[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” إن هذا المشروع الثقافي الحيوي بعناوينه ومادته وعلمائه الكبار يستحق الشكر والتقدير والامتنان لكل من ساهم وسيساهم في إخراجه إلى العلن , وعلى رأس هؤلاء الأخ الكريم الباحث سلطان بن مبارك بن حمد الشيباني واخوانه من الباحثين الآخرين , والأخ الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي,”
ـــــــــــــــــــــــــ
تأكيدا وتدليلا على ما تمت الإشارة إليه في الجزء الأول من المقال, فسوف أقتطف في هذا الجزء المكمل, نماذج أو مقتطفات من تلكم المقدمات لاطلاع القارئ على هذا المشروع المقدر والجهود الكبيرة التي بذلها الباحث ( سلطان بن مبارك بن حمد الشيباني), وما تتضمنه المقدمات من معلومات هامة, وكيف أننا أمام جهود ونماذج لباحثين عمانيين متمرسين قد لا نراهم أو لا نعلم عنهم الكثير إلا بعد الاطلاع على أعمالهم المتميزة:
(( وقد تبدو الرسالة لأول وهلة ليست مما يكترث به, فهي صغيرة الحجم، مجهولة المؤلف، متأخرة التأليف، غير أنها ذات شأن معتبر من جانبين: أولهما: ندرة ما ألف في فنها في التراث العماني، وربما تكون هي الأقدم تاريخا. ثانيهما: أن النديم في (الفهرست) وحاجي خليفة في (كشف الظنون) ومن نحا نحوهما لم يذكروا معشار ما قيدته هذه الرسالة من أسامي الكتب العمانية.
إن: كبرى اشكالات النص أنه نص بلا هوية ـ إن صح التعبير ـ فمؤلفه مجهول، وتاريخ تأليفه مجهول، وتختلف النسخ في عنونته، كما تختلف في أوله وآخره، وتتفاوت في حجم مادته بين زيادة ونقصان، وتقديم وتأخير، وتنفرد جل النسخ بزيادة نصوص هي الأخرى مجهولة الكاتب.
وثمة أربع نسخ أخرى _ أقدمها منسوخ سنة 1079 ه _ نهجت منهجا مختلفا عن بقية النسخ السابقة في ترتيب مادة النص، فاستفتحت بأسماء الكتب ذوات الأجزاء، ثم سردت سائر المصنفات بصورة أقرب الى الترتيب الزمني، وضمت مصنفات مؤلف واحد في سياق واحد، وختمت بسرد أسماء الجوامع. ويحسب لنسخ هذه المجموعة أنك لاتكاد تجد فرقا بينها إلا ما ندر.
ولأجل ذلك ارتأيت نصين لمادة هذه الرسالة؛ النص الأول: يعتمد المنهج التوفيقي بين النسخ، لأن وحدة النص غائبة عنه. والنسخ المنضوية تحته بلغت خمسا؛ تكاد تنفرد كل منها بزيادات.
فطفقت أتتبع مادة المخطوط ورقة ورقة, وكنت كلما فرغت من ورقة رجح عندي أن الكتاب بعيد عن منهج ابن بركة وأسلوبه ..... ومضيت على هذا الظن زمنا وذهني منصرف إلى النسخ الخطية السابقة غافل عن غيرها, حتى كنت يوما أراجع فهرسة النسخة النادرة لكتاب التقييد لابن بركة التي خطها العلامة المتقن عبدالله بن عمر بن زياد الشقصي البهلوي بيده سنة 963هـ , فألفيت من محتوياتها كتاب المبتدأ لابن بركة, ولما عاينتها رأيت نصا في غاية الوضوح , ظاهر البداية والنهاية , صريح النسبة إلى ابن بركة في أوله وآخره.
وقد سلخت سنين في حل لغز سيرة ابن مداد والإجابة عن اشكالات تعتري محتواها, ابتدأت من مشكلة النسخة المخطوطة الواحدة التي ظلت متداولة بين الباحثين مدة من الزمن, ثم انحلت عقدتها باكتشاف أخوات لها , غير أنهن تكاثرن تكاثر الظباء على خراش, وكلما ظهرت نسخة خطية جديدة ظهرت معها اشكالات جديدة, وأنا مع كل هذا أسوف وأسوف في إخراجها, وكم رفعت القلم عنها لأعود إلى تنكيسه من جديد.
