إذا كانت جميع أموال المدين ضامنة لالتزاماته، ففي بعض الأحيان قد لا تكون كافية لسداد كل ديونه عندها يضطر الدائن الإقتصار على استيفاء جزء من حقوقه... هذا من جانب، ومن جانب آخر قد يهمل هذا المدين في التقاضي والمطالبة بحقوقه. كما أنه قد يزيد من ديونه غشا وإضرارا بدائنيه ولا يستطيع الدائن في المقابل سوى التساوي مع جميع الدائنين. فيما تبقى من أموال للمدين... وتفاديا لهذه الأضرار التي قد تلحق بالدائن ظهرت بما تسمى التأمينات الخاصة... وهي نوعان شخصية وعينية وهذه الأخيرة هي محور حديثنا... حيث تنقسم هذه التأمينات الى ما يسمى الرهن التأميني والرهن الحيازي... وقد نظمها المشرع وخصص لها الكتاب الرابع من قانون المعاملات المدنية ابتداء من المادة (1010) وانتهاء بالمادة (1085) منه ونظرا لأهمية وتنامي هذه التأمينات في الحياة العملية، نفرد لكل نوع منها مقالة نتحدث فيها عن أهم جوانبها من وجهة نظرنا... فالرهن التأميني وفقا للمادة (1010) هو "عقد به يكسب الدائن على عقار مخصص لوفاء دينه حقا عينيا يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد يكون."... ونخلص من نص هذه المادة أن لهذا الرهن خصائص عدة فهو أولا حق عيني عقاري حيث يعطي الدائن حق التقدم على جميع الدائنين العاديين والدائنين التالين له أي الأقل مرتبة منه... كما أنه يعطي الدائن حق تتبع العقار المرهون في يد من تنتقل إليه ملكية هذا العقار وأيا كان من انتقلت إليه.
وثانيا أن هذا الرهن حق تبعي يدور وجودا وعدما بوجود الدين المضمون... وثالثا أن هذا الرهن غير قابل للتجزئة بمعنى أنه إذا توفي المدين وإنتقل العقار المرهون إلى الورثة وأصبح في المقابل كل وارث مسؤولا عن جزء من الدين فإن الجزء من العقار الذي يملكه الوارث يكون مرهونا في كل الدين... ولأهمية الرهن التأميني وأنه يرد على عقار فقد تطلب المشرع لإنعقاده تسجيله لدى جهة الإختصاص (دائرة التصرفات القانونية. أمانة السجل العقاري...) مما يعني أن الرسمية في هذا العقد ركن فيه لا يقوم بدونها... كما أن ما يتطلبه هذا التسجيل من كتابة ورسوم وقيد تكون على الراهن أي المدين كونه هو المستفيد... ما لم يتفق المتعاقدان على غير ذلك. وقد جرى نص المادة (1011) على النحو التالي "لا ينعقد الرهن التأميني إلا بتسجيله ويلتزم الراهن بنفقات العقد إلا إذا اتفق على غير ذلك.". وحيث أن الرهن التأميني عقد كسائر العقود فيجب أن يتوافر فيه من حيث موضوعه عناصر الرضا والمحل والسبب... وإلا كان العقد باطلا... فمن حيث الرضا يجب أن تكون إرادة المتعاقدين الراهن والدائن الموتهن متطابقتان بمعنى آخر يجب أن يكون هذا العقار ملكا للراهن وأهلا للتصرف فيه... فإذا لم يكن مالكا له كان رهنه موقوفا على إجازة مالكه. وفوق ذلك أن تتجه إرادة المدين إلى رهن عقاره وفاء لإلتزام عليه وأن يقابل هذا الإيجاب قبول من الدائن المرتهن... وذلك استنادا للمادة (1012) "يجب أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون وأهلا للتصرف فيه..." والمادة (1013) "إذا كان الراهن غير مالك للعقار كان رهنه موقوفا على إجازة المالك بسند مرفق"... أما من حيث محل عقد الرهن التأميني فيجب أن يرد على عقار مملوك للراهن وأن يكون هذا العقار المرهون قائما وموجودا عند إجراء الرهن ومعينا بالذات تعيينا دقيقا نافيا للجهالة وسواء تم هذا التعيين في عقد الرهن ذاته أو في عقد موثق لاحق... وذلك استنادا للمواد (1014) و(1015) من القانون... أما سبب عقد الرهن التأميني فهو يتمثل في ضمان الدين بأن يكون صاحب العقار المرهون قد رضي يرهن العقار وسواء أكان هو المدين أو كان كفيلا عينيا... وما نود التأكيد إليه أن الرهن لا يقتصر فقط على العقار ذاته وإنما يشمل أيضا ملحقاته التي تعتبر عقارا كحقوق الإرتفاق والعقارات بالتخصيص... بإعتبار أن هذه الملحقات تكون تابعة للعقار فتكون مرهونة حالها حال العقار ذاته. وقد أكدت على ذلك المادة (1016) "يشمل الرهن ملحقات العقار المرهون التي تعتبر عقارا وما يشمل عليه من حقوق."... وأخيرا هناك آثار عدة يرتبها عقد الرهن التأميني نتركها للقارئ الرجوع اليها في قانون المعاملات المدنية وتحديدا الفصل الثاني من الباب الأول من الكتاب الرابع مع ملاحظة أن أحكام هذا الرهن تسري كذلك على المنقول التي تقتضي قوانينه الخاصة تسجيله استنادا للمادة (1020) من هذا القانون،،،

الدكتور سالم الفليتي *
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة والقوانين التجارية والبحرية
[email protected]