تأكيدا على رعاية التاريخ العماني في شقيه المادي وغير المادي

مسقط ـ "الوطن" :
احتفلت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية صباح أمس بقاعة السندباد بفندق كراون بلازا بالقرم بتكريم الدفعة الأولى من رواة التاريخ الشفوي الذين بادروا بتسجيل رواياتهم الشفوية عبر المقابلات الشخصية التي أجراها فريق عمل المشروع بالهيئة لعدد من أصحاب الفكر والتجربة، حيث اقيم الاحتفال تحت رعاية معالي الدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الذي أشاد بالدور الذي قامت به هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، في توثيق التاريخ الشفوي، وقال في تصريح له عقب رعاية حفل: يسعدني أن أقدم شكري وتقديري إلى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية وإلى فريق التاريخ الشفوي، لإسهامهم في حفظ تاريخ عمان والهوية العمانية بطرق مختلفة، وإحدى هذه الطرق الرواية الشفوية التي رأيناها خلال هذا الحفل، عبر الرواة الذين تم الالتقاء بهم، معتبرا أن ثمة جهودا كبيرة بذلت في هذا البرنامج. وأشار معالي الدكتور رئيس الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون إلى إمكانية التعاون بين الهيئتين في عرض هذه المقابلات، عبر شاشة تلفزيون وإذاعة سلطنة عمان.

أستهل حفل التكريم بدعاء ابتهل به الشيخ مهنا بن خلفان الخروصي، ثم عرضت قصيدة شعرية تم تسجيلها في البرنامج مع أحد أكبر الرواة عمرا وهو الرواي المغفور له خلفان بن محمد الدغاري الذي سجل قصيدة تحكي رحلته من عمان إلى زنجبار، وقد توفي الراوي خلفان الدغاري بعد تسجيل شهادته بثمانية أشهر.

كلمة الهيئة

وألقى سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية كلمة عبر فيها عن سعادته بلقاء الذين تجاوبوا مع مبادرة الهيئة في مشروعها الذي يسجل ويدون جانبا مهما من تاريخ عمان السياسي والاجتماعي والثقافي ويرصد أحداثا ووقائعا عاصرها الرواة فكانت حاضرة في نفوسهم .
وقال الضوياني: إن بعض تفاصيل التاريخ العماني كانت غائبة وغير موثقة ولم تحظ بعناية المؤرخين والباحثين بالدقة التي يعرضها الراوي المعايش لتلك القضايا والاحداث وانطلاقا من الاهتمام الذي توليه الهيئة في توثيق الذاكرة الشفوية العمانية والوقوف على واقع الوثيقة الشفوية والمخاطر التي تتعرض لها والعوامل التي تؤثر فيها والأسباب التي أدت الى عدم الاستفادة منها وخلصت الى الظروف الصحية، والنفسية ومنها بلوغ الرواة وممن يمتلكون المعلومة من العمر ما يجعلهم غير قادرين على التذكر والسرد وتناول الحديث بشكل دقيق عن مشاهداتهم وذكرياتهم وتجاربهم كما ان حالات الوفاة هي ما يتهدد الوثائق الشفوية والتي في حال رحيل أصحاب التجارب والفكر والعلم وممن لديهم الخبرات وممن يمتهنون مختلف المهن ويمارسون شتى الفنون، فإن جزءا كبيرا ستفقده الذاكرة الوطنية وبلا ريب فقدنا الكثير مما يتوجب حفظه وتدوينه وتسجيله ومن هنا فإن الوثيقة الشفوية تشكل جزءا لا يتجزأ من التاريخ العماني مكملا للمصادر والمراجع المكتوبة وتسجل الحضور العماني الذي يتجلى فيما خلفه من مآثر ومعارف في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والإدارية وغيرها من مجالات الحياة المختلفة وهؤلاء الكرام الذين نعتز بحضورهم اليوم كل منهم كان له دور مشرف خلال مسيرة حياته وما أدلى به في الحوارات والمقابلات التي امتدت بعضها لساعات وأيام كشفت لنا عن وقائع واحداث بل أكدت لنا ما دونته الاحداث والتي ينبغي علينا النظر إليها كونها جزءا من نسيج تاريخنا العماني المجيد والذي يجسد الأشخاص احداثه ووقائعه والتي يتوجب عند دراستنا لكل حقبة من الحقب الزمنية الامعان لما يحيط بها من الظروف والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحلية والدولية وعلاقتها بواقع مجتمعنا العماني فهذه الوثائق التي رصدتها الهيئة وامتلكتها تعرض كجانب من تاريخ عمان في المحافل المحلية والدولية توليها الهيئة العناية والاهتمام ونؤكد من خلالها للعالم اجمع بأن تاريخ المجتمع العماني يحظى بالرعاية والاهتمام في شقيه المادي المكتوب وغير المادي ويسهم في إعانة الباحثين والدارسين في دراساتهم وبحوثهم.

