الخطة تأتي في ظروف استثنائية تتطلب رعاية أكبر بالجانب الاجتماعي والاقتصادي

وتنويع مصادر الدخل وتنمية الموارد البشرية وتحرير القطاع العام من البيروقراطية المتراكمة

ـ سيف المعمري: التعليم وإيجاد فرص العمل والاستمرار في بناء المواطنة المسؤولة وإرساء دولة المؤسسات وانخفاض أسعار النفط أبرز تحديات الخطة القادمة

ـ تشكيل حكومة كفاءات سيزيد من قدرتها على استثمار المقومات والفرص التي تزخر بها السلطنة

ـ المختار العبري: يجب أن تضاف للخطة القادمة برامج عمل واضحة مع أطر زمنية قابلة للتحقيق ورفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة

ـ محمد الحجري: تنمية الإنسان وتوفير فرص العمل بحاجة إلى جهود مضاعفة دون أضرار اجتماعية أو اقتصادية

تحقيق ـ يوسف الحبسي:
تستعد السلطنة للإعلان عن الخطة الخمسية التاسعة خلال الأشهر القليلة القادمة، حيث باشرت حكومة السلطنة منذ وقت مبكر بوضع اللمسات النهائية على برامج واجندة الخطة من خلال الإطلاع على مطالب واحتياجات مختلف القطاعات الخدمية والاقتصادية والاجتماعية خلال الخمس سنوات القادمة 2016 ـ 2020 م والتي تعتبر السنوات الاخيرة ضمن الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020م.
ويضع الكثير من المواطنين والمراقبين آمالا كبيرة بأن تحمل الخطة الخمسية القادمة طموحات وتطلعات الكثير من أبناء الوطن خاصة فيما يتعلق بتحسين الوضع الاجتماعي وتنويع مصادر الدخل والارتقاء بقطاعات اساسية كالتعليم والصحة والإسكان والضمان الاجتماعي وإيجاد فرص العمل ودراسة واقع السوق واحتياجات من الخدمات والأيدي العاملة.
ويؤكد العديد من الاقتصاديين والأكاديميين والمواطنين الأهمية الكبيرة للخطة الخمسية التاسعة كونها تأتي في ظروف اقتصادية استثنائية تتطلب رعاية أكبر واوسع بالجانب الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي وضرورة ان يعمل القائمون على الخطة بقراءة كافة المتغيرات الاقتصادية والسياسية وتوظيف الإمكانيات التي تزخر بها السلطنة لتحقيق عوائد اقتصادية أكبر مستفيدة من الميزات التنافسية لقطاعات كالسياحة والصناعة والخدمات والمعادن والزراعة والثروة السمكية وغيرها من المقومات التي يجب توظيفها بشكل أكبر لتنويع مصادر الدخل واستغلال كافة الفرص الاستثمارية المتاحة وإعادة صياغة القوانين الاستثمارية وتسهيل الإجراءات وتشجيع الاستثمار وتحرير الاقتصاد.
وأكدوا ان من أبرز التحديات التي يجب على الخطة التاسعة مواجهتها: فصل الانفاق الحكومي عن الايرادات النفطية، تحرير القطاع العام من البيروقراطية المتراكمة، رفع كفاءة الجهاز الاداري للدولة، تطوير قطاعات تعتمد على التكنولوجيا في القطاع الخاص، تقليص حجم التجارة المستترة، تحسين وتوسيع قدرات الشباب العماني على ريادة الأعمال، تحسين قدرة الشركات العمانية على المنافسة دوليا ومحليا مع الشركات الأجنبية.
"الوطن الاقتصادي" يفتح ملف الخطة الخمسية التاسعة بين الآمال والطموحات من خلال الالتقاء بالعديد من الاقتصاديين والأكاديميين والخبراء والمواطنين وصناع القرار في عدد من الحلقات وذلك للوقوف على العديد من الآراء والمقترحات حول الآليات والتوجهات التي يجب أن تأخذ بها الخطة الخمسية التاسعة وما هي الجوانب التي يجب رعايتها والعناية بها خلال الخطة القادمة وذلك من وجهة نظر عدد من الأكاديميين.
