[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
أشرت إلى جيل ما بعد الحرب وهم الذين عاشوا ايام حرب غزو العراق عام 2003 ، ولم يعرفوا بالدقة ماذا تعني تلك المشاهد، وتخيلوها نوعا من ألعاب الفضاء واللعب الالكترونية، وهؤلاء لم يقعوا بصورة مباشرة تحت تأثير "الصدمة والترويع" التي وقع تحت تأثيرها بصورة مباشرة جيل الحرب الذي عاش تفاصيلها وقبل ذلك عاش حرب عام 1991 ونال ما نال من ضربات الحصار القاسي الذي بدأ عام 1990 ، ونهش ما استطاع من جسد المجتمع العراقي وترك آثارا كبيرة وخطيرة في هذا الجسد الذي تم انهاكه بقوة وعلى مختلف الصعد.
يقف "جيل ما بعد" امام حقبة جديدة، فهو يدرك تماما أن ما تخيله ألعابا نارية في يوم ما لم يكن كذلك ، وأن دوي الانفجارات التي وقعت طيلة ثلاثة اسابيع ابتداء من العشرين من مارس 2003 حتى التاسع من ابريل من العام نفسه لم تكن لتفضي إلى نزهة ولم تذهب بالعراقيين إلى الرفاهية والديمقراطية والتنمية بمختلف اوجهها ولا السلام وأنها لم توفر الأمن للمجتمع، بل أن هذا الجيل بدأ يكتشف في كل يوم وجها بشعا للحقبة التي يعيش، فقد زحف الخراب والدمار لبلده واصبح الدم يسيل كما تسيل مياه دجلة والفرات ، وبدلا من الاقتداء برمزية سلطة تتمثل فيها كل صفات النزاهة والابداع فقد اتسمت الحقبة بالسرقات الهائلة للمال العام وتقدم الجاهل على العالم، وازداد بذر الامراض المجتمعية وتراجع بذر الخير والسلم والتعايش الذي اعتاد عليه ابناء هذا المجتمع.
هذا جيل وقف امام مفترق طرق خطير، فقد اصبحت فيه الغربة وطنا والوطن خوفا وحذرا وقلقا وارتباكا، الخوف والغربة اصبحت داخل حدود العائلة والحي والمنطقة والبلدة الواحدة، ولم يعد من السهل أن يزور المرء اهله في كل مكان بل اصبح احيانا من المستحيل أن يجول في جميع مناطق العراق، واذا ألقى نظرة تأملية في ارجاء الوطن اصطدم بألف عقبة وخشية وأطنان من الخوف فيسقط بسرعة في بركان قلق شبه مطلق.
الملايين من جيل ما بعد الحرب يخزنون في ذاكرتهم الجمعية تلك الصدمات المتتالية، ولن يجدوا بين ثنايا تلك الصدمات بارقة أمل توقف نزيفا متواصلا من اليأس والقلق والريبة من الغد وما يحمل بين ساعاته وأيامه.
أخطر ما يحمله هذا الجيل - جيل ما بعد الحرب- أنه لا يفكر إلا بما ينقذه وأهله ويصله إلى الغد آمنا سالما، ويقف تفكيره بإنقاذ بلده وناسه في جميع مناطق بلده في آخر سلسلة اهتماماته اليومية، كما أن هذا الجيل غادر الحلم الجميل وتشبث بأهات وافكار متناقضة، وفي كل مرة يكتشف أنه في الأمس كان أقل قلقا من اليوم، وأصبح متأكدا من سواد وعتمة وقتامة تلف غده- بكل أسف.