ألقى الدكتور محمود علي الداود مشرف قسم الدراسات السياسية في بيت الحكمة والاختصاصي بدراسة الخليج العربي والسفير السابق مؤخرا محاضرة بعنوان "العلاقات العراقية الخليجية ..سلطنة عُمان أنموذجا" في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد.
وقد بدأ المحاضرة باستعراض العلاقات التاريخية والعوامل المشتركة التي ربطت العراق بدول الخليج العربي وأهمية العوامل الاستراتيجية في ترصين وتطوير العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بين هذه الدول وأهمية حرص كافة الأطراف الخليجية للعمل لأن تكون منطقة الخليج العربي جسراً للتعاون بين مجموعة هذه الدول وبين الأطراف الإقليمية والدولية والتي يهمها أن تسود حالة من الامن والاستقرار والازدهار في المنطقة التي تؤلف قلب العالم وشريان الطاقة الدولية التي تعتبر الاساس في استمرار وتطور الصناعة والتجارة وتقدم العلوم والتكنولوجيا في العالم.
وأشار الأستاذ الدكتور محمود علي الداود الى التحولات التي شهدتها المنطقة منذ عام 1970 وقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالإضافة الى التطورات الهائلة التي شهدتها المنطقة في مجالات التنمية وخصوصاً في مجالات التقدم الاقتصادي والثقافي والطفرة التي شهدتها المنطقة من خلال إنشاء عشرات الجامعات ومراكز البحث العلمي، الأمر الذي ادى الى تحولات اجتماعية كبيرة . وأشار المحاضر الى الانجازات الكبيرة التي تحققت في مجالات التنسيق والتعاون بين دول مجلس التعاون منذ تأسيسه.
وبعد التجارب المريرة التي مر بها العراق عبر السنوات الثلاثين الاخيرة فإن العراق يتطلع الى المساهمة الجادة بخلق فضاء من التعاون والسلام في المنطقة لان ذلك سيحقق الأمن والاستقرار للجميع واعتقد جازماً ان خلق بيئة سليمة في العلاقات بين دول الخليج العربية هي لمصلحة كافة الاطراف والتي يجب ان تتوحد في إبعاد المنطقة عن الصراعات المسلحة وعن التحديات التي تؤلفها الجماعات المتطرفة التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة . ان من اهم عوامل التفاؤل ان عوامل التعاون والتضامن في منطقة الخليج العربي هي أكثر بكثير من عوامل الخلاف والعوامل الاخيرة من الممكن ايجاد وسائل لمعالجتها مستندة الى الحوار من أجل بناء الثقة والتي هي أساس التعامل بين الدول .
أشار الأستاذ الدكتور محمود علي الداود إلى دور الجامعات ومراكز البحوث في الإسهام في الدعوة إلى خلق بيئة خليجية تحدد مجالات التعاون بين أقطار المنطقة وتسعى إلى تطوير هذه الفرص. وأشار بصورة خاصة الى النجاح الكبير الذي حققته ندوة العلاقات العُمانية – العراقية التي عقدت في مسقط في الفترة 25-26 ديسمبر 2013 بين بيت الحكمة العراقي (وهي مؤسسة علمية وفكرية رائدة ) ومؤسسة عُمان للصحافة والنشر والإعلان والتي استضافت عددا مهما من الخبراء في دراسات الخليج العربي من العراق وعُمان ومختلف الاقطار العربية . ان ردود الافعال الرسمية والثقافية التي صدرت عن هذه الندوة لابد ان تحفز مراكز البحوث والجامعات في المنطقة لتبني الدبلوماسية الثقافية لترصين العلاقات الجيدة والتي هي قائمة أصلاً بين العراق وسلطنة عُمان .
ان النهضة العُمانية التي بدأت في 23 يوليو 1970 بتولي السلطان قابوس بن سعيد الحكم في سلطنة عُمان والتي حققت تجربة فريدة في كافة مجالات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تدعو الى الإعجاب والاحترام في وقت واحد .
ففي فترة زمنية قصيرة لم تتعد أربعة عقود قفزت عُمان الى رحاب الدولة العصرية الحديثة وجمعت عُمان في هذه النهضة كل فضائل التاريخ والتراث مع الحرص على ترصين التقدم الحديث . ولم يكن هذا سهلاً فقد تطلب الكثير من المعاناة والكثير من العمل لتأسيس دولة عُمان المعاصرة التي أصبحت أنموذجاً بين الدول العربية والإسلامية وكان لسياسة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المنفتحة والقائمة على رعاية التراث والدعوة الى الحوار تأثير مهم وقد اكد ان العمانيين منذ القدم صناع حضارة ولهم موروثهم التاريخي العظيم وانفتاحهم على الحضارات الاخرى عبر البحار والمحيطات وسعيهم الى التواصل مع الآخرين وتبادل المنافع المشتركة معهم ما يؤهلهم ليكونوا قدوة ومثلاً في مجال التطور المتسارع والتقدم المتنامي والقدرة على مواكبة العصر والاخذ بكل مفيد فيه من أفكار مستنيرة وعلوم نافعة وتقنيات متجددة مع التمسك دائماً بالقيم والمبادئ الرفيعة التي يؤمنون بها والتقاليد والعادات الأصيلة التي نشئوا عليها .
وكان الانسان العُماني هو الاساس والركيزة في هذه النهضة العُمانية النموذج فقد اتسمت الشخصية العمانية بقدر عال من القدرة على التعايش والتواصل والتراحم التي أمر بها الدين الاسلامي وتجسدت هذه المعاني في علاقات الترابط والتكافل والتماسك بين ابناء المجتمع العماني الذي يشكل ركيزة اساسية للتقدم والرخاء وقد تمكنت السلطنة من الاحتفاظ بعلاقات سليمة وايجابية في العلاقات الخارجية والقائمة أصلاً على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والدعوة لحل المشاكل الاقليمية والعربية والدولية بالحوار والطرق السلمية ونبذ العنف والحرص على ترصين علاقات التعاون في مختلف المجالات على اساس ميثاق الامم المتحدة وميثاق جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي شريطة ان يحترم هذا التعاون خصوصية كل دولة ورفض الهيمنة من اية اطراف في المنطقة والعالم .
وأشار الأستاذ الدكتور محمود علي الداود الى اهمية التعاون بين العراق الذي يقع في رأس الخليج العربي وسلطنة عُمان التي تطل على مضيق هرمز وبحر العرب والمحيط الهندي وقدم جملة من المقترحات والأفكار لترصين العلاقات العراقية العُمانية (والممتازة أصلاً) في مجال التعليم العالي والبحث العلمي ومجال النفط والغاز وتبادل الخبرات والكفاءات وتنسيق الجهود في حقول السياحة والرياضة والفنون والاهتمام بما حققته السلطنة في المجالات الاقتصادية والبحرية وخصوصاً فيما يتعلق بالمناطق الاقتصادية الجديدة والاسواق الحرة الجديدة والتطور الكبير الذي تحقق في مجال النقل الجوي والنقل البحري وأشار بالدور الكبير الذي تضطلع به الجالية العراقية في سلطنة عُمان وخصوصاً في حقول التعليم العالي والبحث العلمي والتي هي موضع احترام وتقدير الشعب العماني الشقيق.