فعاليات الحفل
بعد ذلك تابع الحضور فيلما قصيرا دار حول هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية والجهود التي تبذلها في سبيل حفظ التاريخ وتوعية المواطنين بدورها وحثهم على المبادرة بتسجيل وثائقهم الى جانب تطرقه إلى أهم إنجازات الهيئة في الفترة الماضية من المؤتمرات والندوات والمعارض المنعقدة سابقا والاتفاقيات المبرمة بين الهيئة ومختلف الجهات الى جانب أهم الإصدارات.

كلمة الرواة
ثم قدم زهران بن زاهر الصارمي كلمة الرواة، قال فيها: لعمري انها أمانة ومسؤولية كبرى حمَّلنا إياها العاملون المخلصون بهيئة الوثائق، أن نقول " الكلمة "... أن نروي " الحكاية " التي نتوخى فيها الفائدة والعبرة لأجيالنا الحاضرة والتالية. إنها ذاكرة وطن، وذاكرة الأوطان لا تقتصر صياغتها وتكوينها على النخبة أو الصفوة من القادة أو الساسة أو أصحاب الجاه والمال أو العلم والسلطان، وإنما المعني بها أيضاً كلُّ من عاش على أديمها وتنسم هواءها وكانت له فيها حياة ومشاركاتٌ، حق له بموجبها، أن ينعم بحقوق المواطنة الكريمة التي تكفلها المواثيق والأعراف للإنسان، بكل وطن من الأوطان. وللحياة صور ومظاهر لا تعد ولا تحصى، في الأفراح والأتراح، وفي زمن السلم والحرب، وفي ابتكار أساليب العيش وصناعة الأمجاد، التي يعرفها العائشون في قاع المجتمعات، من يدُهم في النار، أكثر مما يعرفها القابعون في أعلى الهرم أو في أبراجهم العاجية؛ لذا قالوا: " التاريخ يُصنع في القاع " ولما سئل نابليون بونابرت عمن يصنع النصر في المعارك، قال: " الطباخون" بنظرته الثاقبة.
وأضاف "الصارمي" : قبِلْنا بالوقوف لرفد هذا المشروع الوطني الحيوي الكبير بخبراتنا في الحياة، على أمل أن تطلع عليها أجيالنا الحاضرة واللاحقة، بلا تغيير يُذكر، وتكون هي صاحبة الحق المشروع في أن تحكم على ما تسمع او تقرأ عن سيرنا وآرائنا في شتى ما تعرضنا إليه في أحاديثنا من أمور. وإننا لنتطلع إلى اليوم الذي يتاح لنا فيه الاطلاع على الصيغة المكتوبة عن لقاءاتنا الشفوية التي أجريتموها معنا، لنقول فيها رأينا، ونوقع عليها، كما وعدتمونا بذلك، ونأذن من ثم بالنشر والإعلان.

عرض فيلمين
وتم خلال الحفل عرض فيلمين الأول تحدث عن التاريخ الشفوي والكادر الفني الذي تزخر به الهيئة في هذا المجال حيث تحدث عن العمل الدؤوب الذي يقوم به الفريق وطريقة العمل في هذا الجانب والإنجازات التي حققها إضافة الى بعض المقابلات التي اجراها لبعض المسؤولين في الهيئة ودور الهيئة في اقتناء وتوفير أفضل الأجهزة المختصة في سبيل إنجاح العمل واخراجه بالطريقة المثالية، وعرض الفيلم الآخر مجموعة من المقاطع للمكرمين اثناء تسجيلهم لبعض الحلقات في الفترة الماضية في لحظة زمنية تعود بالرواة الى الماضي الجميل.

