[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” أصبح من الضروري على الحكومات الوقوف في مقدمة الزورق وليس في الخلف والتخلص من أكبر قدر ممكن من ثقل حمل القرارات والتوجهات من خلال توزيعها بينها وبين الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني – أي دفع سلطة صنع القرارات الى الأسفل بأكبر قدر ممكن حتى تصل الى مستوى القاع.”
ــــــــــــــ
أغلب أنظمة وحكومات العالم اليوم باختلاف مسمياتها وتوجهاتها السياسية ترزح تحت وطأة العديد من التحديات والعقبات والمشاكل المختلفة التي تؤرقها وتقض مضاجع المسؤولين وأصحاب القرار فيها, يقع على رأسها من وجهة نظري قضية توطيد ثقة مواطنيها بها وبتوجهاتها القائمة والقادمة, ومن ثم قضية مقدرتها على صناعة موائمة ومقاربة بين متطلبات التنمية بمختلف أشكالها وضغط الرأي العام حيالها وقدراتها وإمكانياتها على تحقيق تلك المتطلبات المتزايدة والمستمرة والمتجددة.
والمتتبع للمعالجات التي وجهت لتلك التحديات سالفة الذكر تحديدا يجد أنها تختلف باختلاف نماذج تفكير ورؤية المسؤولين وأصحاب القرار بتلك الأنظمة السياسية والحكومات, بحيث نجد أن بعضها قد نجح الى حد كبير في التخلص من عقدة المركزية والبيروقراطية فاتجهت الى المشاركة الشعبية لتقليص حمل (صداع) مسؤولية القرارات والتوجهات الملقاة على كتفها, وذلك من خلال تحميل جزء من مسؤولية تلك القرارات والتوجهات المستقبلية على مواطنيها وبقية مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات البرلمانية المنتخبة, بينما نجد ان البعض الآخر من الحكومات لا تزال متمسكة الى درجة لا داع لها بمركزية القرار , وبذلك تحمل نفسها من الأثقال والأحمال فوق ما تتحمل طاقتها ومقدرتها على ذلك.
فهي ـ كما ورد ذلك في كتابي الدولة المطمئنة ص 164 ـ أشبه بسفينة رفاهية باذخة تقوم برحلات عبر المحيط في عصر النفاثات الأسرع من الصوت, فهي كبيرة وبطيئة الحركة, وثقيلة وباهظة التكاليف, ومن الصعب جدا جعلها تغير اتجاهها, كما أنها مع الأسف الشديد وبالرغم من كل تلك الكماليات التي توجد على سطحها فهي بلا رادار او أنظمة ملاحة, ولا صيانة وقائية في الأسفل, لذا فانه بات من الضروري ان تتحول الحكومات كما سبق واشرنا من حكومات تجديف على ظهر القارب الى حكومات توجيه لمن بداخله بشكل اكبر, وبمعنى آخر, أصبح من الضروري على الحكومات الوقوف في مقدمة الزورق وليس في الخلف والتخلص من أكبر قدر ممكن من ثقل حمل القرارات والتوجهات من خلال توزيعها بينها وبين الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني – أي دفع سلطة صنع القرارات الى الأسفل بأكبر قدر ممكن حتى تصل الى مستوى القاع.
اذا أحد أهم الحلول اليوم للعديد من التحديات والعقبات التي تواجه الحكومات التقليدية والكلاسيكية في القرن 21 والتي لا زالت تعاني من مسالة ضعف مقدرتها في الموائمة بين متطلبات التنمية والضغوط الشعبية ومسالة ترهل مؤسساتها الحكومية وتراجع مستوى ثقة مواطنيها بها الى التخلص من سياسة التجديف والانتقال الى سياسة التوجيه الحكومي او أسلوب الإدارة التشاركية أو توجيه السفينة من خلال إدارة التوجيه وهو التعريف اللاتيني لمفهوم الحكم الراشد كما يطلق عليه اليوم .
هذا المفهوم الذي تعاظم الاهتمام به ( في العديد من الاقتصاديات المتقدمة، والناشئة خلال العقود القليلة الماضية وخاصة في أعقاب الانهيارات الاقتصادية، والأزمات المالية التي شهدها عدد من دول شرق آسيا، وأميركا اللاتينية ، وروسيا في عقد التسعينيات من القرن العشرين، وكذلك ما شهده الاقتصاد الأميركي مؤخرا من تداعيات الانهيارات المالية لعدد من أقطاب الشركات والبورصات العالمية كوول ستريت مثلا).
ختاما يجب أن ندرك ان الإدارة بالتوجيه او التشاركية الإدارية والسياسية تختلف في العمق والنوعية, فنحن لا نتحدث عن بعض محاولات زخرفة الواجهات الحكومية وتلميعها كما يحدث في اغلب نماذج الإصلاح والتحديث الوهمي, بل نتحدث عن الثورة الإدارية المستقبلية وهي معادلة تؤكد على انه كلما تم توزيع حمل مسؤولية القرارات والتوجهات الحكومية على الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني كلما تقلصت معه الضغوطات الشعبية وتوسعت معه الخيارات الديمقراطية وارتفع سقف الحصانة والمناعة الوطنية الداخلية, وتم التخلص من ثقل حمل المسؤولية الملقاة على الحكومة والأنظمة السياسية.