مشروع إصلاح التعليم
الدكتور سيف بن ناصر المعمري، أستاذ مشارك في كلية التربية بجامعة السلطان قابوس وخبير إقليمي في مجال التربية من أجل المواطنة قال: لاشك أن الخطة الخمسية القادمة تكتسب أهمية كبيرة جداً، فهي تأتي في ظل تحديات عدة يمكن إبراز اثنين منهما أولهما انخفاض أسعار النفط الذي يعتبر المصدر الرئيسي للموازنة العامة للدولة، وبالتالي ربما استمرار انخفاض أسعار النفط قد يؤثر على المشاريع المتعددة التي تنفذها الدولة وفي مقدمتها مشروع التوظيف، ومشروع إصلاح التعليم الذي لا يزال حتى اليوم غامضاً لا أحد يعرف النفقات التي سوف يتطلبها، أما التحدي الثاني فيتمثل في النهوض بالموارد البشرية العمانية بالتعليم والتدريب وضمان جودة ذلك التأهيل وفتح فرص متعددة لهم للانخراط في سوق العمل الذي تشبع قطاعه العام بدرجة كبيرة، وتشبع قطاعه العسكري ولم يبق إلا القطاع الخاص الذي لا يزال ينظر إلى الأمر من منظور ضيق جداً، لا يؤمن من خلاله إلا بالربح المادي الذي يقول أن التعمين قد يهدده.
وأشار إلى أن الخطة الخمسية القادمة تمثل السلسلة الأخيرة في رؤية عمان 2020م، وبالتالي يفترض أن يعقبها دراسة تقيمية موضوعية لجوانب القوة والضعف في تنفيذ هذه الرؤية، من أجل استخلاص الدروس المفيدة التي يمكن أن يبنى عليها كأساس متين للرؤية الوطنية التالية عمان 2040م، ولكن هل بالفعل؟.
التحديات والنهوض بالقطاعات
وأضاف المعمري: التحدي الأكبر هو سياسي وليس اقتصادي وهو الاستمرار في بناء المواطنة المسؤولة، وإرساء دولة المؤسسات، فالمواطنة اليوم لا تعني توفير الحقوق للمواطنين فقط، إنما توفير هذه الحقوق من تعليم وصحة بجودة عالية يستفيد منها المواطنون، وإرساء القانون الذي يضبط إيقاع المؤسسات والمواطنون وفق محاسبة عادلة تحافظ على المال العام، وتحمي النسيج الاجتماعي من التفاوتات الناتجة عن عدم تكافأ الفرص، وبالتالي لابد من تدعيم الوعي الديمقراطي المتمثل في توظيف المؤسسات القائمة من الشورى والدولة وغيرها من الجمعيات المدنية والأندية والمدارس والجامعات من أجل المشاركة الفاعلة في بناء الوطن، وإنجاز المسؤوليات الملقاة على عاتقهم بإخلاص، ومن ثم تصبح المحاسبة ومراقبة أداء المؤسسات وحرية الصحافة والإعلام بشكل عام أساسا لتحقيق مزيد من التنمية وللتغلب على التحديات التي قد تواجه هذه الخطة، فالوطن ليس مجرد مؤسسات تجتهد وفق طاقاتها لتحقيق التنمية إنما هم مواطنون واعون يعملون على إعادة وضع هذه المؤسسات في المسار الصحيح عندما تحيد عنه.
