[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
المتأمل في إطار جغرافيتنا الخليجية سوف يلاحظ أن هناك متغيرات وتحولات كبرى قد طرأت على علاقة الأنظمة مع شعوبها، كل الأنظمة بعد ما كانت دولتين أو ثلاثا، وحتى هذه الدول تعمل الآن على تعزيز مسارات تقربها واقترابها، والأخرى تسير على نهج الاقتراب والتقرب، بدأت لنا وكأنها تستدرك اخطاء تاريخية، وهذا هو الجديد الذي يحدث الآن في تزامن وتناغم يبدو أنه جماعي من ناحية توفر الإرادة السياسية، لكنه يختلف جوهريا في التطبيق من نظام سياسي لآخر، فما هى دوافع إعادة رسم العلاقة بين الأنظمة وشعوبها في منطقة الخليج ؟ وهل كان لتوصيف الرئيس باراك اوباما للخطر المحدق بالخليج ،،داخلي وليس خارجيا ،، دور في التوجهات الخليجية الجديدة أم هى عملية إرادية تنم عن وعي سياسي بمجوعة إكراهات داخلية وخارجية؟
تظل قضية التباين الكبير في ماهيات التوجهات بين الدول الخليجية الست تشغلنا كثيرا، لأن منطقة الخليج قد اصبحت منطقة ارتدادات تلقائية، فما سوف يحدث داخل دولة منها سوف تتأثر به الدول الأخرى ولو من المنظور النفسي الاجتماعي، وهذا الحد الأدنى من التأثير ينبغي أن لا نقلل من خطورته، ولماذا هذا التباين ـ سوف نتناوله في مقالنا بعد غد الاربعاء ـ هذا تساؤل في غاية الأهمية، لأنه سيوضح لنا الابعاد والخلفيات التي تدفع ببعض الانظمة الخليجية الى اعادة رسم العلاقة بين الانظمة وشعوبها بصورة انفرادية لكنها ارتدادية، والإجابة نرجعها الى وجود جيلين من الانظمة السياسية في الخليج، جيل من الشباب، وهم الأغلبية مهما بدأت من مظهرية السن طاغية في احداها، لكن في جوهر الممارسة السياسية فكر تحديثي يساهم في صياغته سلطة شابة للمستقبل، وجيل مخضرم، وهم الأقلية .. الايجابية هنا، أن كلا الجيلين لديهما هاجس مرتفع الآن إما بتعزيز العلاقة أو صياغة علاقة جديدة مع الشعوب، وهذا ما يجعلنا نرصد تحولات جذرية داخل منطقتنا الخليجية غير مسبوقة رغم ما تمر به المنطقة من توترات وأزمات اقليمية، لأسباب (وجودية) بعد ما انكشف الداخل على مجموعة اختلالات سوف تساعد الخارج على زعزعة استقرار الانظمة الخليجية، ولولا التوترات والنزاعات المسلحة الجديدة، ونخص بالذكر حصريا الأزمة اليمنية، لطغت مظاهر العلاقة الجديدة بين بعض الأنظمة وشعوبها بصورة لافتة عن طريق البوابة الاقتصادية، لماذا ؟ لأن الدول الخليجية قد وجدت نفسها بين خيارين لا ثالث لهما، وهما، إما أن تكسب مجتمعاتها أو تكسبها قوى خارجية تناصرها العداء بصورة مكشوفة وعلنية، كتنظيمي القاعدة وداعش، والآن الحوثيين بالنسبة للبعض وليس الكل، فهل تترك الأنظمة الخليجية لها الفرصة في اختراق مجتمعاتها؟ ولو تركتها فسوف يكون الخطر يطالها خاصة وان مجالات الاختراق الداخلية متعددة لعل ابرزها عدم العدالة الاجتماعية، والاقصاء والتهميش والمذهبية، مما تبدو الجبهات الداخلية ممزقة ومتصارعة .. ولولا وجود سلط قوية لمزقت الصراعات الجبهات من تلقاء نفسها، فكيف لو تقاطع معها قوى داعش والنصرة والقاعدة، من هنا نفسر الكرم الحاتمي لهذه الأنظمة لشعوبها من دواعي خوفها من الاختراقات الخارجية، ولنا فيما يحدث عند الاشقاء السعوديين من نقل ما يسمى بتنظيم داعش عملياته الى اراضيهم من خلال عمليتين تفجيريتين دمويتين من نموذج يمكن ان نستشرف منه الخطر المستقبلي المشترك، وتلك الاحداث تؤكد صحة التوجهات الخليجية، وهى ايجابية، وخطوات صحيحة، لأن بقاء حالات الاحتقان الاجتماعي قائمة في مرحلة الاختراقات والاستهدافات سوف يساعد قوى التطرف على نجاح مخططاتها، فتلك