لم ينبت " داعش " ولا " النصرة " من الأرض، ولا هبطا من السماء بواسطة المظلة، بل ظهرا لأسباب، ويعني في تمددهما أسباب ايضا. ثمة اتفاق على أن " داعش " قد تمت صناعته استخباراتيا بمباركة أميركية وبتحريك لوجستي تركي وبتمويل بعض العرب، تماما كما سبق وصنعت القاعدة، التي فرخت العديد من القواعد على إمتداد الأرض العربية ومنها النصرة في سوريا، ولم يعد خافيا على أحد، أن ما يسمى بـ " دولة الخلافة " ورفع الشعارات والرايات الإسلامية إنما القصد منه غزو نفسي للشباب العربي والمسلم الذي أكثره بلا ثقافة ولا تثقف وبلا عمل، يصدق الفكرة ويتعاطى معها على أنها المطلب الذي يسعى إليه وينتظره منذ زمن. أما " النصرة " في سوريا فهي مؤلفة أيضا كما "داعش" من خليط ممن يسمون أنفسهم مجاهدين من سوريين وبقية الجنسيات والأجناس وهي كما أسلفنا تعود لـ " القاعدة " في النهاية منبتا وإشرافا وتمويلا.
هذان التنظيمان تجاوزا وجودهما في سوريا ، والعراق، وفي وقت كان فيه " داعش " يتمركز في أراض عراقية يتخذ منها قاعدة انطلاق, تحقق له أن يكون موجودا لاحقا في ليبيا، وأن يعيش على الحدود مع لبنان، وأن يتناسل في نيجيريا من خلال " بوكو حرام " وأن يقفز إلى المملكة العربية السعودية معلنا عن وجوده عبر تفجيرين انتحاريين، وثمة معلومات مؤكدة أن له وجودا في مصر وهو يترقب توقيتا محددا كي يعلن نفسه في عدة أماكن مصرية وخصوصا في مناطق الدلتا. فيما " النصرة " تتحرك أيضا في أكثر من مكان بحكم انتمائها لتنظيم عالمي له حضوره في معظم بقاع العالم وهو يمتد فيها ويعلن عن نفسه بلا هوادة.
هذا " النجاح " وهذا التمدد للتنظيمين، إنما يعود لأسباب جوهرية، منها إعلامية بالدرجة الأولى، ومنها ما تم وضعه في خدمتها من أموال وسلاح وحاجات كاملة، ومنها ميدانية، دون أن ننسى الاقتصادية منها، بحكم سيطرة " داعش" على أماكن وجود النفط في كل من العراق وسوريا وهو في ليبيا يسعى للأمر ذاته. ومن المؤسف أن الدور التحريضي المذهبي يلعب دورا في ما آلت إليه حالة الواقع في تلك البلدان، وحالة التنظيمين المتقدمة تماما، فهنالك عشرات المحطات الفضائية التي تروج لهما على مدار الساعة ومن خلال عملية غسل للأدمغة بطرح مفاهيم مذهبية قائمة على الكذب الرخيص تدفع الشباب إلى تصديق ما يقال، وليست العمليات الانتحارية التي يقوم بها أولئك الشباب سوى ثمرات التحريض ذاك، والمفاهيم التي تبث على العقول الصغيرة صاحبة اللاتجربة. بل من المؤسف القول إن بعض المحطات الفضائية المعروفة، تركب المركب ذاته، بأن تساهم بطريقة مباشرة بأعمال التنظيمين من خلال الترويج وتغطية أنشطة وفعاليات هذين التنظيمين غير العسكرية وتبرير جرائمهما وتشويه صورة القوى التي تقاتلهما كالجيش العربي السوري والجيش العراقي وقوى الحشد العراقي وكذلك الجيش الليبي وغيره. فنحن إذن أمام نظام حاضن إعلامي متكامل يقوم على إسداء الدعم للتنظيمين الإرهابيين منهم بطريقة مباشرة وبعضهم بطريقة غير مباشرة.
ما حققه التنظيمان الإرهابيان إذن لايعود إليهما فقط، بل إلى القوى التي تقف وراءهما دعما وتمويلا وتسليحا ثم دفعا باتجاه نشر وجودهما في أكثر من مكان عربي، فلكل داعم أسبابه في الدعم والتمويل، لكن جميع الداعمين يتفقون على ضرورة انهاء كل ماهو ظاهرة عربية مقاومة وممانعة، وليس هذا فقط، بل تخريب البنى العربية كي لاتقوم لها قائمة لا الآن ولا في المستقبل.