[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
أثار المقال الذي كتبته عن شباب وأطفال العراق وسوريا الذين تشردوا بسبب الحرب والعنف ردود أفعال، البعض علق على ما كتبت والبعض أرسل لي مباشرة، ما دفعني للكتابة عن موضوع المهجرين والنازحين في العراق وسوريا.
قبل عدة سنوات وكنت مشاركا في المؤتمر القومي العربي ببيروت، تحدث بعض الأساتذة عن المهجرين العراقيين في سوريا ومصر والأردن ولبنان وبعض الدول الأوروبية وأميركا، ووجدت أن البعض قد تأثر كثيرا، لأن هؤلاء بحاجة إلى مساعدات مالية وأغذية وملابس وخيم وغير ذلك من الاحتياجات اليومية والصحية.
وكانت مجمل النقاشات في ندوات تلفزيونية وفي مراكز بحوث ودراسات تركز على هذه الجوانب من مأساة المهجرين العراقيين، وفي ذلك الوقت لم تكن مأساة النزوح والتهجير قد طالت الأشقاء السوريين، فقد كانت الأوضاع هادئة قبل أحداث عام 2011.
طلبت الحديث وقلت إن القضية لها بعدا غير الذي يناقشه الأساتذة من الحضور، وأنا اقدّر عاليا هذه المشاعر الحقيقية التي يتألم اصحابها بحق لما يعانيه الملايين من العراقيين والعراقيات الذين اضطروا لمغادرة بيوتهم وتركوا مصادر رزقهم ولم تعد لهم حياة يومية بطقوس الاقارب والجيران والاهل والاصدقاء، لكن الأمر لا يتوقف عند هذه الحدود وإن كانت على درجة كبيرة من القسوة، فهناك ما هو اخطر منها، وأننا في الغالب ننشغل بما يحيط بنا متأثرين شعوريا ولا ندقق بالأبعاد الاخرى لكل ما يجري.
قلت في سوريا يتواجد ما يزيد عن مليون ونصف المليون عراقي، وفي الأردن ما يقرب من سبعمائة وخمسين ألفا وفي لبنان بحدود مائة الف واكثر من هذا العدد في مصر، أما في اوروبا والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا فليس هناك احصائيات دقيقة لأن الاعداد تزداد يوميا.
واعتقد - كما قلت حينذاك- إن الانشغال في الجوانب الإنسانية رغم اهميتها الكبيرة دون التفتيش عن الهدف الابعد لابقاء المهجرين على حالهم دون العمل على اعادتهم، يغّيب عن الكثيرين الهدف الاخطر للتهجير والنزوح، والمتمثل بخلق بيئة جديدة يتطبع بها الكثيرون بمرور الزمن، فهناك من يرتبط بعمل ما وآخر يتعايش مع بيئة جديدة مختلفة وثالث يعيش حياة اجتماعية في هذه المدينة أو تلك، وفئة تتعلم لغة اخرى وهناك من يؤسس لعمل يعيش منه، وفي المجمل وبسبب اصرار الحكومات والمجتمع الدولي على ابقاء نافذة الأمل أمام عودة هؤلاء موصدة، وليس هناك أي اشارة لعودة هؤلاء، فإنهم يضطرون للتأقلم والتعايش مع البيئة الجديدة، وبمرور الزمن والتقادم، فإن البعض وربما الكثيرون يتخلون تدريجيا عن البيئة الأم لصالح الأجواء الجديدة التي تتحول تحت تأثير اليأس إلى الأمل الوحيد المتاح لهم.
لهذا فإن الخطورة مركبة في الإبقاء على النازحين والمهجرين تحت تأثير اليأس من العودة إلى بيوتهم ومناطقهم، ويدخل ذلك ضمن برنامج قد لا نستشعر خطورته اليوم، لكن الغد سيحمل الكثير من الآلام والماسي والندم ايضا.
وهذا ما يحصل للأسف.