تسير برامج التنمية الشاملة ببعديها الاقتصادي والاجتماعي في بلادنا بخطى واثقة باتجاه صعودي يمكن رصده بسهولة، إما من خلال المشاهدة العينية، حيث تتحول البلاد إلى خلية نحل تعمل ليل نهار لإرساء قواعد البنية التحتية، التي تقوم عليها نهضتنا المباركة أو من خلال الأرقام التي نتابعها، سواء تلك الصادرة عن الجهات المعنية في السلطنة أو خارجها على المستويين الإقليمي والدولي، والرسمي والخاص.
وتكتسب أغلب التقارير الدولية والإقليمية حول مختلف القضايا مصداقيتها من كونها نابعة من دراسات محاسبية ومتابعات واستطلاعات وإحصاءات موثقة مدعمة بالأرقام الصادقة موثوقة يمكن الرجوع إليها في الوقت المطلوب، ولكنها في الوقت ذاته تعبر عن الدور الكبير الذي تقوم به الحكومة تجاه ذلك، واستلهام الحكمة الكامنة في القيادة الرشيدة؛ تلك الحكمة التي مكنت بلادنا من الاستغلال الرشيد لثرواتها وموقعها الجغرافي ومميزات الشخصية العمانية واستعدادها الدائم للنهوض كلما أتيحت الفرصة لذلك.
وإذا كنا في الماضي ننظر إلى مستويات التحضر التي أصبحت عليها دول أخرى سبقتنا في مضمار الحضارة والتحديث وخاصة بعد عصر النهضة الأوروبية وما تبعها من دخول عصر الصناعة وامتزاج العلم بالإمكانيات المادية، فإننا اليوم قد أصبحنا بما حققناه من تقدم ونهضة اقتصادية واجتماعية وعمرانية مثار إلهام لدول أخرى تسعى للحاق بركب التنمية والتحديث مستلهمة الإنجازات التي تحققت على أرض السلطنة ومستضيئة بالنسق الفكري والنظريات الرائدة وتطبيقاتها الملموسة على أرض الواقع.
وقد صرنا ـ ولله الحمد ـ نقف جنبًا إلى جنب مع البلدان المتحضرة في مستوى ما تحقق من إنجازات، ويبقى الفارق في تاريخ الانطلاق وسرعة الإنجاز الذي يحسب إلى جانبنا ويضيف إلى رصيدنا بالنظر إلى الفارق في وقت الإنجاز ما بين دول أمضت مئات السنين لتنهض، وما بين ما حققناه خلال أربعة وأربعين عامًا ونيف.
وإزاء هذا المنجز والمتحقق بقوة الجهود المستمرة، وبحكمة القيادة وبُعد الرؤية وبالإخلاص في العمل، لا تكون التقارير والمؤشرات الدولية والإقليمية حول الاقتصاد والسلام والأمن إلا توكيدًا وتوثيقًا وتتويجًا لذلك.
والمركز الخامس عربيًّا الذي حصلت عليه السلطنة في مؤشر نمو تجارة التجزئة بالأسواق الناشئة لعام 2015م الذي أصدرته شركة "إيه تي كيرني" الأميركية ونشرته على موقعها الإلكتروني أمس يعبر عن الوضع الاقتصادي المتنامي للسلطنة والوضع المعيشي للفرد، والنشاط التجاري العام داخل البلاد، وإقبال الناس على تجارة التجزئة التي تعني بيع أي سلعة أو خدمة للمستهلك مباشرة، وتتمثل في المحلات التجارية الكبرى ومحلات بيع الخضراوات والفاكهة والملابس والعطور والأجهزة الكهربائية والسجاد، وتقديم خدمة الاتصالات وغيرها، ما يعطي انطباعًا عن ارتفاع نسبة الاستهلاك الدالة على الارتفاع المعيشي والطلب على السلع والخدمات والنمو السكاني والاقتصادي والمعيشي، وهو الأمر الذي بدوره يعزز مناخ الاستثمار ويعطي نظرة تفاؤلية عن المستقبل الاقتصادي للبلاد وما يؤدي إليه من توفر فرص العمل نتيجة التوسع التجاري وخاصة تجارة التجزئة، إلا أن هذا الأمر رغم إيجابياته يحمل في شقه الآخر سلبيات وتحديات تتمثل في أن التوسع في نشاط تجارة التجزئة تديره الأيدي العاملة الوافدة والسجلات المتعددة والتجارة المستترة، أو بمعنى آخر تسيطر على قسمه الأكبر الأيدي العاملة الوافدة ومنافستها للمواطنين الذي يعد مصدر الدخل الوحيد لهم، وإقامة حاجز نفسي كبير أمام المواطنين الراغبين في ممارسة تجارة التجزئة، ولذلك المطلوب من الحكومة التدخل المباشر لحماية هذا القطاع ولتحسين التقارير والمؤشرات الدولية والإقليمية وكذلك المراكز من خلال إنجاح سياسة التعمين وتوطين المهن والسلع، مع التأكيد على عدم التقليل من الجهود التي قطعتها الحكومة في هذا الصدد.