[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
أصبحت قضية تقاعد الجيل القديم من موظفي الخدمة المدنية تحديدا، قضية فوق الفهم والاستيعاب، ولابد أن نطرحها بقوة رغم أننا قد تناولناها سابقا في مقالات عديدة ، وهى تستحق الطرح فعلا كلما تأجل أو تأخر حلها سنة بعد أخرى ، فضحاياها يعانون أشد المعاناة وبصمت ، والمعاناة النفسية أعظم شدة ولها تداعيات على صحتهم الجسدية والأسرية، من هنا نحمل همهم، لأنه هم يزلزل الجبال، وقد زلزل أوضاعهم، وقلب نفسياتهم عاليها سالفها خاصة اولئك الذين يعتمدون على راتبهم كمصدر وحيد لدخولهم، نحمل همهم لأننا نحس بهم، ولأننا نعلم العديد منهم قد افنوا شبابهم، وكرسوا جل أوقاتهم لخدمة الوظيفة الحكومية، لم يكونوا كغيرهم من استغلوا وظيفتهم أو أنضموا للوبيات حتى تنهال عليه الثروة المنظورة وغير المنظورة، فمن فعل ذلك، نجده في مرحلة التقاعد يمتلك العمارات والعقارات السكنية والتجارية والمزارع، لن يهمه إن انتقص راتبه الى النصف أو حتى فقده بأكمله، بل إن مرحلة تقاعدهم قد كشفت عن ماهيات وأشكال انتفاعهم من وظائفهم الحكومية.
وقد كان هناك اعتداد بأوضاع هذا الجيل من لدن المقام السامي وتحديدا في نوفمبر عام 2013 عندما صدرت أوامر سامية تقضي بتوحيد منافع تقاعد الخدمة المدنية وفق نموذج تقاعد ديوان شئون البلاط السلطاني، لكن المشكلة الكبرى تكمن في من ينفذ الاوامر من جهة وكيفية التنفيذ من جهة ثانية، فالأوامر السامية لا تزال في طور الدراسات طوال هذه المدة الزمنية الكبيرة التي تقدر بأربع سنوات تقريبا، والاشكالية الكبرى الناجمة عن هذا التمطيط والتأخير، إنه مع مرور كل سنة يحال للتقاعد المئات على نظام التقاعد الذي يفترض أن يكون الان قديما، لكنه لا يزال معمولا به حتى الان، والسبب عدم تنفيذ الاوامر، والمتضرر الاكبر إن لم يكن الوحيد من استمرار العمل بنظام التقاعد القديم ، هم الجيل القديم – باستثناء المنتفعين والمتمصلحين سالفوا الذكر – فالجيل القديم المتضرر هم من تحمل مسئولية اعباء بناء الدولة الحديثة، وهم من عاصروا مراحلها الصعبة حتى تم تأسيس مرحلة الامن والاستقرار التي نعيشها الان، فهل جزاء وفائهم حرمانهم من نصف راتبهم بعد تقاعدهم ؟ فهل هذا عدل يا وطن؟ (نعم) جيل موظفي السبعين يدفعون الثمن غاليا مع كل مرور سنوي دون تنفيذ الاوامر، وكل من تابع التصريحات الاخيرة لمعالي الوزير المسئول عن الشئون المالية مثلما تابعناها عبر وسائل إعلامنا المحلية، سوف يخرج منها فعلا بإحباط كبير، فمعاليه لم يبشر بموعد قريب ولا حتى يحدد أفقا زمنيا لتنفيذ الأوامر السامية، وإنما أرجعها للدراسات – سنأتي اليها لاحقا – وتاريخنا مع الدراسات غير مشرف ولا مشجع، وتثير القلق الاجتماعي دائما، فكل سياسة وتوجه جديدان يغرقان دائما في الدراسات، وكأنها مستنقع تبدد فيها آمال وطموحات المواطنين، فسرعان ما يفقد التوجه أو السياسة بريقهما المجتمعي وسلاحها الظرفي، لأنها تدخل في تمطيط زمني وتأخير طويل كصندوق الزواج، مما أصبحت الدراسات مرتبطة في الذهنية الاجتماعية بمسألتين: تفريغ المضامين أو العدول عن التوجهات والسياسات ، وهذا الشأن ينطبق على توحيد العلاوات وكذلك توحيد منافع تقاعد الخدمة المدنية ، فتأملوا معنا مثلا كم فترة زمنية قد غرق فيها صندوق الزواج ، فهل هذا التوجه لا يزال فيه روح أم أن حالة الغرق الموصوفة هى اسم على مسمى ؟ فالزمن هنا يمثل بمثابة الفاعل الذي يولد الحدث، وهو الاهم، وإذا لم يتخذ في الوقت المناسب انتهى الى الابد أو ابتعد كثيرا عن مسارته ومضامينه التي كانت السبب وراء حدوثه ،ولو بحثنا في الدوافع التي تقف وراء الاوامر السامية بتوحيد منافع التقاعد وفق نموذج واحد سالف الذكر، فسنجدها تتمحور حول بعدين مهمين هما ، إنساني ووطني ، وهما يتجليان في تدني مرتبات وتعويضات معظم المتقاعدين ، وكذلك في تعدد وتنوع واختلاف منافع التقاعد لموظفي الخدمة المدنية وفق كل نظام تقاعدي مما يشطر هذا الوضع البعد الوطني، ويوجد حساسيات حتى داخل كل أسرة .. إذن، هل ينبغي أن يتأخر حل هذه الاشكاليات والاختلالات حتى الان ؟ فكم من سنة قد غرق فيها هذا الأمر السامي؟ ولا يبدو أن هناك أفقا زمنيا محددا لتنفيذه وفق ما جاء في صريحات الوزير المسئول عن الشئون المالية على هامش ندوة فرص الأعمال مؤخرا، حتى أن العلاوات في القطاع المدني قد بدأ معاليه حولها متحفظا، وذلك عندما قال إن اللجنة انتهت من دراسة العلاوات، ولكن أيضا هناك إجراءات ومراجعات لابد منها، مشيرا إلى أن الموضوع سينتهي خلال الأشهر القادمة من هذا العام، لكنه أوضح أن موازنة العام لا تتضمن مخصصات العلاوات، والعلاوات المقصودة هنا، هى علاوات طبيعة العمل، وكان الرأي العام يتطلع الى سماع نبأ سار بشأن هذه العلاوات التي طال انتظارها، غير أنها سوف تغرق مجددا في آجال زمنية طويلة، وهذا كله تمطيط زمني ليس له علاقة بالأزمة النفطية، بقدر ما له علاقة بماهية التفكير وخلفياته، فهذا الملف يفترض ان يكون جاهزا منذ فترة وليس الآن فحسب، فكيف تأخذ الإجراءات والمراجعات أشهر أخرى ؟ وكيف سيتم الانتهاء منها خلال أشهر مقبلة ومخصصاتها غير مدرجة في الموازنة الحالية ؟ كما يفترض أن تكون الدراسة شاملة وليست جزئية ، بمعنى أنها تشمل كذلك هذه الاجراءات والمراجعات ، وهنا نجد انفسنا أمام الاشكالية المتكررة دائما، وهى التأخير والبطء في تنفيذ التوجيهات والأوامر السامية، وهذا معناه في المقابل، تأخير رفع مستوى معيشة لشرائح وظيفية عديدة، كشريحة المعلمين الذين يعملون هذه الايام تحت ضغوطات كبيرة نتيجة النقص في عدد المعلمين، فعلاوة طبيعة العمل هى بمثابة تقدير مالي لماهية العمل وطبيعته والبيئة الخاصة به، وهذا التقدير المالي يعول عليه كثيرا في كسب الرضا الوظيفي، لذلك، ينبغي أن لا يؤجل خاصة وأننا لانزال نمر بالمرحلة الانتقالية، والشيء نفسه نجده منسوخا في توحيد منافع التقاعد.
وعدم توحيد منافع التقاعد حتى الان، يعني استمرار عدم المساواة ومن ثم عدم العدالة بين موظفي الخدمة المدنية، وهذا ما نجده في مسألتين، الاولى استمرار تباين منافع صناديق التقاعد بصورة كبيرة، والثانية، تساقط مرتبات معظم موظفي الخدمة المدنية الى أكثر من النصف بعد تقاعدهم، فهذا غانم بن الدعن بن عاشور قد احيل الى التقاعد بعد بلوغه سن (60) عاما، فنزل راتبه من (3000) ريال الى(1300) ريال تقريبا، مع تعويض مالي (9) آلاف بعد أكثر من (40) سنة خدمة، بل سحب منه درجة وعلاوتين بحجة التمديد، أليس هذا ظلم يا وطن؟ واستمرار في الظلم ماذا يعني يا وطن؟ هل ينبغي مساءلة كل من يقف وراء تأخير وتأجيل الاوامر السامية؟ نعرف غانم .. حق المعرفة، فهو أستاذنا في حقل الاعلام، وكان اسمه في فترات السبعينيات والثمانينيات تحديدا يرتبط باسم الإعلام العماني، وقد عايش وساهم بفكره وجهده في قبول وتكريس مسارات وماهيات الدولة العمانية الحديثة، فتجده يقرأ نشرات الأخبار في الإذاعة صباحا ، وفي المساء في التليفزيون يقدم برنامجا تنمويا أو توعويا أو فنيا، وفي المناسبات الوطنية ينقل لنا حدثا وطنيا أو فعالية داخلية وخارجية مباشرة من عين المكان .. وقته كله كان موزعا بين الاذاعة والتليفزيون ، وامثاله كثيرون، لكننا نستدل به كنموذج معاش أمامنا، نموذجا نقف عليه شاهد عيان في هذه القضية، لم يفكر، وحتى لو فكر، فلن يجد وقتا حتى يكون مثل المتمصلين حتى ينتفع من شهرته، ظل عصاميا ومخلصا لمهنته ولوطنه وسلطانه، فهل من الوفاء لهذا الجيل أن نؤخر تطبيق الاوامر السامية حتى لو سنة واحدة فقط ؟ وهل من الوفاء كذلك أن نسحب منه الدرجة والعلاوتين يا وطن ؟ وهل من الوفاء نلغي عليه التأمين الصحي يا هيئتنا الموقرة، استاذنا غانم قد تقاعد على النظام القديم، وأمثاله المئات، والقانون الجديد لا يزال في طور الدراسات، فلنرحم هذا الجيل يا وطن؟ ولنحافظ على ماء وجوههم من ظلم التقاعد القديم، وساعدوا الجيل الجديد على الثبات على خطاهم ومبادئهم الوطنية حتى لا يفقد ايمانه بها ، فما يجري لهم ظلم بين يا وطن، ورفع الظلم عنهم لن يكون الا بالاستعجال بتوحيد منافع التقاعد وتطبيقه على الجيل القديم بأثر رجعي، والا، فإننا لن نكون منصفين او عادلين، هل تسمع صرختي ياوطن؟