تحقيق إصلاح حقيقي في ملف التعليم
وقال الدكتور سيف المعمري: إن النقطة الثانية بعد تعزيز المواطنة المسؤولة في البلد، هي تحقيق إصلاح حقيقي في ملف التعليم، لأن أي تقدم في العالم يمر من بوابة التعليم، وأي تراجع يدخل أيضا من هذه البوابة، والواقع أنه رغم التوجيهات السامية، ورغم الصرخات المتتالية لإصلاح التعليم لابد أن نعترف أننا فشلنا في تحقيق تقدم في إصلاح التعليم سواء على المستوى المدرسي أو على مستوى التعليم العالي، وبالتالي لابد من انطلاقة أخرى لهذا الملف في هذه الخطة، وإن لم نمتلك الجرأة الآن في اتخاذ قرارات جريئة وصريحة في ملف التعليم فأننا سوف ندفع الثمن باهظا في السنوات القريبة القادمة، وسنكون كمنا يرى البحر يقترب منه ويتوانى في بناء القارب القادر على حمله على تلك الأمواج، إن المهمة الحالية تصور وكأنها مستحيلة، ولكن في الواقع أنها ليست كذلك ولكننا نعاني من ضعف عاملين في ملف التعليم هما عنصر الإدارة، والعنصر الثاني هو ضعف الإرادة، ومتى ما تمكنا من معالجة هذين العنصرين سوف ننطلق لتحقيق الأهداف والتوقعات الكبيرة التي يضعها الجميع للتعليم.
أما النقطة الثالثة فإنها تتمحور في تحرير الاقتصاد من الاحتكار ومن ضيق الرؤى، ومن الفساد، هذه الثلاثة أساسية لتحقيق انطلاقة اقتصادية تحرر الاقتصاد الوطني من الاعتماد الرئيسي على النفط، وتساعدها على تحقيق تقدم ملموس في السياسة التي وضعتها منذ مطلع العقد الثاني من النهضة، فالاستثمار يحتاج إلى بيئة حاضنة هذه البيئة لها محفزات منها التخلص من العناصر الثلاث التي جعلت المستثمرين الأجانب يشعرون ببعض التردد من الاستثمار في البلد، علاوة على ذلك لابد من جدولة للمشاريع الكبيرة التي تنفذ حاليا منها مشاريع المطارات ومشاريع منطقة الدقم، لأنها ستعطي الاقتصاد العماني دفعة كبيرة جدا .. والنقطة الرابعة هي إعادة تقييم المؤسسات التي تشرف على تنفيذ خطط التنمية، أو تلك التي تقدم الخدمات للمواطنين، فهذه المؤسسات بحاجة إلى إصلاح حقيقي، يجعلها أكثر فاعلية مما هي عليه الآن، بحيث يكون لديها نظام لتحقيق الجودة في كل شيء، ويجعلها تتخلص من البيروقراطية التي تأخر من أدائها، كما أنها تحتاج إلى محاسبة حقيقية سنوية لأعمالها للتأكد من قيامها بالمهام المنوطة بها، ومن ثم تسهم في عدم إعاقة المشاريع المختلفة، ونقطة أخرى هي إيجاد نظام يحقق من خلاله تنسيق تمام بين هذه المؤسسات بدلا من العمل المنفرد بينها في كثير من الملفات المشتركة، هذا سيساعد على تدعيم دولة المؤسسات، وسوف يقلل من التحديات القائمة.
النهوض بالعنصر البشري
وأشار إلى أن العنصر البشري يعتبر الثروة الوحيدة الباقية في عمان والتي يمكن توظيفها كحل لمشكلات التنمية ومحرك لها، بدلا من أن نعتبرها المشكلة الرئيسية للتنمية، فنحن دولة شابة يمثل الشباب أكثر من نصف سكانها، ولكن هؤلاء الشباب يعانون اليوم من عدة تحديات، يمكن تلخيصها في النقاط الآتية، أولا ضعف برامج التعليم التي تقدمها المؤسسات التعليمية داخل البلد، وثانيا ضعف برامج التدريب وعدم تركيزها على المهارات الضرورية لسوق العمل أو للعمل الذاتي المستقل، وثالثاً ضعف إدماج الشباب في أماكن اتخاذ القرار الحكومية، ونتيجة لهذه التحديات التي تتزايد حدتها لا يزال التعمين الذي وضعته البلد غاية للتنمية؛ حيث يكون أبناء البلد هم المسؤولون عن تنميتها، وهم الأولى بفرص عملها لا يزال في حالة جزر يمر بتحديات كبيرة، متى سنبدأ التعمين من القمة وليس من القاع، متى سنزرع الكفاءات الوطنية في الوظائف العليا التي تزيد نسب أجورها؟ من الذي يُمكن أن يساعد على ذلك؟ إنهم كثيرون إنْ لم يُصرُّوا على إدارة ظهورهم للوطن، هذه بعض الأسئلة التي لابد أن تستجيب لها الخطة الخمسية القادمة، وعدم الاستجابة لها يعني أننا نفاقم من وضع تأهيل العنصر البشري في وقت حرج جدا حيث تشير الإحصاءات السكانية أن عدد الأيدي العاملة الوافدة يقترب ليكون نصف عدد السكان حيث أصبحوا يمثلون 44% مقابل 56% للعمانيين، أذن لابد أن ندق نواقيس الخطر، ونعمل بجد من أجل إيجاد توازن وإن لم ننجح في تحقيق ذلك فمعنى ذلك إشكالية تؤثر سياسيا قبل أن توثر اقتصاديا واجتماعيا.
