[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
تشغل العواصم الخليجية منذ فترة وحتى الآن، قضية مجتمعية واحدة في جوهرها، متشعبة في مساراتها، ومختلفة في تطبيقاتها، لكنها تلتقي حول استهداف واحد، وهو المواطن عبر توفير المسكن المناسب له ، فالبعض يلوح بمليون وحدة سكنية بين مجانية التملك والدفع الميسر، والبعض الآخر يمنح حق السكن لكل مواطن ومواطنة بالمجان ..الخ بينما بلادنا تقدم نموذج المجمعات السكنية بنظام الشقق وفق الدفع الميسر، فماذا عن الفلل ؟ وهذا كله يحدث في إطار توجهات الأنظمة الخليجية نحو صياغة علاقة جديدة مع شعوبها أو تعزيزها في مثل تلك الجوانب الانسانية – كما تناولناها في مقالنا السابق - والمتتبع لوسائل اعلامها وخطب نخبها الحكومية سوف يلحظ منذ الوهلة الأولى مدى الأولوية الأولى التي تعطيها الدول الست – كل على حدة – لهذه القضية، فقد أصبح المسكن المناسب من الحقوق الأساسية للمواطن على دولته، فهل من مصلحة الأنظمة أن تتجاهل الحقوق السياسية ؟
اللافت في هذا التنافس الخليجي الخليجي أن رفع شعار توفير حق المسكن المناسب لكل مواطن، بدا لنا وكأنه معركة داخلية بين الدول الست من أجل كسب المواطن في إطار صناعة العلاقة الجديدة وفق إكراهات داخلية وخارجية عديدة ، بحيث اصبح هذا الحق ينتقل بين العواصم الخليجية بمبادرة من الحكومات بعد ما أصبح كل ما يحدث في أية عاصمة خليجية له ارتدادات اجتماعية في كل العواصم، واللافت فيها كذلك تنامي الحقوق الاقتصادية على حساب الحقوق السياسية، وكأن الحقوق تتجزأ .. وهذا سوف يخلق مشكلة كبيرة للأنظمة مستقبلا، فالحقوق الاقتصادية سوف تصل الى درجة (ما) من الاشباع المجتمعي، ثم سوف ينتقل الانسان الى البحث عن كينونته الأخرى المتعلقة به كإنسان والتي لن نجدها الا بتكامل الحقوق، وقد طالبنا في مقالنا السابق بعلاقة شاملة متوازنة تستوعب الانسان الخليجي داخل وطنه – سنخصص له مقالا توضيحيا - ورغم ذلك لا ينبغي أن نقلل من أهمية المعركة السكنية بين الدول الست، فمن حيث المبدأ، تلكم ظاهرة صحية، فالبيئات الخليجية ليست منعزلة عن بعضها البعض، فهى متداخلة عبر حدود ذهنية واجتماعية (وأسرية) وجغرافية مفتوحة ومتناغمة، من هنا، فقد كانت الارتدادات على كل ما يحدث داخل كل دولة، نفسية، وهى سلبية على الديموغرافيات (السكان) الخليجية الاخرى، وتتراكم تلك الارتدادات في السيكولوجيات الاجتماعية مما تعطي لبيئة دون أخرى افضليات فارقة في المستوى والماهيات، ومن ثم المعيشة، غير أن الارتدادات الآن قد أصبحت ثنائية، اجتماعية وسياسية، بدليل، أن توفير السكن المناسب لكل مواطن قد أصبح الشغل الشاغل لكل الحكومات الخليجية مع الفارق في الرؤية والتطبيق، وهذا مرده اي الفارق الى أن بعض الدول قد وجدت نفسها مضطرة الى مسايرة البيئات الخليجية في تأمين الحق في المسكن المناسب حتى تكسب مواطنيها، وهذه مسألة جوهرية لفهم طبيعة المعركة الداخلية ، والتنبؤ بحسمها أو تصعيدها، وسوف تظل أهم التحديات التي تواجه الدول الست، كل على انفراد، يقود بعضها فكر جديد يحاول عزل الحقوق السياسية عن الحقوق الاخرى وبالذات الاقتصادية، وهناك طبعا فرق او فارق كبير بين الحقوق، الاولى اي السياسية تعنى بالفكر والمشاركة والشراكة المجتمعية في ادارة الشئون العامة، والثانية ترتبط بكل ما يتصل بالجانب المادي للإنسان، وقد لا تتعدى (المعدة) وقد نجحت بعض دول المنطقة بامتياز في هذا النهج مما اثارت حفيظة دول وشعوب الأخرى رغم تمتعها بأفضلية في حقوقها السياسية، الأهم الذي يعنينا بالدرجة الاولى، أن معركة توفير المسكن المناسب لكل مواطن في بلادنا، هى معركة حقيقية، قياسا بالارتدادات الخليجية وفي ضوء معركة كسب القلوب التي انطلقت في بلادنا منذ عام 2011، وأهميتها تكمن انها تتعلق بالأمن الاجتماعي لجيل كامل من فئة الشباب، وبالتالي، ينبغي أن تقترن بمجموعة مبادئ حاكمة لها، كمبدأ المسكن الذي في متناول الشباب ،،ماليا ،، وهم الذين يقبعون في فئات الشرائح محدودة ومتوسطة الدخل ،، وكذلك مبدأ السكن الملائم والعصري، فحق المسكن لتلك الشرائح الاجتماعية لا يعني