بيئات خصبة لها، من هنا، يعد إقدام الأنظمة على اعادة صياغة العلاقة الجديدة مع شعوبها استشرافا منها لحجم الاكراهات المقبلة، وهذا ما دفعها الى اخذ زمام مبادرة العلاقة الجديدة من المنظور الاقتصادي فقط، فالاعتداد بحقوق المواطنين المختلفة، قد يأتي اختياريا من السلطة السياسية وقد يكون نتيجة إكراهات ظرفية ضاغطة تحمل السلطة السياسية ليس على الاعتراف بها وإنما كذلك على ضمانتها للمواطنين، وهذا ما نجده سائدا حاليا، مما يعني أن الانظمة الخليجية تتطور داخليا بصورة تلقائية اي ارادية بخلفية تلك الهواجس، لكن باتجاه الحقوق الاقتصادية وليس السياسية، فهل هذا هو الاتجاه الصحيح؟ ربما على الخليج ان ينفتح نحو استيعاب كل الدروس، وليس درس مخاطر تلك التنظيمات المتشددة، فالدروس امامه كثيرة منذ عام 2011، كما أن الحقوق لا تتجزأ، وحتى لو نظرنا لمسار العلاقة الاقتصادية بين الانظمة الخليجية وشعوبها، فهى ليست كذلك على منوال واحد، وإن كان تأثير المسار نفسه له ارتدادات وانعكاسات بين العواصم الخليجية الست،وهذا لم يكن سابقا، وهذا تطور اقليمي بالتأكيد يخرج من رحم الدروس ، لكننا نريدها اي الدروس أن يؤخذ بها كاملة وليست انتقائية بحيث تكون هناك اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية تبني الانسان وتجعله شريكا اساسيا وليس ثانويا، أو النظر اليه فقط من خلال معدته وغرائزه الحيوانية. إذن، ما هو المطلوب من الخليج؟
عليه أن يتوصل الى قناعة مشتركة مفادها أن الاكراهات التي تواجهها الآن الدول الست على انفراد تمس (وجودها كلها ) وليس احداها أو بعضها وليس امنها الداخلي فقط، فما من قوة سوف تنجح في داخل أية دولة منها، كداعش، ولماذا داعش؟ سيأتي لاحقا، وإلا فسوف تفكر في التمدد الجغرافي لأن عقيدتها تملي عليها ذلك، وهذا الخطر الوجودي المشترك يحتم على الدول الست العمل الجماعي في مسائل غير مختلف عليها سياسيا، وسنركز هنا على مسألتين فقط: اولا، التنسيق في رسم هذه العلاقة من جهة وفي التعاون الجماعي في تمويل استحقاقاتها المالية من جهة ثانية، وثانيا، تطوير التعاون العسكري الخليجي لمواجهة واحدة من خلال ستة خنادق خليجية ضد كل من يحاول أن يضرب منجزها الحضاري، فمفهوم الأمن مشترك، والخطر الوجودي مشترك، والدول الست تشكل حزاما جغرافيا وأمنيا واحدا، ومن ثم ينبغي ان يكون توجهاتها الاجتماعية إن لم تكن واحدة، فمنسقة فيما بينها ومشتركة التمويل جماعيا، فالأحداث المتتالية والمتسارعة منذ عام 2011، اثبتت أن مصلحة الدول الست تكمن في التعاون فيما بينها لردع الأخطار التي تحدق بها ولاسيما تلك التي تؤججها أياد خارجية، فأول شئ ينبغي القيام به بصورة جماعية صياغة عقد اجتماعي مشترك مع تضمينه خصوصيات لكل دولة على أن يخصص له صندوق مشترك ومن ثم صياغة تعاون أمني وعسكري جديد بقناعات وعواطف الصندوق المشترك، وهكذا سوف تتقاطع مصالح الشعوب الخليجية مع انظمتها السياسية لمواجهة الاخطار المحدقة بها الآن، فمن يعتقد أنها عابرة، فهو لا يزنها بميزانها الحقيقي، فتنظيم داعش لديه فعلا مشروع دولة (وفق رؤية القائمين على هذا التنظيم)، وهو قائم الآن على أرض يمارس فيها ايديولوجيته، ويحقق نتائج كبيرة، واختراقاته السعودية تفتح نافذة استشرافية لمشروعه، هذا طبعا بخلاف التنظيمات الأخرى وإكراهات الدول الاقليمية القديمة والجديدة، فهل الخليج يسير بوعي ضرورة العمل الجماعي أم بآليتي الفعل وردة الفعل؟ هذا ما سوف نتناوله في مقالنا المقبل من منظور أمثلة واضحة سوف نسلط الضوء عليها بالمقارنات الخليجية بما فيها بلادنا.