ما المراد بالإيمان بالقرآن الكريم؟
الإيمان بالقرآن أن يؤمن هذا الإنسان بأن هذا القرآن هو كلام الله المنزل على عبده ورسوله محمد (صلى الله عليه وسلّم)، وأنه اختتم الله تعالى به وحيه المنزل على أنبيائه كما اختتم أنبيائه ورسله بمحمد (صلى الله عليه وسلّم)، وأن كل ما في هذا القرآن إنما هو حق من عند الله.
على أن هذا الإيمان يجب أن يتجسد في الواقع بحيث تكون الأعمال متناغية معه ومتجاوبة معه ، بحيث لا يعمل الإنسان أي عمل من الأعمال إلا وهو تجسيد لهذا الإيمان كما يدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى:(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (السجدة ـ الآيتان 15 و16).
وكذلك يدل عليه أن الله تبارك وتعالى قال في بني إسرائيل الذي أخذوا ما حلا لهم من التوراة وأعرضوا عما لم يحلُ لهم (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة ـ الآية 85).
والآية الكريمة وإن كانت في بني إسرائيل إلا أن معناها ينطبق على هذه الأمة عندما تعرض عما لم يحلُ لها من القرآن الكريم، وكذلك يدل على هذا حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها عندما أبصرت امرأة وقد لبست الرقيق من الثياب فقالت: ما آمنت بسورة النور امرأة تلبس هذه الثياب. فهذا كله مما يدعو إلى أن الإيمان الحق بالقرآن يجب أن يتجسد في حياة المؤمن، والله تعالى أعلم.

في هذه الأيام يرسل الكثير من الآباء أبنائهم إلى المراكز الصيفية من أجل تعلم القرآن الكريم والآداب والأخلاق الإسلامية إلا أن البعض يواجه مشكلة في هذه المراكز من حيث عدم المبادرة في التدريس والتقاعس عن أداء هذه المهمة والرسالة الطيبة، يريدون منكم نصيحة للأخوة كي يشاركوا في مثل هذه المراكز.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فلا ريب أن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن الكريم ذكراً حكيماً وصراطاً مستقيما، أخرج به هذه الأمة من الظلمات إلى النور، ومن الباطل إلى الحق، ومن الفساد إلى الصلاح ، ومن التشتت إلى الاجتماع ، فكان مصدر خيرهم ، ولذلك كان تعلمه وتعليمه مناط الخير كله، فالنبي (صلى الله عليه وسلّم) يقول: خيركم من تعلم القرآن وعلمه .
وتعلم القرآن وتعليمه لا ينحصران في تعلم تلاوته فحسب وإنما في تعلم تلاوته وتحفظه، وفي تعلم أحكامه ودارسة علومه، ومن المعلوم أن جميع العلوم مصدرها القرآن الكريم، فالعلوم الشرعية والأخلاقية والعلوم العقدية وجميع ما فيه خير الدنيا والآخرة إنما مصدره القرآن، لذلك كان جديراً بالإنسان أن يحرص على دراسة القرآن، وأن يحرص على تدريسه.
فتعليم الناس العلم مما يجعل حلقات هذه الأمة متواصلة في سلسلة الخير وذلك بأن يأخذ آخرها عن أولها، ويستمر فيها الخير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها تصديقاً لما جاء به الحديث الشريف عن النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام:(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)، وقد أمر النبي (صلى الله عليه وسلّم) بأن يبلغ عنه ولو آية ، فقد قال : بلغوا عني ولو آية فرب مبَلغ أفقه من مستمع.
فنحن نوصي جميعاً إخواننا وأبنائنا أن يحرصوا على المسابقة في هذا الخير ودخول هذا المضمار، وألا يتقاعسوا عنه، وأن يؤدوا عملهم بأحسن وجه فإن في ذلك خيرهم في دينهم ودنياهم، والإنسان لا يدري متى يقبض عمره، فإن الإنسان يمرح ويلهو غير دارٍ بأن هذه اللحظات التي تمر به تنتقص من عمره، فاللحظات إنما هي عمر هذا الإنسان، وأنفاس الإنسان محسوبة عليه وهي خطواته إلى لقاء ربه ، فعلى الإنسان أن يغتنم الفرص وألا يفتوها، وقد دل على ذلك الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وسلّم) اغتم خمساً قبل خمس، ومن هذه الخمس التي أمر النبي (صلى الله عليه وسلّم) اغتنامها فراغك قبل شغلك.
فعلى الإنسان أن يغتنم فرصة الفراغ كما يغتنم فرصة الحياة وفرصة الشباب وفرصة الصحة لأجل أن يبادر إلى الخير، وألا يسوّف ويتواكل منتظراً في وقت آخر سيعمل للدار الآخرة، إنما الحياة فرصة ولا يدري الإنسان متى يقبض عمره، نحن وجدنا كثيراً من الناس يخيلون لأنفسهم أنهم سيعمرون، ويقول أحدهم سأفعل كذا فيما بعد أما الآن فلم أفرغ لذلك وأنا أنتظر الفرصة، عندما تواتيني الفرصة وعندما أتمكن من بناء حياتي، عندما أتمكن من فعل كذا وفعل كذا وفعل كذا سأغتنم الفرصة في المستقبل وسأفعل الخير الكثير، سأنشر العلم سأفعل سأفعل وإذا بريب المنون يفجؤه بين عشية وضحاها، فالعاقل لا يسوف، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أعطى نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والله المستعان.
هل هناك طريقة معينة في حفظ القرآن الكريم تنصحون بها القائمين في هذه المراكز؟
طريقة حفظ القرآن إنما تتفاوت بتفاوت المتحفظين له، من الناس من يكون أسرع إلى حفظ القرآن عندما يتلو السورة من أولها إلى آخرها ثم يتهجاها بعد ذلك حتى ترسخ في نفسه وترتسم في ذاكرته، ومنهم من يحتاج إلى تقطيع السورة آية آية أو فقرة فقرة من آيات السورة حتى يتمكن من حفظها فيراعى هذا الجانب والناس كما قلت متفاوتون، والله تعالى المستعان.


يجيب عن أسئلتكم
سماحة الشيخ العلامة : أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة