[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
عاش العراقيون لفترة طويلة تحت تأثير "الصدمة والترويع" التي لم يكن مداها في حدود الحرب والسلاح، بل تجاوزت ذلك لفترة أطول، ووقع الكثيرون تحت وطأتها لأشهر وسنوات، وفي حال تم اجراء دراسات سايكولوجية وسيسيولوجية فإن النتائج ستظهر أن آثارها ما زالت سارية المفعول وبقوة على الكثير من العراقيين، لذا فإن اسئلة عديدة ما زال يطرحها الجيل الذي عاش ايام الحرب وقبلها الحصار، ولكن قد يكون جيل ما بعد الحرب أقل تأثرا بتلك الآثار الكبيرة للصدمة والترويع، بسبب ما شاهده جيل ما بعد الصدمة من صعقات كثيرة قد تفوق بتأثيراتها ووقعها تلك الصدمة بمئات المرات، وأصبح هذا الجيل اقرب إلى الواقع المعاش من الرومانسية السياسية التي عاشتها الأجيال السابقة.
اقصد بـ"جيل ما بعد الحرب " الذين كانت اعمارهم بين ست إلى تسع سنوات، والذين بلغوا الآن سنوات سن الرشد، أما اجيال الحرب فتشمل الذين شاهدوا القصف الأميركي وسمعوا ازيز الصواريخ ودوي الانفجارات، وأدركوا حينها أن هدف كل ذلك ليس بلعب نارية كما تخيلها الجيل اللاحق، وإنما هي "الحرب" بكل ما تحمله من معاني ودلالات كبيرة وخطيرة.
الفرق بين عراقيي الجيل السابق الذي عاش الحرب بكل تفاصيلها وجزئياتها والجيل اللاحق، أن جيل الحرب من العراقيين كانوا اكثر استغراقا بالرومانسية السياسية رغم كل ماسي الحرب، ورغم أنهم عاشوا حرب عام 1991 بكل دمارها وخرابها وما تركته من قتل للنساء والاطفال والرجال وما نتج عنها من خسارة عسكرية مدوية بل هزيمة اصابت مقتلا في مرتكز الجيش العراقي، إلا أن الكثير من العراقيين استقبل حرب عام 2003 ، وهو واثق من تحقيق النصر وهزيمة الولايات المتحدة في تلك الحرب، دون أن يراجعوا العديد من الحقائق على الأرض وفي مقدمتها الخلل الهائل في ميزان القوى العسكرية بين العراق الذي يرزح تحت حصار خطير، افضى إلى ضعف وتهتك في منظومة الجيش وبنيته وتسليحه ، وهو اداة المواجهة الرئيسية في الحرب، فهي لم تكن حربا "باردة" تطغى عليها الشعارات والهتافات والاناشيد الثورية والتعبوية، ونسي الكثيرون حمم الجحيم التي تواصلت لأربعين يوما عام 1991 حينها كان الجيش العراقي أكثر قوة ويمتلك اسلحة اكبر وبنوعيات متميزة قبل أن تفتك بها لجان التفتيش وتدمرها عن بكرة أبيها خلال التسعينات وحتى قبل ساعات من نشوب حرب عام 2003.
لكن تلك الحقائق اختفت من ذاكرة جيل الحرب والحصار وتمسك العراقيون بقرب تحقيق "النصر" دون أن يمحصوا الواقع بدقة ويتأملوا المشهد بعقولهم لا بالرومانسية السياسية والشعارية التي غمرتهم، فكان تأثير "الصدمة والترويع" اقوى بكثير من توقعات العراقيين الذي أصيبوا بالصدمة وما زال الكثيرون تحت تأثير تلك الصدمة الكبيرة والخطيرة.