العصرية أحفادهما عنهما؛ بل لقد باعدتْ تلك الحياة اللاهثــــة بين الطفل وأبويه، إما بهجرة أحد الأبوين – الأب غالباً – للعمل، أو بانشــغال الأبويـن عن أطفالهمـا بأعبــاء الوظيـفة، التي لا تتيح للأســرة أنْ يجتمع شــملهـا إلاَّ لدقـائـق معدودة، في يوم العمل. وثمة مجلات أطفال أوروبية وأمريكية تكلِّــف كتَّــابهـا بإعداد موضـوعات خاصــة للأطفـال أحاديي الآبـاء (بلا أب أو بلا أم).
حســــناً، ليكتـب للأطفــــال كـل من يجـــد بنفســـه القدرة على هذه الكتابة (لا أحــــد يملك أنْ يوقف أحداً عن الكتابة )؛ ولكن .. قبــــل أنْ تجلس لتكتب للأطفــال، يجب أن تكون هذه المسائل حاضرة في ذهنك، لتحقق هدفاً رئيسياً، هو أنْ ( تشـــدَّ) الطـفل إلى كتابتك، من أول جملتين؛ لأنّه لن ينتظر ليقرأ ســت جمـل من نـص فقد الإحســـاس به، ولم تنشــأ لديه علاقة معه. ومن جهة أخرى، يجب أنْ تجذب اهتمام القارئ الصغير بما أعددته له، بدءاً من الكلمات الأولى، لأنّ المادة المكتوبة للأطفـال – كما سبق أن أشرنا – ينبغي أنْ تكون محدودة، لا إطالة فيها؛ ولا يسمح الحيِّـــزُ المحدود بتمهيد مســهب.
إنّ التمهيد، أو الاســتهلال، مكـــوِّن رئيسي للنــص، في الكتابة لكل من الكبار والصغار، على الســواء؛ ويوليه الكتَّــاب اهتماماً خاصــا، فهو بوابتهم الذهبية إلى عقل وقلب القارئ؛ فتجدهم يحشــدون خبراتهـم ومهاراتهم لصياغتـه، في لغة فنية راقية؛ ولا بأس من اللجوء إلى (حيل) فنية محكمة، يسعد القارئ أنْ يشارك بهـا؛ فثمة رأي يقول: بأنّ الكتابة الفنية تقوم على اتفاق غير معلن، بين الكاتب وقارئه، يتعهد فيه الأول، بالتحايل على الثاني وإيهامه بصحة ما يعرضه ويسرده عليه من وقائع وأحداث؛ وعلى الثاني، أنْ يقبل ذلك !. وقد يكون ذلك التّمهيد إشــارة إلى شخصية بارزة أو مثيرة، أو إلى حدث قريب، لا يزال محتفظاً برونقه، ويحظى باهتمام الرأي العام؛ ومن الأمور المستحبة – أيضاً – اعتماد الأســـلوب ذي الطبيعة الفكهة المرحة، أو الســـاخرة؛ وقد يبدأ الاســتهلال في عنوان المادة المكتوبة للطفل، فيضعه – منذ الكلمة الأولى – في صلب الموضوع.3 ويظن نفرٌ من الكتَّـــاب أنّ عليهم (النزول ) لمســـتوى الطفل؛ وهـــذا خطــأ فادح. إنّهم – باعتناقهـــم هذا الاعتقاد – يغلقون على أنفسهم خط التواصل مع الأطفال، إذ تســـيطر عليهـم فكرة أنّهم يكتبون لنوع بشــري ( أدنى)، عليهـم أنْ يتنازلوا فينزلوا إلى مســـتواه عند مخاطبته؛ ويعني ذلك النزول – عندهم – المبالغة في التحــــبب للأطفــال – كأنما هــــم (يســـــتدرجونهــم) إلـــى تنـــاول دواء مـــر!