والمنظومة التي أقدمها اليوم واحدة من تلك الآثار المجهولة, وهي أنموذج من مساهمات العمانيين في معارضات نظم مثلثات قطرب, يزيدها قيمة وندرة أنها الأثر الوحيد المعروف لمؤلفها : خلف بن هاشم بن عبدالله بن هاشم القري الرستاقي, المعدود من أعلام القرن التاسع الهجري, على جهة التقريب .... وغاية ما نعرفه عنه أنه ينتمي إلى أسرة علمية عريقة, اشتهرت بالطب خاصة, في القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة, وخرجت ما يزيد على عشرة علماء في الأدب واللغة والفقه والطب والفلك ... .
وقد توصلنا إلى تحديد زمانه موازنة بتواريخ عدد من علماء عمان عاصرهم , منهم المشائخ : ابراهيم بن محمد بن أحمد السعالي النزوي ( ت 20 محرم 565 هـ )).
وعدد اثني عشر عالما بعضهم مع مؤلفاتهم عاصروا العالم الفقيه الوليد بن سليمان بن يارك النيسابوري الكلوي صاحب كتاب ( خطبة وداع شهر رمضان ) وهو الرقم الخامس في السلسلة.
ومما لا شك فيه بأن المطلع والقارئ لهذه السلسلة الغنية بالمحتوى ليأخذه الإعجاب ومعه الشكر والتقدير للباحث والمحقق (سلطان بن مبارك بن حمد الشيباني) الذي قام بعملية بحث مضني في مصادر الوثائق العمانية وتتبعها ومقارنتها مع وثائق وموسوعات عمانية أخرى، ومن يطالع مقدمة كل عنوان من عناوين هذه السلسلة يدرك قدر الجهد والمعاناة ومعه إطلاع الباحث وقراءاته الواسعة للموروث العماني، وما توفرت لديه من نسخ احياناً للعنوان الواحد عمل على مقارنتها قبل أن يصل إلى درجة مطمئنة من اليقين والثبات وتردده وتريثه واستمراره لسنوات في البحث عن مخطوطة ثانية تدعم سابقتها أو تثبت المادة المتآكلة والساقطة في النسخة الأولى، أو تؤكد على صحة المؤلف ونسبه وتاريخ تأليفه للمصنف ... إلخ.
أول عنوان للسلسلة جاء تحت مسمى (( كتاب المبتدأ )) للعلامة أبي محمد عبدالله بن محمد بن بركة السليمي. والعنوان الأخير رقم (15) (( رسالة في أقسام الحديث الشريف )) تأليف الشيخ محمد بن صالح المنتفقي الصبري. من عناوين السلسلة ما يلي :
ـ رسالة في علم الفلك للمبتدئين.
ـ منظومة ابن هاشم في المثلث عن اللغة .
ـ مجلة في أصول التوحيد.
ـ رسالة في الحث على تعليم العربية .
ـ رسالة في معرفة أهل العلم وكناهم وبلدانهم وقراهم .
ـ رسالة في تفسير آية البر .
ـ مجلس ادبي .
ـ رسالة في معرفة كتب أهل عمان.
ـ رسالتان في السياسة الشرعية.
ـ مباحثات في علم التجويد.
ومن يطلع على السلسلة ويبحر في محتواها وعناوينها تتضح له حقيقة أن العلماء العمانيين لم يتركوا مجالاً من مجالات العلم وتخصصاته إلا وكتبوا فيه وأغنوه بحثاً ودراسة وأشبعوه نقاشاً وتحليلاً.
وفي هذا الإطار فإنني أتقدم ببعض الأفكار المتواضعة لخدمة هذا المشروع وغيره من المشاريع المماثلة .... أوردها في النقاط التالية :
أولا : أهمية أن تخصص مادة في المنهج العماني تدرس للطلبة, تبرز مكانة وأهمية الموروث العماني، وماقدمه العلماء العمانيون من انتاج في مجالات المعرفة في مختلف ظروبه واسهاماتهم في تطور العلوم وجهودهم الواسعة في طلب العلم، ويمكن ادخال بعض المؤلفات خاصة في مجالات الادب والفقه والطب ضمن المنهج الدراسي , فمما لا شك فيه بأن ذلك ستكون له نتائج إيجابية من حيث أولا : تشجيع الطلبة على التعرف على تاريخهم وتراثهم , وتشجيعهم كذلك على السير الحثيث اقتداء بأولئك العلماء من الآباء , وليسهموا أخيرا في انقاذ التراث العماني من الضياع والحفاظ عليه من خلال تنمية الشعور لديهم بأهميته.
ثانيا: أن تقوم المؤسسات المتخصصة ( وزارة التراث القومي والثقافة – جامعة السلطان قابوس – والمؤسسات الاكاديمية والثقافية ورجال الأعمال) بجهد أكبر في مجال انقاذ الموروث العماني ومنه المخطوطات والوثائق, ودعم المشاريع القائمة, وتشجيع الباحثين والمهتمين في هذا المجال, وتفريغهم لهذا النوع من المشاريع الوطنية, وإجراء رواتب ومكافآت مجزية لهم للقيام بمهام البحث وإنقاذ وإخراج الكتب والدراسات العمانية إلى العلن.