قدرة الحكومة في استثمار المقومات
وأضاف: يجب ألا نقصر مفهوم التنمية على تنمية القطاعات التي تمس حياة المواطنين فقط، ولكن لابد أن نجعله في الخطة الخمسية يشمل تنمية الحكومة، بحيث تكون أكثر حيوية من خلال وضع رؤية واضحة لها، وبرنامج خمسي يوزع إلى سنوات يقيم أداء الحكومة في ضوئه، وأيضا من خلال تدعيمها بوزراء شباب لديهم حيوية على العمل الميداني، وانفتاح على الأدوات المتطورة التي تسهل من العمل، وبالتالي فإن تشكيل حكومة كفاءات سوف يزيد من قدرة الحكومة على استثمار المقومات والفرص التي تزخر بها السلطنة، وبالتالي فإن عامل كبير من نجاح الخطة الخمسية القادمة يتوقف بدرجة كبيرة على تغذية الحكومة بدماء جديد تجدد الحيوية في كل الوزارات والقطاعات .. مشيراً إلى إن أحد أبرز القطاعات التي يمكن أن يساهم في تحقيق التنمية على المدى الطويل هو المجتمع المدني الذي ينظر إليه كقطاع يعمل على المشاركة مع الحكومة على بناء المجتمع من أسفل في مختلف المجالات، وبالتالي لابد من إعادة تقييم واقع هذا المجتمع، والعمل على إعادة تنظيمه من أجل زيادة قدرته على المشاركة الفاعلة.
الإسهامات التي حققتها الخطط الخمسية
وقال: لاشك أن منهجية الخطط الخمسية كان لها دور كبير في تحقيق النهضة العمانية، حيث تكون الأهداف مرحلية تراعي النمو في مختلف القطاعات، وتراعي أيضا التقلبات في الأوضاع الاقتصادية، ولولا الخطط الخمسية لم يكن بالإمكان تحقيق التوازن الأفقي والرأسي للتنمية، حيث كانت ثمار التنمية تتوزع على مختلف المحافظات العمانية، أما من الناحية الرأسية فكانت تعبر عن تطور ونمو عبر الزمن حتى وصلت البلد رغم التقلبات إلى هذه المرحلة، وفي الواقع أننا بحاجة إلى توعية الناس بالخطة القادمة وعناصر ومتطلباتها ولابد أن يقوموا بأدوارهم لتحقيق هذه الخطة، فلا ينجح أي مشروع نهضوي بدون وعي المواطنين.
التخطيط التنموي
وقال الدكتور المختار بن سيف العبري استاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس: على مستوى التخطيط التنموي تشكل أهمية وطنية خاصة كون الخطة الخمسية التاسعة "2016-2020" خاتمة للخطط والأهداف قصيرة المدى في منظومة تنفيذ الخطة الوطنية الاستراتيجية بعيدة المدى "عمان 2020"، وتأتي أيضا في ظروف اقتصادية ملحة في ظل تراجع اسعار النفط وانكماش الايرادات الحكومية والحاجة إلى تحقيق نمو اقتصادي في مختلف القطاعات يكفل توفير فرص عمل لتتماشى مع الأعداد المرتفعة للملتحقين بسوق العمل.
وقال العبري: الخطة الخمسية التاسعة تشكل بوابة الدخول للرؤية المستقبلية لعمان 2040، ولعل أبرز ركائز الخطة الاستراتيجية القادمة سيبقى في تحقيق وتحسين التنويع الاقتصادي، وفي سبيل ذلك ينبغي الدفع بآليات جديدة وأنظمة عمل مبتكرة للتغلب على العوائق التي واجهتها الخطط السابقة، ومن أبرز التحديات التي يجب على الخطة التاسعة مواجهتها: فصل الانفاق الحكومي عن الايرادات النفطية، تحرير القطاع العام من البيروقراطية المتراكمة، رفع كفاءة الجهاز الاداري للدولة، تطوير قطاعات تعتمد على التكنولوجيا في القطاع الخاص، تقليص حجم التجارة المستترة، تحسين وتوسيع قدرات الشباب العماني على ريادة الأعمال، تحسين قدرة الشركات العمانية على المنافسة دوليا ومحليا مع الشركات الأجنبية، وفي سبيل مواجهة هذه التحديات يجب أن تضاف للخطة القادمة برامج عمل واضحة مع أطر زمنية قابلة للتحقيق وقابلة للقياس.
وأشار إلى أن الحكومة أطلقت في الآونة الأخيرة برامج مختلفة لتنمية وتطوير رأس المال البشري متمثلة في البعثات التي تقدمها مؤسسات التعليم العالي وكذلك المؤسسات التعليمية التابعة لوزارة القوى العاملة .. ولكن التحدي الأبرز للخطة الخمسية القادمة هو مواءمة مخرجات وتخصصات الخريجين مع احتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية، وكما هو معلوم فإن أبرز التحديات التي يواجهها سوق العمل في السلطنة هي التغلب على الفجوة المزمنة بين مهارات واستعداد الخريجين للعمل في الوظائف المتوفرة (وبالأخص في القطاع الخاص) وبين متطلبات الصناعات وبيئات الأعمال، وفي هذا الجانب أرى أن التركيز على الخبرات المهنية والحرفية والتي تأتي من المعاهد الفنية والكليات التقنية وكذلك تعديل قوانين وانظمة العمل كفيلة بمعالجة تلك الفجوة المزمنة.
وقال : إن الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل التخزين والنقل والموانئ والخدمات اللوجستية ستحقق نمواً في قطاعات أخرى مثل الصناعة والسياحة بأنواعها المختلفة والصحة والتعليم، حيث يمكن أن يؤدي الاستغلال الأمثل لهذه القطاعات إلى تحقيق أفضلية السلطنة في هذا الجانب اعتمادا على موقعها الجغرافي وتوسطها لخطوط النقل البحري والملاحة الجوية.
وأشار إلى أن الخطط الخمسية حققت انجازات عديدة في شتى المجالات تمثلت على سبيل المثال في تحقيق مستوى مرتفع من النمو الاقتصادي مصحوبا برفع مستوى وجودة المعيشة للمواطن، وزيادة مشاركة المرأة في قوة العمل، والحفاظ على مستوى منخفض للدين الحكومي، وزيادة نسب المشاركة في التعليم العالي، ونمو القطاع غير النفطي. ولعل أهم التحديات المستقبلية تتمثل في مواءمة هذه الانجازات مع الأهداف بعيدة المدى في سبيل تحقيق التنمية المستدامة.
وقال محمد بن سعيد الحجري مدير دائرة التخطيط الثقافي بمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم: إن منهج الخطط الخمسية الذي مضت عليه السلطنة مكن من تتبع تطور الخدمات التنموية ومن ملاحظة اكتمالها من عدمه، أعني أنه صنع منهجاً من الاستمرارية الذي يلح على مبدأ تحرك المجتمع للأمام وتعزيز المكاسب التنموية، والخطة الخمسية القادمة لها أهمية قصوى بسبب التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها المرحلة، وبسبب اقتراب السلطنة من الدخول في الرؤية 2040 بعد أن رأت كيف سارت الأمور في 2020.. واضاف الحجري: جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ نبه في خطابه في مجلس عمان إلى أن الخطط الخمسية القادمة ستركز على الإنسان بعد أن ركزت الخطط الماضية على البنية الأساسية، التركيز على الإنسان يجب أن يكون وفق توجيهات جلالته ـ أبقاه الله ـ لكونه محور الارتكاز في الخطة القادمة، بعد أن أثبتت التجارب الاقتصادية كلها أن النجاح أو الإخفاق في ذلك هو الفيصل في نجاح دولة أو فشلها، النجاح في تنمية الإنسان يمكن أن يعوض أي نقص في الموارد والإمكانات، والفشل في تنمية الإنسان يمكن أن يحطم كل الإمكانات ويهدر الموارد ويحيل النجاح إلى فشل ذريع، وتجارب الشعوب واضحة أمامنا، تنمية الإنسان وصناعة الإنسان المنتج الفاعل عنوان واسع جداً تقع تحته عناوين فرعية كثيرة.
