تتمة لموضوع الأسبوع الفارط المعني بالقطاع الزراعي وما آلت إليه حرفة الزراعة من تغييب وتهميش وإدبار دبّ في نفوس الشباب ونفور جسيم من العمل الزراعي، حتى بات النفور هجرانا وقطيعة فبتنا نولّي زمام الأمور ونعتمد على اليد العاملة الوافدة في قطاعنا الزراعي إلا من رحم الله بقي محافظا ومتوازنا مكتفيا بزراعته ومطورا لها وبعضهم من كبار السن مجبر للعمل في الزراعة التي هي مصدر وسعادته خصوصا بعد إغلاق وزارة الزراعة لمنافذ البيع والشراء التابع للهيئة العامة للزراعة والتي كانت عاملا مؤثرا فعليا في التخلي تدريجيا عن العمل الزراعي وما آل إليه من تراكمات ظهرت مؤخرا في هذا القطاع الاقتصادي.
نستكمل طرح النص بهدف تقديم حلول وعلاجات تتناسب والمشكل الراهن الذي ينبئ بخطورة تعمل على استهلاك التربة واستنزاف مواردنا المائية بعد أن أصبح الوسيط الوافد يتحكم في سعر السوق فعليا، واليوم بات يستغل الظروف لصالحه حين يستأجر أراضي مساحاتها عشرات الفدادين متربصا للمواسم الزراعية فيدفع لملاك الأراضي مبالغ مالية زهيدة هي فيض من غيض مما يكسب فيزرع ما تجود به الاراضي من خيرات سمان يحتاج إليها المستهلك فلا يبيعها لوسيط لأنه هو الوسيط. من هنا تمكن من التحكم والسيطرة في الأسعار فيبيعها للمحلات التجارية الكبيرة في المدينة، أما الفتات يبيعه للسوق المركزي ونحن نتفرج على فعلته ونشتكي من غلاء الاسعار فنغضب ونشجب حين ترتفع أسعار الطماطم ضعف أضعاف أسعارها الحقيقية وتتضاعف في المواسم عندما يكثر الطلب عليها فيضطر المستهلك لشرائها مجبر لا بطل خصوصا مع فقدان بعضهم لثقافة الشراء..! فمن يتحمل خسائر المستهلك ؟ وهل ستبقى تربة الاراضي الخصبة صالحة للزراعة في ظل الاستغلال الخارجي؟ وكيف سنوقف هدر مياهنا وتدفقها دون تخطيط ولا رحمه ؟ هذا هو الواقع المؤسف الذي سيتحول إلى نقمة إن لم ننهض بأنفسنا ونتخلص من تثاقلنا ونشرف على أراضينا وتربتنا ومياهنا ونعيد أمجاد أجدادنا الذين يعتمدون على أنفسهم في الزراعة والصيد والتجارة عندئذ سنضمن اكتفاءنا من المنتوج الزراعي ونفتح أفاقا أرحب لأبنائنا في الاستثمار الزراعي وفرصة سانحة لتوليهم القطاع الزراعي الذي أخذه الوافد على حين غرة فأصبح مزارعا ومستثمرا ووسيطا وبائعا وطباخا.
لا زلنا نبحث عن حلول تعمل على تقليص الفجوة الربحية فيما بين الفلاح والوسيط الذي يعتبر الفلاح كادحا لأجله ومغيرا لحاله، وكيف نعمل حتى يجد المزارع جزاءه ووفاءه؟ وكيف نهيئ له أن يجتهد ويتحفز للعمل الزراعي ؟ وهل نكمم أفواهنا ونرضى استغلال الوسيط لهذا الفلاح الذي تنقصه الخبرة والثقافة الزراعية؟ من هنا نتساءل لماذا لا نكيّف القوانين لصالح المواطن في مثل هذه الحالات الخاصة ؟ فالمزارع أصبح الحلقة الاضعف لأنه ليس بمقدوره استرداد جهوده بما يتناسب وحجم العمل الذي يقدمه للمجتمع..! وهل توجد جهة نعول عليها في متابعة التجار الوسطاء تعمل على ضبط أسعار بيعهم التي تجاوزت الارباح الفاحشة؟.
إذا يكمن الحلّ في تقديم جرعات من الوعيّ والتثقيف لصالح المزارع وتخصيص فرق عمل تهتم بتقديم المعرفة وتكثيف المعرفة الزراعية وأسعار البيع والشراء، فالمعرفة باتت اليوم عنصر رئيسي من عناصر الانتاج لذا إرسال المعلومة للمزارع عن أسعار الفواكه والخضار بشكل يومي تقيه نوعا ما من استغلال وجشع الوسطاء. ولماذا لا ندعم المزارعين ونساعدهم في تنظيم كيان موحد يحمي حقوقهم ويدير شؤونهم؟ بإشهار جمعيات زراعية تعاونيّة تعدّ اليوم من الضروريات في الدول لتنظيم عمل المزارع والأخذ بيده لما فيه مصلحته وأسباب بقاءه.!!. فما أسباب إرجاء إشهار الجمعيات الزراعية التي تصبّ في تنمية مهارات المزارعين وحثهم على رفع كفاءة الانتاج؟ كما تعمل على مد جسور التعاون وتوثيق الصلات بالمزارعين فتحفظ حقوقهم وتحفز معنوياتهم وترسخ أركانهم في القطاع الزراعي. أليس دعم المزارع يعمل على استقرار السوق والاطمئنان من صحة الانتاج مع الاكتفاء في المحاصيل الزراعية كما يعود بالنفع على أبنائنا الذين يستشعرون أهمية المحافظة على القطاع الزراعي لما فيها من خير وفير واستقرار وتوافر للمحاصيل الزراعية بأنواعها.
نختم النصّ بأهمية توحيد الجهود بين مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة المعنية بالإنتاج الزراعي، ومبادرة الجامعات وتنفيذ مشاريعها الزراعية عن قرب مع المزارع المواطن الذي يجب أن يستشعر عظمة الجهود المبذولة في البحوث والدراسات وتطوير المنتوج الزراعي ودعم مكانة المزارع حينما يمنح الثقة في تنويع الزراعة وبيع منتوجه الذي يعمل على تطوير أسواقنا المركزية والاعتماد الكلي على المنتوج المحلي الذي يرفع من معنويات الشباب الذين نأمل ان يستخلصوا الدروس والعبر من واقع اليوم وحتى لا يصبح العمل الزراعي بين إدبار المواطن وإقبال الوافد وفي ذلك عبرة لأولي البصائر والالباب.

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]