قامت السياسة الخارجية للسلطنة على الأسس والمفاهيم التي أرستها نهضة عُمان الحديثة منذ أطلق إشارتها الأولى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تلك الأسس والمفاهيم التي تتخذ لنفسها عناوين واضحة لا لبس فيها تأخذ بمنهج التسامح والتفاهم، وتعزيز آلية الحوار السلمي لحل كافة المشكلات التي تعترض سبيل الأهداف الإنسانية الكبرى التي تسعى إلى تحقيقها كافة المؤسسات الدولية كي تعيش البشرية في أمن وأمان وتفاهم ضمن منظومة عيش مشترك تحترم حقوق كافة الأطراف، وتحترم احتياجاتها ومصالحها.
وما من شك أن هذه الثوابت للسياسة الخارجية العمانية تستمد حضورها ومكانتها من الموروث الحضاري والإسلامي الذي طبع الصورة الحقيقية للدولة العمانية وللشخصية العمانية، فغدا التسامح والتفاهم والتعايش السلمي وقبول الآخر ومحاورته بالحسنى والحكمة وكرم وفادته واستضافته، نهجًا ثابتًا من الثوابت العمانية، وهوية وثقافة متأصلة في المجتمع العماني والشخصية العمانية. ولهذا فإن الشذوذ عن هذه الثوابت في نظر الشخصية العمانية يعد خرقًا مرفوضًا وخطيرًا، لكونه يؤسس لمداخل تشوه وتدمر وتطيح بالحكمة الإلهية الأساسية التي من أجلها خلق الله الكون والخلائق، وهي إعمار الأرض، والنظر في نواميس الكون والتأمل في آياته لتعظيم الخالق سبحانه في النفس، وتعظيم قدرته، وإحاطته بما يجب بعد الإيمان العميق بحكمة الوجود والخلق.
لقد جاءت رسالة الإسلام واضحة في هذا الشأن، حيث أرادت أن تنقل الناس من حالة دنيا إلى حالة عليا، ولما كان الناس في شغل بمتع الدنيا وملذاتها، ومن الصعوبة بمكان نقلهم من وضعهم هذا إلى وضع أسمى، كان الخطاب موجهًا للعقل ومعتمدًا على الحكمة والموعظة الحسنة واللين وبأسلوب متدرج. فهذه اللغة كان لها مفعولها في أنفس الناس في صدر الإسلام المفعم بالمواقف الدالة على تسامح الإسلام ورحمته، ومحبة رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم للناس ومن شدة حبه لهم لدرجة أن يبخع نفسه خوفًا أن يرى واحدا منهم في درب الهلاك والضياع، لكنه مع ذلك لم يكن شعاره التنفير وتكريه الناس في الإسلام وفي شخصه، وفي صحابته، ولم يكن التكفير أو تسليط السيف على رؤوس مخالفيه نهجًا أو جزءًا من عقيدته.
إن هذا التراث النبوي الذي يمثل رصيدًا ثمينًا لكل مسلم حق، والتمسك به يعد دليلًا على حب الإسلام ورسوله، هو ما تحتاج إليه الأمة اليوم، في ظل ما تشهده من إساءات متلاحقة وغير مسبوقة لصورة الإسلام الناصعة، ولصورة نبي الرحمة المهداة إلى الناس، حيث الفتن الطائفية والمذهبية والتكفير والإرهاب والضلال باسم الإسلام، والإسلام من كل ذلك براء.
معرض "رسالة الإسلام" الذي أطلقته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عام ٢٠١٠م وزار أكثر من (عشرين) دولة وأكثر من (ست وستين) مدينة حول العالم حتى الآن، ويحمل عنوان: (التسامح والتفاهم والتعايش: رسالة الإسلام في السلطنة)، هو محاولة طيبة تسعى إلى بث النور في ركام الظلمة الذي سببه بعض المفتونين وبعض المغرر بهم، وذوو المعتقدات الفاسدة والآراء الشاذة، حيث يهدف المعرض إلى نشر مظلة هذه القيم بين شعوب العالم، وحسب المعنيين في الوزارة فإن المعرض قد اكتسب قبولًا متناميًا في الأوساط العالمية، وتم التنسيق بشأنه مع عدد من المنظمات العالمية وأهمها منظمة اليونسكو، والعديد من المراكز الدينية المهتمة بنشر القيم المعتدلة والدعوة إلى السلم والعيش المشترك بين الناس والثقافات والأديان.
وها هو المعرض يواصل كتابة سطوره في ذاكرة التاريخ العماني خاصة، وفي ذاكرة التاريخ العالمي عامة، عن حسن الضيافة والاستقبال والتسامح والتفاهم والتعايش الذي تمتاز به السلطنة، من خلال رحلته في السلطنة التي رعى افتتاحها معالي الشيخ عبدالله بن محمد السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية بشركة تنمية نفط عُمان أمس الأول، مبرزًا التطبيق العملي والحقيقي لقوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"، حتى بات كل من زار السلطنة من الماضي إلى الحاضر بمثابة سفير يحكي مشاهداته وينقل انطباعاته.