[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
لا جديد بالنسبة لمخيم اليرموك، فالأمور ما زالت تُراوح مكانها، إن لم يَكن قد دخلت في دائرة جديدة من التعقيدات، حتى بعد الزيارة الأخيرة للوفد الموسع والمُعوم من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة زكريا الآغا عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
فزيارة الوفد الفلسطيني المركزي القادم من رام الله، انتهت بعد إنجاز لقاءات عامة مع الفعاليات الفلسطينية، سادها مَنَاخٌ من المنكافات المُعتادة حتى بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في اللقاءات التي تمت في مقر المجلس الوطني الفلسطيني بدمشق، فقد باتت الهوة واضحة على سبيل المثال بين مواقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تَحدَثَ مندوبها عن تنظيم داعش وجبهة النصرة بطريقة صارخة داعيًا لموقف موحد على الأرض، فيما تَحَدَثَ مندوب فصيل يساري آخر في المنظمة عن إمكانية إعادة التفاوض مع جبهة النصرة وفتح باب التفاوض مع داعش لدعوتهم للانسحاب من مخيم اليرموك تجنبًا لأي عمل عسكري من قبل أي طرف، وتجنبًا لأي عملية تدمير لمربعات جديدة من اليرموك.
إضافة لذلك، عقد الوفد الفلسطيني المركزي لقاءات رسمية مع الجهات السورية المعنية، حيث ساد تلك اللقاءات أيضًا أجواء من الحديث بالعموميات دون التحديدات اللازمة التي تُساعد على حل مشاكل الناس، ليس المحاصرين داخل مربع اليرموك فقط على أهمية ذلك، بل والمُهجّرين بأعدادٍ كبيرة على قوس واسع من مناطق مدينة دمشق والذين تقارب أعدادهم نحو ربع مليون مواطن فلسطيني عدا نحو مليون مواطن سوري من سكان اليرموك، يعيشون ظروفًا صعبة وضاغطة جدًّا من كل النواحي. فكانت الزيارة في محصلتها دون المستوى المطلوب، إضافة لوعد رسمي سوري بالتسريع بحل ملف المعتقلين الفلسطينيين.
لقد عاد الوفد أدراجه إلى رام الله فيما بقيت الأمور كما هي على أرض الواقع، اللهم سوى تسليم مبلغ نقدي يعادل سبعة ملايين دولار تم اقتطاعها من رواتب العاملين في السلطة الوطنية الفلسطينية من أجل مساعدة فلسطينيي سوريا. وهو مَبلغ يحتاج لجهة موثوقة للقيام بتوزيعه على الناس بالشكل المطلوب، حيث الاقتراح المطروح بأن تقوم وكالة الأونروا بتوزيعه على الطريقة إياها التي تُقدم بها مساعداتها للناس داخل مخيم اليرموك وخارجه وفق السجلات العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا والمسجلين في قيودها.
إن الطامة الكبرى ليست بالحالة التي تحيط باليرموك وأهله وحده، فهناك أعداد كبيرة من لاجئي فلسطين من سكان العديد من المناطق والمخيمات المنسية المُهجرة أيضًا، ومنها مخيم الحسينية وجواره الواسع في ريف دمشق، والذي أمسى منذ فترة أكثر من عام مضى خاليًا من كل الجهات المُسلحة وينتظر القرار بالسماح لسكانه بالعودة إليه بدلًا من بقائهم على قوس واسع التشرد داخل دمشق، وهو ما يساعد على تخفيف آلام الناس ومصاعبهم اليومية، وقيل بأن الجهات المعنية في الدولة السورية وعدت وفد المنظمة الفلسطيني المركزي بإعادة الناس إلى تلك المنطقة في وقتٍ قريب جدًّا.