أن يكون بمثابة سجن لهم عبر غرف ضيقة ومرافق صحية متواضعة، مثل ما هو سائد حاليا في بعض نماذج السكن الاجتماعي الذي تنفذه وزارة الاسكان، نريده مسكنا يكون تحت المستوى الآدمي للسكنى ويستوعب مستقبل الأسر من ناحية المساحة ومن ناحية الخصوصية ومن ناحية الإضاءة ووصول الشمس له ومن ناحية جودة البناء وتوفر الخدمات الأساسية كاملة، وتلك مبادئ واشتراطات ينبغي أن تكون حاكمة لتوجهات توفير حق السكن المناسب للمواطنين بما يتناسب مع متطلبات وبيئة الاسرة العمانية ، فلا يعقل أن يكون المستوى السكني أقل ماهية عن نظرائه في الخليج التي وصلت الرؤية عندهم الى مستوى التنوع لواجهات السكنى، وتحديدا ثلاث واجهات ذات طراز معماري متميز هى الإسلامي والأندلسي والمحلي، وتلكم مسألة في غاية الاهمية إذا أخذنا بعين الاعتبار منطق الارتدادات الاقليمية وتداعياتها النفسية من جهة، كما ان توجه بلادنا نحو إقامة المجمعات السكنية، وتوزيع شققها جاهزة على المواطنين ينبغي أن لا يكون عاما وشاملا، فهذا الخيار ينبغي أن يطبق في المناطق التي لا تتوفر فيها أراض كافية كمحافظة مسقط مثلا ، أما المحافظات الأخرى فينبغي المحافظة على نمطية الحياة الاسرية العمانية بدلا من الانعتاق عنها وفق نموذج الشقق داخل العمارات، فهذا سيكون تحولا كبيرا ينبغي أن يدرس من كل النواحي قبل تعميمه على محافظات البلاد، فالتعميم سوف يغير وجه الحياة المعاصرة – شكلا ومضمونا – دون أن تكون هناك دواع لازمة له، فإذا كانت حجية عدم توفر الاراضي في صلالة مثلا، فهناك مساحات شاسعة خارجها، كمرباط وثمريت، فلماذا لا تقام فيها مدن عصرية جديدة، تخفف الضغط الديموغرافي على المدن الرئيسة، ودون شك، سوف يقبل عليها الشباب أذا ما قدمت له امتيازات سعرية وسكنية، وهذه فرصة مواتية لإحداث هذا التحول الايجابي بدلا من التفكير الأحادي في نظام الشقق داخل العمارات، وحتى هذا الخيار تنقصه رؤية المعركة السياسية، فتوزيع الشقق للشباب بالدفع الميسر سوف يفقدهم حق تملك الأراضي، حيث يعطي قانون الاراضي قطعة ارض سكنية (600م) لكل مواطن ، فكيف يفقد الشباب هذا الحق مقابل شقة مدفوعة الثمن؟
يمكن قبول مساومة الفقد مقابل مجانية المسكن الجديد، أو أن يكون فقدان حق تملك الارض لصالح حق تملك الشقة أو الفلة وفق حسبة مالية تقدر قيمة الارض المفقودة كدفعة لثمن الشقة أو الفلة، ما عدا ذلك، فإننا سوف نغرد بعيدا عن معركة إعادة صياغة العلاقة بين الأنظمة الخليجية وشعوبها – كما تناولناها في مقالنا السابق – صحيح بلادنا بدأتها قبلهم من خلال معركة كسب القلوب بحمولتها الانسانية والاجتماعية والوطنية ذات البعد السياسي، لكنهم ينفردون الآن بفاتورة مالية ضخمة من أجل الهدف الاجتماعي / الانساني نفسه، دليلنا في ذلك ، أن مشاريع قطاعات السكن والبناء ذات الاستخدامات المتعددة والترفيه فيها تشكل (40%) من كامل المشاريع الجارية التنفيذ والمشاريع ما قبل التنفيذ والبالغة كلفتها (2،8) تريليون دولار أي ما يعادل ميزانية دولة بقيمة (1،1) تريليون دولار، تأملوا معنا في حجم المبلغ، وتأملوا في أن هذا الانفاق الضخم يحدث في تلك المجالات رغم الأزمة النفطية، الأهم بالنسبة لبلادنا أن تدير هذه المعركة بتلك الأسس والمبادئ الحاكمة دون أن يترتب عليها اخطاء استراتيجية قد ندفع ثمنها في المدى المتوسط، كتعميم نظام المجمعات السكنية وفق نظام الشقق على جيل المستقبل، فذلك سيخلق لنا نظاما طبقيا جديدا سوف يكرس الاختلال بمبدأ التوازن بين الطبقات و... الخ علما بأن نظام المجمعات السكنية من المفهوم التقني له والسائد اصلا يقصد به مجموعة الأبنية المخصصة للسكن الاستثماري، وتتكون هذه المباني من عدة وحدات سكنية (شقق أو فلل أو استوديوهات أو دوبلكس) فهل مجمعاتنا ستكون على هذا المنوال؟ وهل ستملك وفق مجموعة اعتبارات مالية واجتماعية أم سيدخل فيها الجانب التجاري ؟ المعركة الخليجية الخليجية تحتم اسقاط البعد التجاري وترجيح مبدأ المواطنة ترسيخا لمعركة كسب القلوب في إطار علاقة التقريب والتقرب من المواطن التي تمليها الظرفية الخليجية من جهة والإكراهات الإقليمية من جهة ثانية.