- والتبســيط الأقـرب إلى التّســـطيح، والــــذي لا يخلـو من تكـلُّف، بالإضافة إلى ارتفاع صــوت (الواعظ) و (المعلم) بين الســطور؛ وربما بدا بعضهـم كأنه يمســـك خيـزرانة !. وينســـــى هـــؤلاء أنّ من يكتبون لهـم ليســوا مكعبات من (العجين) أو (طين الصلصـــال)، بل (كائنات حية) شديدة الحساسية، لديها قدراتها الذهنية، كما أنّها قادرة – وربما بدرجة أعلى مما هو متوفر لدي البعض من الكبار– على الإحســـاس بالصــدق فتســتجيب لـه، أو بالـــزيف فتنفـــر منـــــــه، دون أنْ تُبـــدي أســــــباباً؛ ولا تأتي معها (التعليمات) و (التّوجيهات) المباشــرة – في معظم الحالات – بالنتائج المرجوة؛ فذلك أســلوب ممجوج، حتى عند الكبار، ويجده الصغـار الأســـوياء ممــلاً، ولا يستجيبون له، فلا يترك في نفوسهم أثرا، ولا يغرس في سلوكياتهم قيماً تربوية طيبة. وحريٌّ بنــا ألاَّ نفـرح إذا وجـدنا من أطفالنــا من يستجيب لهذا الأســـلوب؛ فهــؤلاء ســيكبرون وهو يفتقدون روح المبادرة والمبادأة، وسينتظرون – طول الوقت – من يدلهم على ما يفعلون ويقولون، ومن يسوقهم بإشاراته ليصفقوا، أو ليمتنعوا عن التصفيق !
قي أنْ نشير إلى جزئية مهمة أخرى، هي ضرورة أنْ تركز مجلات الأطفال العربية على اهتمامات بعينها، أي تعمل على أن تغلب عليها صبغة خاصة، تميز كل مجلة عن سائر المجلات؛ لأن انعدام هذا التركيز، أو(التوجُّـه الخاص)، يجعل كل المجلات متشابهة، وفي هذا التشابه إفقـــــار للمائدة الثقافية التي ندعو إليها أطفالنا؛ أما التنــــوُّع، ففيه ثراء، وفوائده متعاظمة؛ فليتنــا نجد بعض مجلات الأطفال العربية ينهـــــج نهجاً تاريخيــــــاً، وآخر علمياً، وثالثاً بيئــياً، ورابعــــاً يهتم بالطبيعة، وخامســــــاً بالآثــــــار، وسادســـــاً بالألعاب والرياضة، وســــابعاً بالفنون ...إلخ. والجدير بالذكر أنّ هذا التنوع متوفر، إلى حدّ كبير، في ســـلاســـل الكتب التي تصدرها بعض مؤسسات النشر العربية العريقة.

كتابة المقال عند أزهار أحمد
المقال هو موضوع متوسط الطول، يكتب للنّشر في الصحف، ويعالج فكرة أو قضية ما بطريقة مبسطة وموجزة مستخدماً لغة سلسلة مركزة مع سوق الشواهد والأدلة التي تؤيد وجهة نظر الكاتب في حدود مساحة لا تتجاوز الصفحة الواحدة.
بالنسبة للمقال الموجه للأطفال، فإنّه مرتبط بالصحافة وتطورها، ولذا فإننا نجد المقال في الصحف والمجلات، يتخذ مرة شكل الكلمة الافتتاحية، ومرة أخرى شكل الكلمة الختامية، أو العمود الصحفي أو اليوميات. وشترط البعض في المقال الموجه للطفل أن يكون ذا طابع قصصي، وهذا أمر غير ضروري، فالعبرة بجمال الأسلوب، ووضوح الفكرة، وقبول المتلقي لها.
والمقال حين يكتب للطفل كفن فإنّه من الأنسب أن يتوجه به إلى أطفال المرحلة المتأخرة أو المتوسطة، لكونه يزودهم بالمعلومات، وهم يميلون بطبعهم إلى القصص والأناشيد المفعمة بالحيوية والعفوية أكثر من المعلومات المحشوة في المقال.
ومن الجميل تعويد الطفل كيفية كتابة هذا الفن بموضوعاته المتباينة، ويفضل عند كتابة المقال مراعاة اشتماله على عناصره الرئيسة.
ولفن المقال أهداف منها:
- تنمية الذائقة الأدبية لدى الأطفال.
