[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” لكثرة ما يروجه الإعلام الدولي والعربي ولكثرة ما تتداوله الدبلوماسية الدولية والعربية هذه الأيام كدنا نصدق أن العالم العربي يدخل في حروب أهلية لا دخل للمؤامرات فيها. فالعراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان وفلسطين بالتحديد تقدم للعالم مشاهد تقاتل وتناحر بين الاخوة في الوطن الواحد، ولكن هل هذه الأزمات الدموية بالفعل حروب أهلية! ”
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مع تفجير القطيف الإرهابي ضد مصلين في أحد مساجد القديح وهو مسجد الإمام علي بن أبي طالب يوم الجمعة قبل الماضي ومحاولة التفجير اللاحقة في مسجد العنود بالدمام الجمعة الماضي نتأكد من إتساع رقعة العنف المبرمج خارج الحدود العربية والذي يلبس أزياء تنكرية تختلف كل مرة باختلاف المكان والزمان لكن الضحايا هم دائما عرب مسلمون أو عرب مسيحيون في أكبر وأحدث عملية إدخال العالم العربي (قلب الإسلام) في دوامة الفوضى بإثارة النعرات الطائفية التي كانت براكينها هامدة لمدة قرون بقصد إعادة رسم الخريطة الجديدة للشرق الأوسط حسب مصالح أعداء العرب من شرق وغرب وشمال وجنوب. وخلال الأسبوع الماضي نجحت منظمة أميركية في الحصول على عدد من وثائق وزارتي الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة تعود الى الفترة المحيطة بهجوم بنغازي في 11 سبتمبر 2012، حيث قتل أربعة أميركيين بينهم السفير كريس ستيفنز. إلّا أن الوثائق التي أُفرج عنها بأمر قضائي كشفت عن أسرار خطيرة تتعلق بالحرب في سوريا وتطورها والدور الغربي في بلوغ العرب هذه الدرجة من الاإنقسام.
ولكثرة ما يروجه الاعلام الدولي والعربي ولكثرة ما تتداوله الدبلوماسية الدولية والعربية هذه الأيام كدنا نصدق أن العالم العربي يدخل في حروب أهلية لا دخل للمؤامرات فيها. فالعراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان وفلسطين بالتحديد تقدم للعالم مشاهد تقاتل وتناحر بين الاخوة في الوطن الواحد، ولكن هل هذه الأزمات الدموية بالفعل حروب أهلية! كما تدشن دول عربية أخرى عهد أزمات صعبة مثل مصر و تونس و الأردن.
ثم لماذا كانت هذه الشعوب أمنة الى مدى قريب ثم اندلعت فيها ما يسمونه اليوم حروبا أهلية؟ ألم يكن السني يتعايش مع الشيعي؟ والكردي مع العربي؟ والمسيحي مع المسلم؟ وفي لبنان ألم تتالف قلوب المسلمين مع المارونيين مع الدروز؟ ألم يجتمع شمل السنة والشيعة في كل مجالات الحياة ومنذ قرون؟ وفي فلسطين، ألم يهجر عام النكبة المسلم مع الكاثوليكي مع الأرثدكس بنفس الوحشية؟ ألم تتشكل نواة منظمة التحرير الأولى في دولة الكويت نعم في الخليج المجاهد وتشكلت من كل الطوائف لرفع السلاح من أجل تحرير فلسطين؟
ماذا وقع حتى انفجر هذا النسيج القوي المشرف الذي كان يضرب الغرب والشرق به المثل في التسامح والقبول بالاخر والأمان والسلام الأهلي؟ من الذي قرر من وراء الحجب وفي مخابر الموت أن يقحم الشرق العربي في أتون العنف ثم يطلق على ما يجري بفعله وبتدبيره نعت الحروب الأهلية؟ ألم يسأل العرب أنفسهم عن طبيعة ما يحدث في العالم العربي منذ 17 ديسمبر 2010 تاريخ اندلاع ما سمي بالربيع العربي في مدينة سيدي بوزيد التونسية ؟ هل هي حروب أهلية كما يقدمها الأعداء الذين هندسوها أم هي حروب كيدية أوقدتها أياد اثيمة من غير العرب وخططت لها مراكز دراسات مشبوهة بالتفاصيل والمحطات ووضعت لها الاخراج الاعلامي والتسويقي حتى يخالها العالم وحتى النخبة العربية حروبا أهلية! فتنتقل تلك الجهات المريبة انذاك الى المرحلة الثانية من المؤامرة الكبرى وهي مرحلة استثمار الأزمات الدموية وصرف جثث الضحايا في بنوك المزايدات لحصد الأرباح وجني الفوائد على أنقاض الخراب العربي!
