[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
تتجه الأنظار هذه الأيام بالمزيد من الاهتمام إلى مصطلح معروف بدأ يحكم المساعدات الدولية التي تتطلبها برامج الإغاثة العامة للمتضررين من جراء الكوارث الطبيعية كالجفاف والأعاصير والفيضانات والزلازل وغيرها، وكذلك بسبب الحروب وأنواع العنف المختلفة لأسباب أثنية وحدودية وطائفية.
وترتكز حيثيات هذا المصطلح على عنوان واضح يعرف (بالدعم المشروط)، وبمعنى تفصيلي أن تقدم المساعدات ومواد الإغاثة والأنواع الأخرى من المساعدات وفق رابط ينص على تطوير القدرات المعرفية العامة للمتلقين لها وزجهم في أنشطة يمكن أن (تغذيهم) بما يخدم أوضاعهم الاجتماعية والثقافية والنفسية التي من الحتمي أن تكون قد تعرضت للمزيد من التصدع.
لقد كان لافتًا حقًّا البرنامج الذي يعتمده البنك الدولي في هذا الميدان فقد اشترط ربط منح سلال غذائية أو خدمات معاشية أخرى مقابل انضمام أبناء ونساء المتضررين إلى صفوف تعليمية وتدريبية حيث يكون هامش الشرط هنا مواظبة المنضوين ضمن تلك الصفوف التعليمية واتخاذ إجراءات رادعة بقطع الإعانات إذا امتنع المتضررون من مواصلة الانخراط في تلقي تلك الدروس.
لقد طبقت اشتراطات من هذا النوع في مناطق من باكستان وبنجلاديش والهند، كما طبقت في عدد من الدول الإفريقية التي يتولى برنامج الغذائي العالمي تقديمها لمواجهة سوء التغذية أو المجاعات هناك، وحسب متابعتي لأوضاع النازحين والمهجرين في العراق الذين وصلت أعدادهم إلى أكثر من مليونين ونصف مليون مواطن برزت حالات دعم مشروط مشابه إلى ما أشرنا إليه، لكن مجالاته ما زالت ضيقة جدًّا لوجود جهل في الآليات التي يفترض تطبيقها، وكذلك نتيجة الاستخفاف به لذريعة أن أوضاع النازحين تحتاج إلى رعاية بدون شروط، في حين أن الواقع يخالف ذلك لأن الدعم المشروط يقلل من انشغالات الفراغ وما يترتب عليه من أمراض نفسية، فهو يخفف الضغط اليومي الشديد الذي يعانيه النازحون في مخيمات لا تتوفر فيها مستلزمات الحياة الطبيعية، مع انخفاض معدلات الحركة.
لقد تبين وفق تشخيصات خبراء في العلوم النفسية أن كل أمراض الكآبة والهذيان والتوحد والشداه الحاد التي أصابت العديد من النازحين العراقيين تعود بالأساس إلى الفراغ اليومي والضغوط الأخرى المتمثلة بعدم وجود أفق مفتوح في أمل إنهاء معاناتهم، ويحضرني هنا تشخيص الكاتب الألماني الحائز على جائزة نوبل للسلام جونتر جراس الذي حذر من متوالية الوقوع في عملية ما أسماه (تقشير البصل)، بمعنى أن البصل محاط بمجموعة من الأغلفة مما يؤدي إلى متوالية متكررة لا تفضي إلى اللب، مع ملاحظة أخرى تطرقت إليها منظمة الصحة العالمية التي كشفت عن وجود الكثير من الأمراض النفسية المستجدة التي ترتفع وتيرتها مع ارتفاع وتيرة الخصومات بين الدول ومثل ذلك أيضًا أكدت دراسة تناولت أوضاع المهاجرين غير الشرعيين الذين تلتهمهم مياه البحار والمحيطات خلال محاولاتهم الحصول على حياة جديدة مع علمهم المسبق أن مغامراتهم هذه لا تتوفر فيها حتى الحد الأدنى من فرص النجاح في الوصول إلى بلدان يرومون الاستقرار فيها.
وإذا أردنا القياس على الأوضاع الاقتصادية الاعتيادية، هناك أكثر من إشارة واحدة تفيد أن الدعم السائب يؤدي إلى خلق اتكالية واسترخاء لا مبرر له، الوضع الذي ينعكس سلبًا على الحالة النفسية.
إن الدعم المشروط وإن كان وصفة للحالات المعاشية الطارئة فإن نسخة متطورة منه تصلح لبعض الأوضاع الاقتصادية إذا ارتبط ارتباطًا وثيقًا بمسؤوليات الجميع حكومات وشعوبًا؛ لأنه يدفع بالضرورة إلى إقامة نوع من التضامن المتبادل بين هذه الأطراف، ولا شك أن مثل هذا التضامن يكون مفتاحًا أمينًا للترشيد الاقتصادي.