- تعميق نظرة الأطفال للحياة وإمدادهم بتجارب الآخرين.
- المحافظة على صحة الأطفال من خلال تعليمهم بعض السلوكيات السليمة.
- إمدادهم بالحقائق والمعارف العلمية.
- زيادة حصيلتهم اللغوية، وامدادهم بأساليب تعبيرية متنوعة.
- الكشف عن مواهبهم ورعايتها، وتدريبهم للوصول إلى المستوى المطلوب.
- تبصير الأطفال بمشكلات مجتمعهم وأخطارها، وسبل التّغلب عليها.
إلّا إننا لا نجد انتشارا لهذا الجنس إلّا في المجلات والكتب المدرسية، أمّا في خارج هذين النّمطين فقد يكون معدوماً.ولا نكاد نلمس عملاً أو جهداً لجمع هذه المقالات على شكل كتاب، أو موسوعة مصغرة للطفل يقتنيها ويضعها حيث يشاء ويحملها حيثما يذهب. فلو جمعت هذه المقالات بهذا الشّكل لأضافت إلى أدب الأطفال في عُمان رصيداً عالياً؛ ولأنتجت جيلاً مثقفاً يحب القراءة والتّعلم.
وللمقال الموجه للأطفال عدة خصائص، منها:
- وحدة الموضوع وترابط أفكاره وقوة العلائق بينها.
- بساطة المفردات اللغوية في ضوء النّمو اللغوي للفئة المستهدفة بالمقال.
- ومنها سلاسة الأسلوب وفاعليته كاستعمال الاستفهام والتعجب، والتّحول من التكلم إلى الخطاب الغائب.
- التودد إلى للطفل باستثارة وجدانه وأحاسيسه.
- تقديم الأدلة الكافية لإقناعه.
- الإكثار من المصطلحات العلمية، وتبسيط ما يتم ذكره منها.
- توثيق الفكرة بالنصوص والوقائع والأحداث.

من خلال العرض السابق للمقال الموجه للطفل، من حيث: مضامينه، وبنيته، وأهدافه، وخصائصه؛ نطرح الأسئلة الآتية، على مقالات الكاتبة أزهار أحمد في كتابها "مراجيح ملونة":
* ما أبرز المضامين التي ركّزت عليها الكاتبة أزهار أحمد؟
* هل استطاعت أزهار أحمد في كتابها "مراجيح ملونة" والذي تضمن ستة عشر مقالاً للناشئة، أن تحقق فيها شروط المقال الناجح للناشئة؟.
* ما أبرز الخصائص الفنية التي تسمت بها في مقالت "مراجيح ملونة"؟
* وكيف جاءت الرسومات المرفقة مع كل مقال؟
وأخيراً، نأمل أنْ تلتفت مؤسساتنا الثقافية إلى أهمية الوسـائط المعرفيـة الأخـرى، وتســـنخدمها لتوصيل الخدمة التثقيفية للأطفـال العرب. إنّ جولة بين المواقع المخصصة للأطفـال الأوربيين والأمريكيين، في شــبكة المعلومات الكونيـة (الإنترنت)، تبين لنا تزايد عدد هذه المواقع وتطورها، تصميماً ومحتوىً؛ وهي تتميز عن الوسيط التقليدي (الورقي) بأنها تتعامل مع الطفل المعاصر بلغة معاصرة يجيدها؛ ثم إنها توفر الجانب (التفاعلي)، فلا يكون الطفل الذي يدخل الموقع مجرد متلقٍ، بل مشاركاً فاعلاً في الأداء.
وختاماً، فلقد أكثرنا من اســتخدام كلمات مثل (ينبغي)، و (يجب)، في هذا الحديث الذي نتوجه به – بالأساس – إلى كتَّــاب الأطفــال، أو من يرغبون في ممارسة الكتابة للصـغار؛ ونحن نعرف أنّها كلمات (توجيه) ثقيلة الظل، ولم نكن نحب أنْ نستخدمها، أو – على الأقل– أنْ تتردد في حديثنا على هذا النحو؛ غير أنّ عذرنا في ذلك هو أننا كنا مدفوعين بالحماس والغيرة على فرع مهم جداً من فروع الكتابة؛ فلعل القارئ يلتمس لنا العذر؛ ولعلّه يجد فيما وضعنـــاه أمامه من خلاصة تجربتنا الشخصية ما يعينه على أن يجوِّد كتابته، من أجل أطفالنــا، الذين يســـتحقون أنْ نقــدم لهـــم كــل جميل ونافع.