حديث وتكريم
وحول الحدث قال الدكتور جمعة بن خليفة بن منصور البوسعيدي مدير عام المديرية العامة للبحث وتداول الوثائق: يعد تكريم الرواة ومعه ذكريات جميلة وذكريات حزينة، الذكريات الجميلة هي ذكريات الوفاء والتواصل والمودة، التي تربطنا بالرواة الأكارم، اما الذكريات الحزينة والمؤلمة هي ذكريات فقدان الأحبة من الآباء والأجداد من الرواة. لكن هذا العمل الكبير الذي تقوم به هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية من جهود مخلصة، لا تحدها حدود، ولا يثنيها مزاج او رغبات شخصية.
فقيل ان فقدان راو هو فقدان لمكتبة ثرية، حيث يتم القياس والمفاضلة بين هؤلاء النخبة من الرجال والنساء، بكم المعلومات ومقدار العطاء الإنساني الراقي الذي يحظى به الجامع الميداني او الباحث او خبير التراث الثقافي. هذا اليوم تحتفل الهيئة بتكريم الرواة وذلك تزامناً مع احتفال السلطنة بنزوى باعتبارها عاصمة للثقافة الإسلامية لتجمع الفرحة في قلوب الرواة.
من جهته قال الدكتور عبد العزيز بن هلال الخروصي مدير دائرة البحوث والدراسات بالهيئة بأن من الأشياء التي قد يتم الخلط بينها، هي التفريق بين التراث الشفوي والوثائق الشفوية، من وجهة نظرنا بأن التراث الشفوي هو الذي يتحدث عنه الراوي عما سمعه أو قرأ عنه، أما الوثيقة الشفوية فهي تتطلب أن يكون الراوي يتحدث عن مشاهداته والأعمال التي شارك فيها أو كان قريباً منها ويأتي تكريم الرواة من قبل الهيئة، تقديراً لتعاونهم وتسهيل مهمة فريق العمل من خلال المقابلات التي أجريت معهم. وأضاف بأن بعد حفل التكريم، نتطلع إلى انطلاقة جديدة في مجال توثيق وحفظ التاريخ الشفوي، من خلال نوعية المقابلات التي ستجرى، والشخصيات التي سيتم الالتقاء بها. سواء داخل السلطنة أو خارجها. وكل ذلك من أجل تعزيز الرصيد التاريخي العماني وحفظ الذاكرة العمانية.
ويقول العميد المتقاعد حمد بن مانع بن حمد المعمري وهوه احد المكرمين في الحفل بأن للوثائق والتاريخ الشفوي بشكل خاص أهمية كبيرة كون هذا النوع ينتهي بانتهاء أجل الشخص عند وفاته، لذلك على القائمين في هذا الجانب الإسراع في وتيرة العمل لحفظ هذه الثروة الوطنية من المعرفة ونقلها للأجيال القادمة، واختتم حديثه بالشكر الجزيل لهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية على العمل الجبار الذي تقوم في سبيل حفظ الذاكرة الوطنية والإرث التليد من الزوال والذي سيكون رافداً للباحثين والمستفيدين، كما اقدم شكري للقائمين على هذا الحفل البهيج والذي من خلالها يظهر اهتمام الهيئة بالرواة.
من جهتها قالت شمسة بنت ابراهيم بن سعيد العبرية احدى الراويات بأن توثيق التاريخ القديم له أهمية كبيرة في المجال الثقافي والحضاري، حيث تم عمل لقاء شفهي حول علم تاريخ الحمراء وعن التعليم سابقا في البلد وعن مدارس تحفيظ القرآن وكذلك عن المناسبات المختلفة واختلافها عن الوقت الحاضر. فمن وجهة نظري أرى أن التوثيق الشفهي يحفظ التاريخ القديم الذي يجهله الأبناء حاليا، فمن المؤكد أنه ستتم الاستفادة منه في المستقبل من خلال كتابة التقارير والبحوث، ويعتبر مرجعا ثقافيا للتاريخ العماني، ونثمن الدور الكبير الذي تقوم به هيئة الوثائق في سبيل الحفظ على هذا الإرث الكبير.
وقال سالم بن محمد بن سعيد السعيدي الذي بادر بتسجيل ما يملك من وثائق ومحفوظات وطنية لصالح الهيئة واحد الرواة الذي قام بالتسجيل في التاريخ الشفوي بأن مشروع التاريخ الشفوي الذي تتبناه الهيئة لهو جدير بأن يحفظ تاريخ السلطنة في مختلف المجالات باعتبارها الجهة التي المخولة لهذا الموضوع، كما ناشد السعيدي مختلف الرواة الذين عاصروا حقبا زمنية مختلفة الإسراع والمبادرة في تسجيل هذا الإرث الكبير ليمثل الأجيال المختلفة في قادم السنوات ويحكى الدور العماني في مختلف الجوانب، الى جانب دورهم في نشر المعرفة في مختلف الدول الذي وصلوا اليها، وكما قدم جزيل شكره وامتنانه لهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بتكريم الرواة فإن دل هذا فإنما يدل على الاهتمام الكبير بالراوي والرواية.