[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
إذا لم يتبق من "اتخاد الجامعات العربية" سوى مكتب جامع لغبار الزمن، مكتب منزوِ في إحدى ضواحي عمّان/الأردن، فإن حاله لا يشكل سوى مرآة للجامعات "الوطنية" في الدول العربية، تلك الجامعات التي أمر بتأسيسها أولو أمر كانوا يحلمون بتحويل دولهم المتأخرة الاستقلال إلى دول عصرية لا تنقصها المؤسسات الأكاديمية الرفيعة. بيد أن أحلام أولي الأمر الذين أطلقوا ميزانيات سخية خاصة للإنفاق على هذه المؤسسات وتزويدها بأرفع ما تحتاج إليه، لم ترتقِ إلى آمالهم قط، للأسف.
ودليل ما أذهب إليه في سياق مناقشتي هذه يتجسد جليًّا في: (1) التشبث بالجامعات الأجنبية، خاصة الجامعات الأميركية، تتبعًا لخطى الجامعة "اليسوعية" ثم الأميركية في بيروت، ثم الجامعة الأميركية في القاهرة والإسكندرية، ثم وثم؛ (2) إهمال الجامعات الوطنية التي أسسها الآباء والأجداد قبل بضعة عقود لصالح استيراد جامعات كاملة، مسلفنة، بأساتذتها ومكتباتها وأقسامها وأنظمتها التربوية من العالم الغربي. لقد انتشرت "فروع" الجامعات الشهيرة في أميركا وبريطانيا في العديد من حواضرنا العربية، دلائلً لا تقبل الشك أو النقاش على إخفاق مشاريع الجامعات الوطنية التي صار من يذهب للدراسة في صفوفها يعد من أبناء عوائل الدرجة الثانية، وربما الثالثة، للأسف. أما أبناء عوائل "الدرجة الأولى" فلا يحضرون سوى صفوق "فروع" الجامعات الأميركية، ليس لأنهم أكثر فطنة من الفئة الفقيرة أعلاه، ولكن لأن أسرهم قادرة على دفع أجور الدراسة ومشتملاتها من أدوات وكتب وتجهيزات، وقد أحالت هذه الظاهرة المعيبة المؤسسات الأكاديمية في العالم العربي الممزق إلى فضاءات للتمايز الطبقي وللإقلال من شأن ذوي المداخيل المحدودة، للأسف. بل هي أحالت بنايات وساحات هذه الجامعات إلى فضاءات لعروض الأزياء وأنواع المكياجات وسباقات السيارات الفاخرة، للأسف الشديد كذلك.
أما عن أسباب تراجع الجامعات الوطنية التي كان أولو الأمر من الرعيل الأول يعقدون عليها الآمال الكبار، فمن أهمها يأتي تردي المستوى العلمي، وخضوع المؤسسات الأكاديمية لأنواع التأثيرات اللاأكاديمية، السياسية والقبلية والطائفية، من بين سواها، الأمر الذي أدى بالجامعات الوطنية العربية لأن تغدو معامل لضخ البطالة المقنعة، إن لم نقل "الجهالة" المقنعة، أو الأمية المقنعة. إن خريجي الجامعات الوطنية عبر العقود الأخيرة أبدوا عدم قدرة وعدم تأهيل لإدارة شؤون الدوائر التي يتم تعيينهم للعمل بها، نظرًا لضعف تأهيلهم العلمي ومعاناته من الاختلالات الوظيفية، ناهيك عن غياب الرغبة لدى هؤلاء في أداء الخدمة العامة، كما كنا نتوثب لها في الأجيال السابقة.
هذه اختلالات خطيرة للغاية بطبيعة الحال، ذلك أن ضعف تأهيل ومستوى خريجي الجامعات الوطنية، وربما حتى الأجنبية، إنما قاد إلى تدوير عجلة التبعية الاقتصادية من جديد: فمن أجل الارتفاع بهؤلاء إلى المستوى الوظيفي القادر على العمل في دوائر وأذرع الدولة، تحتاج مؤسسات الدولة إلى الاستعانة بالخارج، من أجل دورات التطوير وكورسات التدريب والإعداد الوظيفي في دول العالم الغربي خاصة، الأمر الذي قاد إلى تواشج عجلات اقتصاديات النفط لدينا باقتصاديات رأس المال في العالم الغربي، وهكذا بقيت تدور عجلة التبعية الاقتصادية، بعد أن نلنا الاستقلال السياسي بعقود، للأسف.