[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
هذا مثل أغريقي، أشار إليه في إحدى مقالاته الكاتب الكبير الراحل الاستاذ انيس منصور، تحدث فيه بمرارة عن معاناته الشخصية بسبب تنقله الدائم مع والده الذي كان يشغل وظيفة عامة تفرض عليه الانتقال من مدينة إلى أخرى في مصر، وكانت هذه التنقلات تحصل كل عدة سنوات، وقبل أن ادخل في صلب ما أرغب الحديث عنه فإن الاستاذ أنيس كان يتنقل في مدن مصرية، يتحدثون ذات اللغة واللهجة ويقدمون ذات الطعام ويرتدون نفس الزي والطبيعة متشابهة في جميع تفاصيلها، رغم ذلك فأنه كان يشعر بغربة داخل بلده لأنه لم يتمكن من تكوين اصدقاء من ذات البيئة بسبب تلك التنقلات المتواصلة، فكتب متألما، كتب أن الاغريق يقولون:" إن البذرة لا تنبت على حجر متدحرج، ورغم بلوغه السبعين عندما كتب ذلك المقال أو ربما أكثرمن ذلك، فإنه لم يتمكن من نسيان حالة القلق التي رافقته طيلة سنوات الصبا والشباب وجميعها كانت داخل حدود مصر ومدنها.
لا أعرف ماذا سيكتب الاستاذ انيس لو تأمل حال الملايين من اطفال وشباب سوريا والعراق، الذين اضطروا مرغمين مجبرين على ترك الديار والاصدقاء واحيانا الاهل والأحبة والأقارب، ليستقر بهم المقام القلق في اماكن اخرى بعيدة عن مسقط رؤوسهم وحارات الصبا والشباب.
الملايين من صبية واطفال وشباب سوريا والعراق يعيشون حاليا في مخيمات، وقد يكون هؤلاء اوفر حظا من سواهم، من الذين اضطروا للعيش في العراء تحت البرد الشديد والحر المرعب، ولا يملك غالبية هؤلاء ما يسد رمقهم في حياتهم اليومية، وكثير من هؤلاء اضطروا للتنقل بدون الأب وربما الام والأهل، فقد فقدوا أو قتلوا وربما اختفوا دون معرفة أي شيء عنهم، ما يزيد الأمرخطورة وخوفا وازعاجا وقلقا.
على أي حجر متدحرج الذي يعيش هؤلاء الاطفال والصبية مقارنة بذاك الذي ازعج واقلق استاذنا الكبير منصور، ولم يغادره هاجس القلق وعنوان الغربة والألم، رغم الفارق الكبير بين ما عاشه في طفولته وصباه وما يعيشه صبية وأطفال العراق وسوريا المشردون الغائصون في غربتهم النافذة إلى اعماق المجهول.
لا أعرف ماذا سيكتب الراحل منصور لو عاش مثل تجربة صبية وأاطفال العراق وسوريا في محنتهم الكبيرة والخطيرة ومفتوحة السقف الزمني، وقبل ذلك ما عاشه أطفال وصبية فلسطين منذ اواخر اربعينيات القرن الماضي وحتى الان، والذي حصل لأطفال لبنان بعد نشوب الحرب الأهلية منتصف سبعينيات القرن الماضي ومازال مئات الآلاف منهم لم يعرفوا طريقا لعودتهم للأحياء التي ولدوا وترعرعوا فيها.
ولا أعرف ماذا سيقول هؤلاء الصبية والاطفال الذين وقع عليهم هذا الحيف والظلم، بعد أن أصبح حلمهم الوحيد العودة إلى الديار وحلمهم القريب ألا يفقدوا المزيد من الأهل والأقارب في دروب الضياع والمجهول.
ولا أعرف فيما إذا يفكر القائمون على الحكم والقرار في بلداننا العربية بمصير هؤلاء وما سيتركه هذا التدحرج على نفوسهم ومشاعرهم من جروح مركبة غائرة وكثيرة ومتشابكة؟.