تنمية الإنسان
وأشار إلى أن التحديات الذي ذكرتها كلها موجودة وماثلة وكلها أو أغلبها يتصل بتنمية الإنسان بدرجة أو بأخرى، وكلها تحديات تفرض نفسها بقوة في ظل حقيقتين مهمتين وضاغطتين أولاهما انخفاض المداخيل القادمة من النفط، وثانيهما ازدياد عدد الباحثين عن العمل الذين تتحدث توقعات خبراء الاقتصاد العماني عن مئات الآلاف منهم خلال الخمس سنوات القادمة، وهذه التحديات التي ذكرتها في ضوء هاتين الحقيقتين الضاغطتين تحتاج لجهد هائل لتجاوزها دون أضرار اجتماعية أو اقتصادية خاصة في ظل استمرار حالات التوتر السياسي في المنطقة والتي تؤثر على مناخات الاستثمار الاقتصادي، هذه التحديات تحتاج لحكمة ودقة ورشد في استخدام الموارد المتاحة وتوظيفها في تعظيم العوائد، تحتاج لقيادات مؤسسية شابة ومؤهلة وممكنة وذات حس عال بالمسؤولية، مدركة للتحديات وتواجهها ولا تتجاهلها، دعونا نتذكر مسألة مهمة جداً هنا وهي أن جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في أوامره بتشكيل اللجنة الرئيسية لإعداد الرؤية الاقتصادية 2040 جعل من بناء الرؤية على التوافق المجتمعي والمشاركة المجتمعية الواسعة جزءاً من مهمة تلك اللجنة، وهذه الشراكة مع المجتمع لها آلياتها وأبرزها إشراك ممثلي المجتمع من أعضاء مجلس الشورى في التفكير لهذه الرؤية.
وأكد أن تنويع مصادر الدخل ظل هدفاً لم يتحقق والمحللون الاقتصاديون لهم في ذلك نظرات معمقة هم أدرى بها، لكن الذي لا شك فيه أن التأخر في التنويع هو الذي كان سيقينا هذه الحالة من تقلبات الاسواق النفطية، والذي يمثل تحدياً هائلاً اليوم، وهذا التنويع والمضي سريعاً إليه ينبغي أن يتحول فوراً إلى حالة إنجاز مخططة ومراقبة ومتابعة، وهي حتماً لا تنتظر اعتماد الرؤية 2040 لأنها من الأهداف الرئيسية للرؤية 2020 المنفذة الآن.
