‏[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا كاتب فلسطيني [/author]
يلقي الواقع العربي الأبأس، موضوعيًّا، بسدله الكثيفة على مجمل جوانب المشهد الفلسطيني البائس. يحجب باسوداده الرؤية إلى حد بعيد، وتصرف همومه الاهتمام لدرجة غير مسبوقة عن كافة أوجه الهم الفلسطيني المزمن. بل هو نحَّى، ونخفف هنا فلا نقول أبعد تمامًا، القضية الفلسطينية برمتها، شؤونًا وشجونًا، جانبًا، فبات من نافل القول إنها لم تعد كسابق عهدها، أي حتى ولو نظريًّا، من بين أولويات الراهن العربي.
هذا، ومن أسف، واقع نلمسه ونزعم أنه مما هو قد لا يختلف معنا عليه اثنان. وإذا كان هذا هو الحال عربيًّا، فما هو المتوقع إذن كونيًّا سوى ما هو الأكثر منه إشاحةً والأفدح تجاهلًا، بل الأشد إغواءً لمزيد من معتاد التواطؤ ومعهود المشاركة التليدة في انتهاز مثل هكذا فرص تسنح، كهذه التي يتيحها هذا الواقع العربي المزري، ومثل هذه المرحلة الكارثية الأشد إرباكًا وانحدارًا في تاريخ الصراع على بلادنا، لتصفية قضية قضايا الأمة في فلسطين؟!
هذا الراهن وهذه الحال هما من أسهما، وأيضًا موضوعيًّا، في تشجيع الصهاينة على اختيارهم لآخر منتج من حكوماتهم الأشد فاشيةً وعدوانيةً وتطرفًا، والتي أول ما قامت به وزيرة خارجيتها الجديدة، تسيبي حوتبولي، بعد تسلمها لحقيبتها الوزارية، هو جمع الديبلوماسيين المعتمدين لدى الكيان الصهيوني لإبلاغهم بأن "الله أعطى هذه الأرض لشعب إسرائيل"! وهما، أي الراهن والحال، من جعلا الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، أو العصبة الأنجلو سكسونية، لا تتردد في حماية الترسانة النووية الصهيونية في مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، حين صوتت معترضات على مقترح مصري بعقد مؤتمر دولي لتجريد المنطقة من هذا السلاح فأسقطته، الأمر الذي حظي بمسارعة نتنياهو لشكر حماة ترسانته النووية وعلى رأسهم أوباما...كما أنهما من جاءا أيضًا بالوسيط الأوروبي، ممثلا بمفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موجريني، ملتمسةً سبلًا لإعادة الصهاينة والأوسلوييين الفلسطينيين لطاولة مفاوضات تصفية القضية الفلسطينية.
مرت موجريني بوساطتها على رام الله وانتهت بها في تل أبيب، حالها حال ما سبق من متوسطين ووساطاتهم. أثناءها أعلن نتنياهو عن استحداث وزارة لشؤون القدس وأسندها للفاشي المتميز في حزبه زئيف الكين، وفي نهايتها، ووفقا لصحيفة "هآرتس"، أبدى لموجريني رغبته في مفاوضات تؤدي إلى تفاهمات بخصوص "الكتل الاستيطانية"، التي سوف يضمها للكيان من "خلال اتفاق نهائي"، لأنه "من خلال هذه الطريقة ستتضح المواقع في الضفة الغربية التي يمكن لإسرائيل مواصلة البناء فيها"... هذه "الكتل الاستيطانية" وفق التعريف الصهيوني هي المستعمرات الكبرى، أو المدن التهويدية الضخمة في الضفة، التي تستوعب حتى الآن ما يزيد على نصف المستعمرين، من مثل "معاليه أدوميم" في القدس، و"أريئيل" شمال الضفة، و"جوش عتسيون" في جنوبها، والتي حدودها قابلة دائما للتوسع وابتلاع ما يجاورها من أراض ومساحات لم تهوَّد بعد.
لا من جديد نتنياهويًّا هنا، فهو لم يقدم على مثل ما أبداه إلا لأنه يعلم أنه يصعب على الأوسلويين قبوله، ولأنه من الممكن توظيفه خارجيًّا، والإفادة منه في استقطاب غلاة المستعمرين داخليًّا، كما يظهره بمظهر غير الرافض أو المعرقل للتفاوض، وإجمالًا، لا من بأس عنده من الكلام عن التفاوض والحلول الافتراضية من شأنه أن يتيح له مزيدًا من الوقت لإنجاز تهويد ما لم يهوَّد بعد في الضفة، أي لا بأس عنده من العودة لخرافة "حل الدولتين"، التي قامت وتقوم على وهمها متلاحق الانزياحات التفريطية الأوسلوية المدمرة، مع خلق الوقائع المانعة والمبددة لهكذا وهم لم تأتِ موجريني إلا لتنشيطه... لكنما هناك جديد لعله الأخطر والأكثر خبثًا في مهمتها وهو تسويقها لمصطلح تصفوي استحدثته، عندما استخدمت لأول مرة عبارة "الدولتين للشعبين" بدلًا عن لوك ما يدعى "حل الدولتين"، والهدف من مستحدثها هو تمرير مسألة "دولة قومية للشعب اليهودي" المزعوم، التي يطالب بها الصهاينة ويشترطونها للعودة لتفاوض يتهافت على عودته الأوسلويون، وباتت من الشعارات التي يستحضرها أوباما كلما عن بباله استرضاء نتنياهو وصهاينة الولايات المتحدة.
قبل قدوم موجريني، كان أبو مازن يصرِّح متوعدًا، "إذا واصلت إسرائيل نهجها سنواصل بالمقابل توجُّهنا لتدويل الصراع بكل ما تعنيه الكلمة"، وبعد رحيل موجريني، استخلص كبير مفاوضيه صائب عريقات أن كل ما يريده نتنياهو هو "تفعيل ملف المستوطنات، وإعطاؤها الطابع الشرعي"، أما وزير خارجيته المالكي فاستطرد ليشرك معه من لم يعرفوا بعد بما قد تسنى له اكتشافه ولو متأخرًا، وهو أن نتنياهو "غير معني بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الحدود المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية"... وزاد المالكي فأخبرهم بأن "الجانب الفلسطيني لم يعد لديه الثقة مطلقًا بأن هناك شريكًا إسرائيليًّا، ويؤمن أن الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الحالية غير معنية وليست شريكًا في عملية سياسية تفاوضية"!!!
المفارقة أن لا استخلاص عريقات، ولا اكتشافات المالكي المتأخرة، تطرقتا إلى أحبولة موجريني المتمثلة في مصطلحها المستحدث، وفي هذا ما يلفت. كما، ورغم كل ما تقدم، لم يبدر من أبو مازن ما يدلل على فقدانه لأمله التليد في شراكة تصفوية تجمعه مع نتنياهو، أو أن يأسًا قد داخله من أن يكف شريكه المأمول عن مواصلة نهجه إياه... أما التدويل، أو التهديد المتوفر تلويحًا لا إقدامًا، فيظل، كما كنا قد قلناه مرارًا في مقالات سابقة، الممنوع من الصرف أميركيًّا... لذا حق لمن شاء التساؤل: ترى متى ستعود موجريني مع أحبولتها للمنطقة؟؟!!