ثالثا: إنشاء مركز ثقافي تنضوي تحت مظلته جميع المشروعات والأعمال والمؤسسات الحكومية الأخرى ذات العلاقة , ليختص بجمع الوثائق والمخطوطات وتصويرها وتوثيقها , وتعيين الباحثين والمهتمين والمتخصصين في هذا المجال بالمركز , وتيسير وتسهيل مهمتهم في التحقيق والبحث والكتابة والتأليف وطباعة ونشر الكتب والدراسات العمانية.
رابعا: أن تتعزز المشاركة بالكتاب العماني في جميع المحافل ومعارض الكتب والفعاليات الثقافية في مختلف دول العالم , وتعريف الأمم والشعوب بهذا المنجز العلمي والحضاري قديما وحديثا . وأن يقوم الإعلام وجمعيات الكتاب والصحافة وغيرها بتنظيم الندوات والجلسات الحوارية والفعاليات بشكل متواصل ومستمر لإلقاء الضوء على هذه المشاريع والجهود الثقافية وانتاجها من أعمال التحقيق وإصدار الكتب. وأن تقدم هذه الكتب كحزم هدايا لمؤسسات ومراكز أكاديمية وبحثية عالمية.
خامسا: أن تخصص المجمعات التجارية يوما في الشهر لعرض جميع الكتب العمانية قديمها وحديثها, من خلال التنسيق مع الجهات المحتصة, فقد أصبحت هذه المجمعات وكما نعلم تغص بالبشر من جنسيات مختلفة, وهي فرصة لعرض وتقديم الكتاب العماني للجمهور, والتعريف بجهود العمانيين وانتاجهم الغزير في مجال الثقافة والمعرفة وما قدموه للمكتبة من كنوز لا تقدر بثمن, وابراز التراث العماني , وللتشجيع على اقتناء الكتب والقراءة والتعلم, وأخيرا دعم هذه المشروعات ومن يقف خلفها ماديا ومعنويا, فنحن ندرك بأن الكثيرين ما زالوا يجهلون هذه المبادرات والأعمال الوطنية التي يقوم به المخلصون. أو تخصيص كشك دائم في موقع مميز في كل المجمعات التجارية لهذا الغرض. كما يمكن تسيير مكتبة متنقلة إلى جميع محافظات وولايات السلطنة تعرض الكتب العمانية على المواطنين والمقيمين.
سادسا: أن تخصص المؤسسات الحكومية خاصة وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والجامعات والكليات بندا خاصا في موازناتها لشراء نسخ من جميع الاصدارات العمانية, وتوزيعها على مكتباتها في المدارس والجامعات والكليات ومراكز البحث, وعلى المسئولين والمختصين فيها, وذلك دعما وتشجيعا للكتاب العماني وللمؤلفين والباحثين والداعمين له, والقراءة والاطلاع والتعرف على كنوز المكتبة العمانية , ولأنه من غير المناسب أن يغيب هؤلاء المسئولون عن المشهد الثقافي وعن تراث وذخائر الانتاج العلمي والمعرفي العماني وهم من يشارك ويمثل البلاد في الفعاليات والمناشط الثقافية والعلمية ويتحاورون ويعقدون الاجتماعات ويناقشون النخب في مختلف دول العالم.
سابعا : أن تبادر المجلات الثقافية كمجلة نزوى وشرق غرب وغيرهما من المجلات المشابهة باختيار وتخصيص عناوين من الكتب العمانية توزع ضمن أعداد هذه المجلات على غرار المجلات الثقافية في الوطن العربي كمجلة دبي الثقافية والدوحة على سبيل المثال , اسهاما منها في دعم الثقافة والتراث وتشجيع القراءة والتعريف بالكتاب العماني . أو التفكير في إنشاء مجلة متخصصة في دراسات وأعمال التراث العماني .
إن هذا المشروع الثقافي الحيوي بعناوينه ومادته وعلمائه الكبار يستحق الشكر والتقدير والامتنان لكل من ساهم وسيساهم في إخراجه إلى العلن , وعلى رأس هؤلاء الأخ الكريم الباحث سلطان بن مبارك بن حمد الشيباني واخوانه من الباحثين الآخرين , والأخ الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي , وهي دعوة لكل الباحثين والمتخصصين وأصحاب اليد الكريمة للمساهمة في هذه المشاريع الثقافية , فلن يغيب جهد ولا مال في مشروع يخدم العلم والمعرفة والتراث.