تطوير التعليم
وقال الدكتور محمد الحجري: إن تطوير التعليم هو تحد أساسي يفرض نفسه منذ زمن طويل، منذ أن أنجزت الأهداف الأولى للتعليم المتمثلة في مكافحة الأمية وتوسيع قاعدة التعليم وإنشاء الجامعة وغيرها، منذ أن تم ذلك وتطوير التعلم ارتكز على تطوير البنى والمرافق والمباني وهذا مع ضرورته ليس كافياً ما لم تتطور المنظومة نفسها، تطوير التعليم قضية كل طرف يقذف فيها بالمسؤولية على الطرف الآخر، ودعونا نذكر أنفسنا بأن جلالة السلطان في خطابي مجلس عمان 2011 و2012 تحدث عن التعليم وضرورة مراجعته وتقييمه، والمطلوب أن نحقق هذه المراجعة والتقييم كما أمر جلالته، بحيث تؤدي إلى نقلة نوعية حقيقية، ووجود مجلس التعليم يضع ترساً أساسياً للتطوير والتحول، والمراجعة والتقييم أولاً ثم المضي نحو التطوير بناء على خلاصات المراجعة .. مشيراً إلى أن العنصر البشري والعناية به تحدثت عنها في إجابات الأسئلة الماضية ويمكن أن نجمل الحديث هنا بوصفي متابعاً ومهتماً لا بوصفي خبيراً، وهناك عناوين كبيرة في ذلك الجميع يتحدث عنها منها، تطوير منظومة التعليم الأساسي والعالي فلا يمكن بناء المكون البشري بمعزل عن نظام تعليم جيد على الأقل، كما أن الاستثمار في البعثات الدخلية والخارجية على أهميته لن يؤدي للنتيجة المرجوة ما لم تكن مخرجات التعليم الأساسي جيدة ومستعدة، وهناك تطوير قطاع ومؤسسات التأهيل والتدريب، وأتصور أن هناك مبدأ ثقافيا ينقصنا ضمن منظومة التأهيل والتدريب وإذا نجحنا في إيجاده فستسد ثغرات كثيرة، وهو الاعتناء بثقافة الاتقان والأمانة والجودة والمسؤولية في العمل وأخلاق العمل والإدارة وجعلها جزءاً من فلسفة الإدارة المؤسسية ومن منظمة التدريب، فهذه النقطة فارقة ولدينا انخفاض واضح في حس المسؤولية وهناك موظفون لا ينتجون، وهناك بعض رؤساء وحدات ومؤسسات لا يتحلون بروح المبادرة المطلوبة في هذه المرحلة ويشيعون جواً سلبياً متذمراً وطارداً للكفاءات، وهو ما يضعف من إنتاجية بعض القطاعات والوحدات، نقول هذا بصدق وشفافية مطلوبة في هذه المرحلة أكثر من أي وقت ماض.
القطاعات الاقتصادية
وأشار إلى أن أداء القطاعات الاقتصادية ومؤشراته له خبراؤه وهم أولى بالحديث وعلينا أن ننصت لهم بحرص واهتمام بالغ، خاصة خبراء الاقتصاد العماني فهم يتحلون بروح مسؤولية عال ويتحدثون بمهنية وموضوعية عالية، وأعني هنا خبراء الجمعية الاقتصادية العمانية، والذين نحرص على حضور مؤتمراتهم ومحاضراتهم، وهم يضعوننا أمان تحديين رئيسيين هما: انخفاض عوائد النفط، وتعاظم أعداد الباحثين عن العمل، وأمام فرصتين كبيرتين هما: الموقع الجغرافي الاستراتيجي المهم والوسيط، والطاقة البشرية الشابة والقادرة على الإنتاج لو أحسن تدريبها وتأهيلها، والأهم من ذلك كله القيادة الحكيمة التي جعلت من السلطنة واحة للاستقرار والتعايش ونأت بوطنها عن استنزافات الخصومات والتطاحن في المنطقة، وهذا كله يجعل السلطنة محجاً لكل الراغبين في السلام وفي التنمية وفي التعاون وتبادل المصالح وبناء الشراكات، أمام التحديات هناك فرص توفرها الجغرافيا ويوفرها الاستقرار وهذا كله لابد من استغلاله والبناء عليه وفتح الآفاق عبره، أقول هنا بأن القوة الناعمة للسلطنة تزداد وتتعاظم وحالة الثقة بمواقفها تبني ذلك، وبعض عناصر القوة الناعمة للسلطنة يأتي من مصداقيتها الأخلاقية ومن موثوقية سياساتها الخارجية ومن الاحترام الدولي العالي لها، وهذا يعطي فرصاً للاقتصاد ويوفر بديلاً آمناً وحصيناً لتبادل المصالح وللاستثمار وبناء الشراكات للمشاريع الكبرى، ولكن هذا يحتاج أيضاً للامساك بالفرصة والتحرك إليها واستثمار آثار السياسات والمواقف التي برهنت دائماً على ثباتها.