إذا كانت فلسطين أم النكبات، فإن ما فرخته هدد الأمة بكيانها وقد يدفعها لأن تسقط في ماهو أدهى من نكبة فلسطين: ضياع العرب وتقسيم بلادهم أكثر مما هو مقسم. لذلك يعتقد، بأن ما بلغته الأزمات في وطننا العربي أنها وضعتنا من جديد على حقيقة التغيير الذي علينا الاعتراف به، وأنه أصاب أقطارنا، وهو تغيير في بنية تلك الأقطار.
عندما أصابتنا نكبة فلسطين، كنا ما نزال أقطارًا تشعر بوحدتها، وعندما داهمها الألم الفلسطيني، شعرت أنه ألمها، كان الشعب العربي على بساطته في تلك الأيام مشغولا بلقمة عيشه، لكن إحساسه الوطني والقومي كان متقدما، ويوم وقعت النكبة، وأحس العرب بثقلها عليهم، تحرك الواقع العربي نحو التغيير، فلقد كانت النكبة عميقة التأثير في الوجدان، ولم تبق مجرد إحساس بل دخلت في حيثيات كل حزب وجماعة، ونالت الاهتمام الأوفى من الجيوش التي انطلقت تبحث عن ردود فعل سواء في سوريا وفي مصر ثم كرت السبحة في أوقات لاحقة في أقطار عدة كانت فلسطين شعارها الأكبر.
ترى ماذا سيحدث اليوم، والواقع العربي متجسد بنكبات لايمكن التغاضي عنها أو اعتبارها مسألة عابرة. أن دراسة الواقع العربي اليوم، يؤكد لنا كم بلغت المخططات الاستعمارية نضجها في التأثير على هذا الواقع من أجل تغييره ، ليس نحو الأمام ، بل إلى ما هو أسوأ وأكثر تأخرا وإعادة إلى الوارء. ومهما أطلقنا من تسمية على ماهم العرب فيه الآن من صراعات وتقاتل ومن هجوم بربري على أفكارهم بغية اقتلاعهم، فإن مفهوم النكبة، بكل صراحة، هو الذي نطلقه على المشهد العربي السائد أمامنا. فإذا رسمنا ليبيا، سنجدها شراذم وإرهابا يتآكلها، ولم تنته تونس بعد من غدر الإرهاب المستمر عليها، كما أن مصر مرشحة دائما لأن تسقط في اللعبة الدموية، وبالتالي أين هو العراق الذي تأملنا دائما الخير منه، وأين هي سوريا التي يعبث فيها طوفان الإرهاب والتكفير، وحال لبنان المنتظر، وكيف هو الحال اليمني اليوم، وتلك الفلسطين التي تتراجع قضيتها إلى الحد الأدنى، حتى صارت بلا قضية.
وطن عربي مكلوم، من أين اتيته ستراه في قمة بحثه عن غده، والغد معقود بغير يده. بكل أسف صارت نكبة فلسطين، وكأنها الأسهل في ظاهرها من نكبات يتم تركيبها عنوة وبقوة السلاح، وبقوة الإرهاب، وبمعانٍ مختلفة تبدو كلها إصابة في الروح العربية كي تكون بالتالي في جوهر وجودها.
يقينا لقد فرخت قضية النكبة الفلسطينية نكبات تتصدر اليوم عالمنا العربي الخائف المرتعد، المقاوم لتلك الوحوش على هيئة إنسان وما هي ببشر، بل أجساد تتحرك بدون أدمغة وبدون عقول وبدون وعي، من خلال السيطرة الغربية وبعض العربية، وكلها تتقصد أن تطفئ جذوة الأمة لتحل محلها" دولة " شذاذ الآفاق.
مرحلة صعبة لن تعبر بسهولة، تحتاج لصبر، لكنها بحاجة ماسة إلى قوة الدفاع عن الذات ومن ثم إسكات البربرية التي تتفاقم وقد صارت الأخطر في التاريخ العربي المعاصر والحديث والقديم.
من المؤسف أننا بعد أكثر من ستين سنة نعيش أم النكبات فلسطين ، لكننا لانعرف كم بحاجة من سنين لمنع حصول نكبات جديدة تلوح في الأفق ..!