بالطبع لا ينكر عاقل أمين مسؤولية العرب الكبرى فيما يحصل، فأخطاؤنا في سوء التقدير أخطر من أن نتجاهلها، لكنها مهما عظمت فانها تظل ثانوية أمام المخططات الجهنمية التي تمكنت منا وانجرفنا اليها باعتقادنا بأن العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان وفلسطين دخلت في حروب أهلية. فالحالة العراقية التي انطلقت منها الفوضى يجب أن نقرأها اليوم بعيون جامس بيكر و لي هاملتون، وهما شخصيتان أميركيتان لديهما خبرة في ادارة الشأن العام وشخص تقريرهما التاريخي الصادر سنة 2008 أسباب الحرب العراقية للاستخلاص بأنها كانت حربا مفروضة على الشعب العراقي تحت حجة تخليصه من النظام البعثي! فاذا بالدولة تنفجر والجيش يحل والبنية التحتية تدمر والمدارس تغلق والمدرسون يغتالون والمتاحف تنهب والخيرات تسلب وشركة هاليبرتون التي يرأس ديك تشيني مجلس ادارتها تملأ خزائنها بالذهب. ثم نتحدث عن حرب أهلية! أية حرب أهلية لا رأي فيها للشعب ولا قرار؟ بل ان العراقيين الكرماء هم الضحايا لحرب تداخلت في شنها واذكاء لهيبها كل مخابرات الغرب واسرائيل، وأرادوها حربا انتقامية جائرة من العراق كوطن لا من العراق كنظام.
أما الذي يحدث في لبنان (الذي كان قلب الأمن العربي فحولوه إلى قلب الأزمات العربية) و ينذر بالويل والثبور فهو أيضا ثمرة التحالف الغربي اليميني لاستنباط حلول للبنان دون الرجوع للوفاق اللبناني الذي أثبت التاريخ بأنه قادر دائما على الوصول للحلول التوفيقية والسلمية والمدنية، حتى في ظروف أعسر وأدق من هذه! أما الذي وقع منذ اتفاق الطائف فهو مصادرة القرار اللبناني لصالح مخطط ايديولوجي للمحافظين الجدد همه الوحيد كان عزل سوريا وايران اقليميا ودوليا استعدادا لتوسيع حرب العراق الى كل من سوريا وايران لأسباب لادخل فيها للبنان أو المنطقة! والنتيجة هي اليوم واضحة للعيان: فوضى تهدد بما هو أخطر، أمام القوى العنصرية والمتصهينة في الغرب التي تنتظر أن تؤدي الأيدي اللبنانية مهمة قذرة خططت لها تلك القوى الشريرة وتنفذها الطوائف بدون وعي لما يحاك ضد لبنان لضرب تلك الجنة العربية والواحة المسالمة والدرع الواقي لكرامة العرب. انها في لبنان لن تكون حربا أهلية بل حرب كيدية.
في فلسطين، ماذا كان ذنب الفلسطينيين؟ قيل لهم انتخبوا بحرية وادخلوا جنة الديمقراطية فانتخبوا حماس بحرية. لكن قالت نفس تلك القوى الغربية العنصرية المتصهينة للفلسطينيين: لقد أسأتم الاختيار والمطلوب منكم اجبار الحكومة على الاعتراف باسرائيل، وحين تطلب حكومة اسماعيل هنية من اسرائيل الاعتراف بفلسطين كدولة قادمة حسب كل المواثيق الدولية الموقعة، يكون الرد بالرفض بل بالاغتيال وقتل الأطفال ومواصلة بناء جدار العار المدان من قبل محكمة العدل الدولية! والنتيجة قطع المعونات وتجفيف منابع الزراعة والانتاج وغلق المعابر، الى أن تدق ساعة ما يخططون له وهو ارباك جميع العرب بالتجويع والتركيع ثم الترويج لمقولة الحرب الأهلية العربية الشاملة التي تأذن ب" تدويل القضية " كل قضية على حدة وارجاعها الى مربع الانطلاق أي تحت رقابة قوى غير عربية، بينما لا حرب أهلية ولا حتى خلاف في الغايات البعيدة ما بين كل فئات العرب! انها ليست حربا أهلية بل حرب كيدية. فهل من صحوة عربية!