إن تدشين السلطنة أمس خطًّا ملاحيًّا جديدًا مع موانئ جنوب آسيا عبر ميناء صحار، يعد خطوة متقدمة على صعيد التأكيد على أهمية الموانئ العمانية في الحركة الملاحية، ويأتي في إطار الاستثمار الأمثل لموقع السلطنة كحلقة وصل بين الشرق والغرب، الذي يسهم بفعالية في حركة التجارة العالمية منذ زمن طريق الحرير التاريخي، كما أن هذا الخط الملاحي يعزز مكانة السلطنة وموقعها الجغرافي المتميز بربط حركة التجارة العالمية وتنشيط طرقها وخطوط الملاحة ودعم الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات، ويعزز كذلك ميناء صحار المطل على بحر عُمان بعيدًا عن مضيق هرمز، بما يسمح له بدور كبير في الحركة التجارية من وإلى مختلف مناطق العالم وخاصة الخليج العربي في أوقات الطوارئ، لا سيما أنه يرتبط بشبكة طرق حديثة مع الموانئ المجاورة، فضلًا عن أن وجود محطة حاويات عملاقة بالميناء توفر فرصة لازدهار تجارة الترانزيت وإقامة مناطق تجارية وصناعية حرة به مستقبلًا، إضافة إلى تسهيل استيراد الخامات وتصدير منتجات الشركات الصناعية الكبيرة التي تعمل بالميناء، وتلك التي ما زالت مشروعاتها قيد التنفيذ .
وجاء احتفال التدشين من خلال ناقلة الحاويات "إيفرجين" التايوانية وشريكتها "سيماتك" بعد استقبال المحطة العمانية للحاويات العالمية في ميناء صحار لسفينة الحاويات "ميسيني" التي تبلغ حمولتها 2500 حاوية نمطية في إضافة مهمة لشبكة النقل الملاحي التي تربط ميناء صحار بموانئ دول العالم مباشرة، وما يعطي هذا الخط الملاحي ومحطة الحاويات بميناء صحار الصناعي مكانتهما ودورهما الاقتصادي والاستثماري، ويجعلهما نموذجًا ناجحًا للمشروعات الاقتصادية يغري بالمزيد من الاستثمار الأجنبي في السلطنة، هو المخاطر الحقيقية المحتملة على حركة الملاحة في مياه الخليج، الأمر الذي قد يؤثر بشدة على تدفق النفط من مصادر إنتاجه شمال المضيق إلى الأسواق العالمية، بما يتسبب في ارتفاع أسعاره، وحدوث سلسلة من التداعيات السلبية على الاقتصاد العالمي، فضلًا عن تأثر الاحتياطي الاستراتيجي من المواد الغذائية الأساسية في دول مجلس التعاون، وهذا كله يمثل قيمة مضافة للخط الملاحي الجديد ولمحطة الحاويات العالمية بميناء صحار، التي يمكن أن تصبح رئة بحرية فاعلة لدول المجلس في نشاطها التصديري والاستيرادي، مع وجود أرصفة لشحن ناقلات النفط وغيرها، وتمديد خطوط أنابيب من مواقع الإنتاج إليه ومصفاة نفط، خصوصًا بالنسبة للخام والمواد النفطية والغاز الطبيعي التي يتم تصديرها إلى شرق وجنوب شرق آسيا، وللسلع والبضائع التي تستورد منها إلى دول مجلس التعاون .
إن الدور الذي يلعبه ميناء صحار وسيلعبه مع الخط الملاحي الجديد ومحطة الحاويات العالمية، يتكامل مع الدور الذي يقوم به مثيلاه ميناء الدقم وميناء صلالة، في تنشيط حركة التجارة من وإلى السلطنة والأسواق المجاورة، وتعظيم قيمة الموقع الجغرافي الاستراتيجي الهام لبلادنا، وتوفير فرص لاستثمارات جديدة أجنبية ومشتركة تغطي منتجاتها احتياجات السوق المحلي وتسمح بتصدير الفائض إلى الخارج، وتقدم للمستثمر الأجنبي قيمة مضافة بهذا الموقع تعزز سلة الامتيازات التي يحصل عليها المستثمرون الأجانب من ناحية حماية رأس المال وحرية تدفقه والإعفاءات الضريبية ومجموعة التشريعات التي تقنن هذا الجانب الحمائي.
ولا يفوتنا القول إن هناك فوائد أخرى غير مباشرة تتحقق من خلال هذه المشروعات الطموحة لتعظيم الاستفادة من المقومات والثروات الطبيعية الوطنية، منها توفير المزيد من فرص العمل أمام أعداد أكبر من المواطنين، مع ما يعنيه ذلك من منحهم فرصة بدء حياة جديدة مستقرة خاصة في قطاع الشباب، مع الآثار الاجتماعية الإيجابية التي تترتب على استقرار هذه الأسر وعوائلها.