مقالات مراجيح ملونة:

1) هيا بنا نكتب
توجه الكاتبة بأسلوب تدريجي محبب الأطفال، التحلي بالجرأة والشجاعة للكتابة من خلال: إعداد ورقة وقلم والتفكير أولا: بالفكرة، ثم كلمة فجملة ففقرة، ليكمل خاطرته، أو يتخيل قصته، أو يعد قصيدته.
2) بماذا حلمت وأنت صغير؟
هي أقرب إلى كتابة المذكرات منها إلى المقال، وما يؤكد ذلك أنّ الكاتبة تعرض تجربتها في الكتابة، وتوقها للسفر. فقد تأثرت برواية "حول العالم في ثمانين يوماً".
3) أنا ومجلة ماجد
هي مذكرة تتشابك مع المقال. تسرد فيه الكاتبة قصة حبها لهذه المجلة، وإصرارها على زيارة مبنى ماجد كطفلة تريد التّعرف على شخوصها الحقيقين، ودهشتها حين قال لها أحد الموظفين هناك: أنّ هذه شخوص خيالية مبتكرة من صنع الكتّاب.
4) مندوسي الأثري
تسرد أزهار بأسلوب القصة، علاقتها بمندوس جدتها الأثري، الذي عدته الكاتبة مندوسها، فلطالما تعبثت به وخلقت عالمها وأمنياتها بداخله.. غير غافلة أن تقدم نصيحة جميلة للطفل القارئ: "احتفظوا بهداياكم وأوراقكم وأشيائكم الصغيرة المختلفة والقيّمة...".
5) صيف.. وصيف
وفي هذه المقالة توجيه تربوي عميق تغرسه أزهار في نفوس أطفالنا. وهي تقترح عليهم خطط وأساليب استغلال وقت الفراغ في الإجازة الصيفية. تختتم حديثها: "الصيف إجازة وراحة، وهو كذلك فرصة وقت يمكن استغلالها جيدا، خاصة وأننا نعيش في زمن توفرت فيه الإمكانات...".
6) نبكي أم نكتب؟
في هذه المقالة التوجيهية تقترح أزهار على الأطفال أن يستغلوا المواقف التي يتعرضون لها يومياً؛ غير غافلة أن تسوق تجربتها مع الأرانب التي تحبها، والدور الذي لعبته أسرتها في تعزيز بلورة أفكارها بالكتابة.
7) نشاهد أم نقرأ؟
بأسلوب محبب تقترب الكاتبة من أفكار الطفل وما يختلج في نفسه من هواجس وخواطر أثناء اللعب والقراءة أو المشاهدة وما يتبع ذلك كله في يومه. وفي الخاتمة تمنحهم قيمة أهمية القراءة من خلال ذلك كله، فتقول لهم: "إنّ المشاهدة تعطي أفقاً جميلاً من خلال الكاميرا والحركة والموسيقى، وهنا نقول لنقرأ أولاً حتى نعطي لخيالنا المتعة الأولى التي تصاحب القراءة وتصاحب كل كتاب نقرأه في أي مجال من المجالات".
8) أنا وبلادي
مقال مفعم بالتربية الوطنية، يسري خطابه لسان طفل صغير. مضمون يربط بين الطفل والمكان الذي ينشأ فيه. وتضع الأرض بمنزلة الأم التي يسعد الطفل بين أحضانها. تختتمه الكاتبة بلسان ذاك الطفل: "بلادي، أنا صغير لكن قلبي بحجم سمائك.. بلادي، يدي صغيرة لكن حلمي كالبحر الذي يغذّيك والنور الذي يمتد في نهاراتك".
9) العصفور النائم بعين واحدة
مقال على لسان طفل يروي تأملاته ومعرفته عن حياة الطيور وقدرتها العجيبة أثناء النّوم، كما أنّه إلى جانب هذه القيمة العلميّة يغرس قيمة إنسانيّة، وهي أننا جميعاً كائنات لها مشاعر وأحاسيس. وفيه دعوة من الكاتبة في خاتمة المقال: "فقط ما علينا إلّا أنْ نقرأ ونكتشف لنعرف طبيعة الحياة".
10) سادي، الفيلة التي بكت
في هذه المقالة، تثقف الكاتبة الطفل، ساردة له طبائع الحيوانات بشكل علمي.. فمنها الذي يخاف، وثانية تحلم، وثالثة تحزن، وأخرى تبكي؛ رابطة بين انفعالاتها وانفعالات البشر. محددة هدفها للوصول إلى بث قيمة المحبة بين الكائنات مع بعضها من خلال حكاية الفيلة الصغيرة (سادي) لتثبت أن تصرفات صغار الحيوانات كتصرفات صغار البشر أثناء التعلم والتدرب، ومن ناحية أخرى تبث قيمة معرفية بأنّ الأفيال يبكون بدموع كما البشر. وفي الختام توجه الكاتبة نصيحتها، من أجل تحويل القارئ الصغير إلى كاتب، فتقول: "خذوا ما تسمعونه وتقرؤونه وحوّلوه لحكاية مكتوبة بعد أن تفكروا جيداً، وتتخيلوا شكل الحكاية التي ستكتبونها".
11) جبل ثلج في روسيا.. وجبل صخر في نزوى
مقال جميل بمضمونه العلمي. يعلم الطفل الربط بين الأشياء الذهنية والمرئية. وفيه دعوة لتأمل الكون، والتنوع في مد جسور المعرفة من مكنونات الطبيعة التي تحيط بنا، وعدم الاكتفاء بما حولنا، لتنمية مهاراته وقدراته. تختتم الكاتبة المقالة على لسان الرّاوي بتوجيه جميل، تقول فيه: "لا تيأسوا حتى لو مررتم بحالات متعبة، ولو شعرتم أنّ أمنياتكم لن تتحقق بزيارة مكان أو بالعيش في بلاد ترسخت صورتها في أذهانكم من زمن بعيد(...) فقط كونوا أقوياء ومتحمسين وصامدين لتغيير حياتكم إلى الأفضل ولتجديد أفكاركم وأحلامكم حتى تصلوا لما تريدون".
12) مراجيح ملونّة ولآلئ ناعمة
وهو المقال الذي أخذ منه عنوان الكتاب. وفيه دعوة للتّأمل والتّفكر في الكون: السّماء، والبحر، والجبال، والنباتات، والبيوت. وتربط من خلال جمال هذه الأشياء، بصخبها وهدوئها بجمال بلادها. وتعود بها إلى طفولتها، من خلال حوار بينها وبين صديقتها "سألت صديقتي الصغيرة شادن عن السماء، قلت لها: ماذا تتخيلين ينزل من السّماء بدلا عن المطر، قالت: أتخيل مراجيح ملونة كثيرة نتأرجح أنا، وصديقاتي ننظر إليها ونتمنى لو نصعد إليها..."4
13) حكايات من أراض بعيدة
في هذا المقال تنطلق الكاتبة من الآية الكريمة "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا". كما تُرّغب الطفل القارئ بالرحلة التي قام بها ابن بطوطة؛ لتغرس قيماً واتجاهات، وتعزز ميوله وحاجاته. كما تُذّكر الكاتبة الطفل بأهمية الرّحلات والتّجوال كقيمة معرفية، ومتعة نفسية.

14) كيف نستعيد التّاريخ
هنا ترسّخ الكاتبة أهمية معرفة التّاريخ وقراءته وتدوينه. مذكرة لهم بزاده الثقافي والمعنوي بأسلوب سلس محبب إلى نفسه. وتختتم المقال بنصيحة "ابحثوا عن التّاريخ الذي يعرفه النّاس والذي لا يعرفونه في كل مكان. استفيدوا من كتب التاريخ واصنعوا منها قصصاً مثيرة، تعرف على الآخرين بأشياء وحياة لم يكونوا يتوقعونها؛ لكي تظهر عبقرية الكاتب في استخدام واستعادة التاريخ".