كما أن الحال تَسحب نفسها على لاجئي فلسطين من أبناء مخيم حندرات الواقع شمال مدينة حلب، حيث تم تهجير أبنائه قبل عامين تقريبًا، وما زالوا حتى الآن في مراكز الإيواء الجماعية في مدينة حلب. وكذا الحال بالنسبة لمخيم درعا وبعض التجمعات الفلسطينية في منطقة سهل حوران.
لقد شكّلت المُنازعات الفصائلية الفلسطينية عاملًا هامًا (وليس العامل الوحيد) من عوامل المراوحة بالمكان بالنسبة للوفود المركزية التي تأتي من رام الله بإتجاه دمشق سعيًا لحل أزمات فلسطينيي سوريا أو التخفيف منها على الأقل.
والمؤسف أن مُعظم تلك المُنازعات لا تَمِسُ العناوين الجوهرية المُتعلقة بالمآسي التي تُخيم على الناس وعموم مواطني فلسطين في سوريا وواقعهم القاسي والصعب بعد نكبتهم الثانية التي أدت لهجرة وتشرد نحو (75%) منهم وفق معطيات وكالة الأونروا الأخيرة، وهي المُعطيات الأحدث التي تُشير بأن عدد اللاجئين الفلسطينيين المُسجلين في سوريا قد وصل إلى (564,074) لاجئ فلسطيني، وأن عدد المُهجّرين منهم داخل سوريا قد وصل إلى (270) ألف مُهجّر موزعين في مناطق مختلفة في دمشق واللاذقية وحماه وحلب وغيرها، أما المُهجّرون خارج سوريا حسب فهناك حوالي 70 ألف (لبنان 51 ألف، والأردن 10 آلاف، ومصر 6 آلاف، وغزة ألف، و1100 في ليبيا) وفي تايلند وماليزيا وإندونيسيا. ووجود حوالي ثلاثين ألفًا مُهجّر في دول الاتحاد الأوروبي لا سيما السويد (16 ألف)، وفي تركيا يوجد حوالي الأربعة آلاف، إضافة إلى وجود أعداد مُتناثرة منهم في مقدونيا وبولندا وقبرص واليونان وألبانيا وغيرها من الدول.
ونُشير هنا، أن منطقة اليرموك هي المنطقة الوحيدة المُشتعلة في سوريا التي يَسُود فيها التوافق والتفاهم بين النصرة وداعش فيما تدور الحروب الطاحنة بين الطرفين في باقي المناطق السورية التي يتداخل وجودهما المشترك مع بعضهما البعض، كما هو الحال في أرياف حلب وإدلب ودير الزور وغيرها من المناطق، وهو أمَر يؤكد حجم التعقيدات التي باتت تَلِفُ أزمة اليرموك ومحنة فلسطينيي سوريا.
إن زيارة الرئيس محمود عباس قبل فترة ليست بالبعيدة لموسكو، كانت في جزءًا أساسيًّا منها من أجل موضوع مخيم اليرموك. فالرئيس عباس إصطحب معه إلى موسكو السفير أنور عبد الهادي مُمثلُهُ مع الجهات السورية المعنية بمتابعة أزمة اليرموك وفلسطينيي سوريا، حيث يَميل السفير عبد الهادي لتبني وجهة نظر الدكتور أحمد مجدلاني بشأن المُعالجات المطروحة لأزمة مخيم اليرموك، وقد ترافقت تلك المناوشات والمنازعات الفصائلية بدمشق مع وجود الرئيس عباس في موسكو، وجرى تسريب بعض المعلومات التي قالت "إن اليرموك قد تم بيعه" وهي تسريبات لا أساس لها من الصحة، لغايات سياسية لا أكثر ولا أقل.
على كل حال، تَسود في الشارع الفلسطيني في سوريا درجة عالية من الإحباط نتيجة فقدان الدور الفلسطيني المركزي والحقيقي في معالجة قضايا لاجئي فلسطين في ظل محنتهم المُستمرة، وقد وصلت الأمور عند الناس إلى درجة اللامبالاة من مشاوير تلك الوفود.