[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” .. هو العنوان الأشمل الذي ينضوي تحت مظلته المشروع في نسختيه ”اشتات مؤتلفات” بأحجامه الصغيرة, أو في (أحجامه المتوسطة والكبيرة والتي تتجاوز المجلد الواحد لبعضها), والمعنون باسم ”ذاكرة عمان”. وتأتي بعد مرحلة البحث والجمع والتوثيق والتحقيق مرحلة الإخراج والطباعة لتأتلف في سلسلة تثري وتدعم وتعزز بعضها بعضا,”
ـــــــــــــــــــــ
”أشتات مؤتلفات” مشروع ثقافي يهدف إلى جمع اشتات الذخائر العمانية وتحقيقها وتوثيقها واخراجها في كتيبات أنيقة محببة للقارئ , وتمثل مصدرا مهما للباحثين والمهتمين وعشاق التراث العماني وذخائره النفيسة, وهي سلسلة من القطع الصغير التي يمكن حملها في الجيب ويتطلب قراءة العنوان الواحد ما يقارب الساعة, وبلغ عددها حتى إعداد هذا المقال خمسة عشر عنوانا, وطبعت ب ( دعم كريم من الشيخ محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي) كما جاء في غلاف العنوان الداخلي, وهذه المشاريع لا يمكن لها أن ترى النور إلا بدعم وتشجيع من مؤسسات مقتدرة أو رجال أعمال مؤمنون بجدوى وقيمة ما يقومون به, وللأخ محمد بن عبدالله الحارثي جهود ومبادرات ومشاريع واسهامات ثقافية ومجتمعية متعددة, لا تقف مع نجاحات الجمعية الاقتصادية والاتحاد العربي للترجمة بصفته رئيسا لهما, ومساهماته الكتابية الرصينة في الصحافة العمانية, ولا تنتهي عند هذا المشروع الحيوي. اختيار العنوان الرئيسي للمشروع” أشتات مؤتلفات ” تم كما يبدو بعناية فائقة وحمل دلالات ومعان عميقة، فالوثائق والمخطوطات العمانية الثمينة التي تتوزع اشتاتا في مئات البيوت والمساجد الجصية والطينية والقلاع والحصون والمكتبات القديمة, وفي الكثير من المدن العمانية والشرق أفريقية ومكتبات متعددة حديثة, وفي مراكز ثقافية عالمية، تحتوي على كنوز المؤلفات العمانية, وتكشف عن الدور العماني الحضاري في نشر الثقافة والعلم والمعرفة، وتبرز الحركة العلمية والثقافية النشطة للعمانيين في مختلف المجالات الفقهية والأدبية وفي الطب والفلسفة والفلك وغير ذلك الكثير , وتوثق لمراحل وأزمان متطورة , فهي ترصد المتغيرات الحياتية في جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية في عمان, والعلاقة بين العلماء والنظام السياسي من جهة وبين العلماء والمجتمع من جهة أخرى, وارتباطات عمان بالمجتمعات والحضارات الأخرى ... وتبقى هذه الوثائق والمخطوطات بمختلف أنواعها وصورها في حاجة دائمة إلى جهود المخلصين من الباحثين والمثقفين والكتاب والداعمين وإلى المؤسسات الثقافية والأكاديمية لجمعها وتحقيقها ومقارنتها مع مخطوطات أخرى وإخراجها إلى المكتبة, فعمليات البحث والدراسة واستخلاص النتائج لا تنتهي, وتتطلب كذلك تعاون المواطنين في الكشف عما لديهم من وثائق, وتسليمها إلى جهات الاختصاص للاعتناء بها وتصويرها وتوثيقها وحفظها من التلف والضياع, وإلى المؤسسات المجتمعية والإعلامية لتعزيز وعي الآخرين والتحاور معهم وإقناعهم بالقيام بذلك. ولن يتأتى ذلك ويتحقق إلاَّ بعد أن نصل إلى درجة عالية من الوعي والفهم والإدراك بأن هذه الاشتات من الوثائق هي ثروة وطنية وإشعاع علمي وانجاز حضاري لا تقاس في قيمتها الكبيرة مع أية ثروة أخرى مهما بلغت لأنها تقدم للعالم تاريخ العمانيين ومكانتهم العلمية وتقدم للمؤسسات الاكاديمية والعلمية والمراكز الثقافية مصادر بحث لمراحل زمنية لا تقدر بثمن، وفوق ذلك تحفظ لعمان ذاكرتها التاريخية والعلمية، وهو العنوان الأشمل الذي ينضوي تحت مظلته المشروع في نسختيه ”اشتات مؤتلفات” بأحجامه الصغيرة, أو في ( أحجامه المتوسطة والكبيرة والتي تتجاوز المجلد الواحد لبعضها), والمعنون باسم ”ذاكرة عمان”. وتأتي بعد مرحلة البحث والجمع والتوثيق والتحقيق مرحلة الإخراج والطباعة لتأتلف في سلسلة تثري وتدعم وتعزز بعضها بعضا, فهي أشبه في قيمتها وأهميتها وإخراجها بآبار الفلج التي تغذي الواحدة منها الأخرى وتضيف إليها بعضا من مائها لتصب جميعها ينبوعا صافيا رقراقا في ساقية الفلج الرئيسي فيرتوي من ذلك الماء, الزرع والبشر والحيوان والطير, فتنتعش الحياة وتنموا وتنشط, وهكذا تتواصل السلسلة وتجتمع وتتآلف بعد أشتات, وتتسع لتصبح كنزاً معرفياً يخدم المكتبة وروادها من الباحثين والأكاديميين والقراء النهمين إلى المعرفة والعلم , فبارك الله جهود المخلصين من أبناء هذا الوطن.