15) أين طارت العيدية؟؟
تبدأ الكاتبة باستفهام محبب لمستوى الأطفال، تقترب من حياتهم العامة. تقترب من أفراحهم وأعيادهم من خلال قيمة العيدية، وإدخال بهجتها في نفوسهم. وتعودهم أنّ العيدية ليست بقيمتها المادية، وإنّما بقيمتها المعنوية. كما تغرس قيماً واتجاهات إيجابية بالنظر إلى الفقير والمحتاج في يوم العيد قائلة لهم: "كونوا أذكياء في سلوككم دائماً كي تحققوا الفرح والمتعة والطمأنينة".

16) أصدقاء دائماً
تختتم الكاتبة مقالاتها بمقال يحمل الود والمحبة للأصدقاء، مدركة أهمية الصداقات بين الأقران في مرحلة الطفولة، وما تغرسه من محبة وصدق ومودّة، مذكرة لهم أن الإخلاص هو عماد الصداقة. والكاتبة لا تغفل عن بحث قيمة جميلة لمعاني الصّداقة من خلالتوجيه النّصح "فاهنئوا بمحبتكم مع الآخرين وبالأخص كونوا أصدقاء".
من خلال العرض السابق نستطيع أن نلخص أبرز السمات الفنية والموضوعاتية لكتابة المقال عند أزهار أحمد.
تمكنت أزهار من تحقيق مجموعة الخصائص الفنية والموضوعاتية، لعل أبرزها:
أولاً: الخصائص الموضوعاتية
- عمّقت نظرة الأطفال بالبيئة المحيطة بهم.
- إرشاد الأطفال إلى السلوكات السليمة.
- إمدادهم بالحقائق العلمية والمعارف الثقافية.
- زيادةاستخدام أساليب تعبيرية متنوعة.
- إيلاء التّحديات التي تواجههم في مجتمعهم عناية خاصة، واقتراح سبل التّغلب عليها.
- غرس القيم الإيجابية بما يتلاءم مع ميوله واتجاهاته.
- ربط الطفل بتراثه.
- التركيز على التفكير والخيال العلمي.
ثانياً: السمات الفنية
- ترابط الأفكار وتسلسلها.
- بساطة المفردات اللغوية في ضوء النّمو اللغوي للفئة المستهدفة بالمقال.
- تنوع الأساليب كاستعمال الاستفهام والتعجب، والتّحول من المتكلم إلى الخطاب الغائب.
- التودد إلى للطفل باستثارة وجدانه وأحاسيسه.
- التكيز على أساليب الوصف والإقناع.
- التركيز في السّرد على الوقائع والأحداث.

ثالثاً: الملاحظات
رغم كل ما تميز به كتاب "مراجيح ملونة" إلّا أننا كنا نأمل أن من الكاتبة أن تنتبه للآتي:
- جودة الرسوم والصور.
- تلافي الأخطاء اللغوية النّحوية.
- عدم إغفال علامات الترقيم.
- حجم الخط لا يتناسب مع المرحلة العمرية.
- إهمال تشكيل الكلمات في مواضع هامة.
غير أنّ هذه الملاحظات لا تخل بالجهد المبذول، وندعو الكاتبة أن تركز أكثر على هذه المرحلة باعتبارها استطاعت أن تخطو خطوة جميلة في حق الطفولة العُمانية والعربية.

هوامش :

1 انظر الملحق رقم (1) قصة "أنا ويوكي"، وقصة "الحصان الذي فقد ذاكرته".
2 انظر الملحق رقم (2) الفيل السمين وقصص أخرى، قصص قافلة كتابي صديقي، مجمع وإعداد، أزهار أحمد.
3 راجع الملحق 3، وهو موضوع غير قصصي، وهي عبارة عن مقالات حملت عنوان: مراجيح ملونة.
4 ص26، ويطول الحوار وتتعدد الصديقات، والكاتبة هنا توظف أكثر من أسلوب أبرزها الوصف.