وكل عنوان من عناوين هذه السلسلة يحتوي على قيمة علمية من أو جه عدة:
أولا: لما يتضمنه العنوان الواحد من محتوى يعتبر مصدرا مهما في مجاله الفقهي – الأدبي – اللغوي – الفلكي – الطبي ... بل إن بعضها وبرغم أنها لا تزيد على عدد محدود من الصفحات إلا أنها تتضمن فوائد ومعلومات جمة تنجاوز تخصصها لتخدم أكثر من مجال ضمن التخصصات المشار إليها. (( تكثر في بطون مخطوطاتنا رسائل نادرة, نجهل عنها أكثر مما نعرف, وتكاد تكون مفتاحنا الوحيد لاستجلاء حياة مؤلفيها الذين تقادم العهد بهم , وتجاوتهم كتب الاعلام والتراجم , فلم تؤرخ مسيرتهم)).
ثانيا : لقيمتها التاريخية العلمية الوثائقية من حيث أنها تعبر عن زمن موغل في الماضي له آلياته ومناهجه وأساليبه وثقافته في الكتابة والتأليف والتوثيق, وأدواته وفنه في الخط, فهي تقدم شكلا من أشكال المقارنات التي تحتاجها الدراسات والأبحاث الحديثة, وقياسا للتطور الذي تشهده هذه المجالات, ورصدا للاهتمامات والتوجهات الفكرية والعلمية والسياسية في زمنها, وما بلغه الإنسان العماني من شأو وتطور في هذا المجال, ينعكس على مجمل عناصر الحياة بما في ذلك الجانب الديني وأثره في الثقافة العامة.
ثالثا: لما يشكله كل عنوان من مكسب وإنجاز يعبران عن تجاوز للعديد من العقبات والصعوبات والنجاح في إنقاذ مخطوطة كانت معرضة للتلف أو على وشك الضياع والاندثار والتمزق والتهتك, وثوثيقها ومراجعتها والتحقق من صحتها وإخراجها إلى العلن, وتقديمها للباحثين والقراء والمؤسسات والمراكز العلمية والبحثية في هيئة جميلة يستفاد منها لأغراض البحث, وهو إنقاذ لجهود مؤلف عالم وخطاط بارع أنفقا سنوات من عمرهما في المطالعة والتأليف والكتابة والنسخ, وثالث مدرك لأهميتها حافظ عليها في خزانته لأعوام طويلة لتصل إلى الأجيال من بعده, بل هو انقاذ وحفاظ على موروث أمة.
رابعا : لما يتضمنه كل عنوان, من مقدمة غنية في مادتها وقيمتها, من حيث أنها تعرف بالمخطوط ومحتواه ومؤلفه ونسبه وولادته ووفاته, وعدد النسخ المخطوطة التي توفرت بعد عمليات البحث ومصادرها والخطاطين الذين قاموا بعملية النسخ ونتائج المقارنات بين النسخ التي حصل عليها الباحث , والجهود التي بذلت لإخراجه إلى العلن والصعوبات والمعوقات التي رافقت الباحث في عمله , والمنهج المتبع في ذلك .... ويحدث أن يعطي الباحث أحيانا لمحة عن عصر المؤلف وأقرانه من العلماء الآخرين وشيوخه وتلامذته , وهو ما يدل على سعة اطلاع الباحث وكفاءته البحثية وخبرته الطويلة في هذا المجال , وعمق إيمانه بعمله الذي أخذ الكثير من وقته وجهده وفكره .
سوف نستعرض في الجزء الثاني من المقال نماذج لعناوين السلسلة ومقتطفات من مقدمات الباحث , وبعض المرئيات والأفكار ذات العلاقة بالمشروع والمشاريع المشابهة.