[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
إعلان توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ترؤسه ما يسمى "المجلس الأوروبي للتسامح والمصالحة" لـ"مكافحة التمييز ضد اليهود وكل أشكال العنصرية، والعمل من أجل إنكار الهولوكوست جريمة جنائية يحاسب عليها القانون"، بعد استقالته من موقعه كمبعوث اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، ليس مثيرًا للدهشة والانتباه، بل إن من الواضح أن استقالته من اللجنة الرباعية كانت مرتبة ومنسقة ليس بسبب ما أصابه من ملل نتيجة الرتابة التي تتميز بها اللجنة، وإنما لكون أن اللجنة الرباعية هرمت وليس بيدها شيء تقدمه للاحتلال الإسرائيلي أكثر مما قدمته خاصة في عهد بلير، ولذلك كان لا بد من البحث عن مسار آخر يقدم بلير من خلاله خدماته الجليلة للصهيونية العالمية عامة ولكيان الاحتلال الإسرائيلي خاصة، ويبرهن على ما لديه من إخلاص منقطع النظير يفوق إخلاصه لوطنه بريطانيا.
إن عودة بلير من نافذة ما يسمى "المجلس الأوروبي للتسامح والمصالحة" بعد خروجه من باب اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، تأتي في ظل أحداث ساخنة وتطورات متلاحقة؛ منها ما يصب في صالح كيان الاحتلال الإسرائيلي كما هو حال الفوضى الأميركية المركَّبة من الإرهاب والعنف والتدمير والتآمر والموجَّهة ضد دول المنطقة وخاصة الدول الرافضة والممانعة للسياسات الأميركية ـ الغربية تجاه قضايا المنطقة والمقاومة للظلم والاحتلال الإسرائيلي، والداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني. ومن هذه التطورات والأحداث ما يثير القلق والإزعاج لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي بمختلف قطعانه وعصابات إجرامه وإرهابه على النحو المشاهد من تبلور حملة مطالبة بمقاطعة منتجات المستعمرات الاستيطانية غير الشرعية لكيان الاحتلال الإسرائيلي وبسحب الاستثمارات فيه يقودها مجموعة من النشطاء الرياضيين والأكاديميين والمثقفين (طبعًا في الغرب الموالي والمناصر للاحتلال الإسرائيلي وليس في الوطن العربي للأسف، لأن جميع العرب ـ إلا من رحم ربي ـ مشغولون اليوم بحل أحاجي الفوضى الأميركية واستراتيجية أوباما المسنودة بطوابير من العملاء والخَدَم في المنطقة، والمرتكزة على إنتاج عصابات الإرهاب والعنف والتكفير والتدمير والتآمر والفتن الطائفية والمذهبية، من قبيل "داعش والنصرة وجيش الإسلام وجيش الفتح وأحرار الشام وغيرها" ودعم إرهاب هذه العصابات وتسليحها).
وإزاء حملة المقاطعة هذه، إلى جانب الخطوة الرمزية السابقة التي خطتها البرلمانات الأوروبية باعترافها بدولة فلسطين وحق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة، لم يخفِ قادة كيان الاحتلال الإسرائيلي وعصاباته انزعاجهم وقلقهم الكبيرين من مثل هذه التحولات التي تشكل مزيدًا من الضغوط التي تضاعفت مؤخرًا بوقف شركة "أورانج" الفرنسية العملاقة للاتصالات عقدها مع نظيرتها "بارتنر للاتصالات" الإسرائيلية ووقف عملياتها في الكيان الغاصب بسبب نشاطه في المستعمرات الاستيطانية، وكذلك تصاعدت الضغوط باللطمة التي وجهتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" المنظمة الأميركية غير الرسمية بمطالبتها بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة بوضع كيان الاحتلال الإسرائيلي في "قائمة العار" للمنظمة الدولية بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال في قطاع غزة أثناء عدوانه الإرهابي الصيف الماضي.
ولذلك، يبدو أن أمام توني بلير مهمة شاقة لتبديد كل المخاوف والقلق والانزعاج عبر ما يسمى "المجلس الأوروبي للتسامح والمصالحة"، ومواصلة سياسات تلميع الوجه القبيح لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وتقديم هذا الكيان الإرهابي على أنه حَمَلٌ وديع وما عداه ذئاب تتربص به ـ كما جرت العادة ـ من خلال الأسطوانة المشروخة "الدفاع عن النفس"، وتبني المزاعم الإسرائيلية لتبرير عمليات النهب والقضم والتهويد والقتل والإرهاب والاعتقال التي يمارسها صباح مساء المحتلون الإسرائيليون من قبيل "مواكبة النمو الحتمي لقطعان المستوطنين وعدم وجود شريك فلسطيني، وضرب بؤر الإرهاب" وغيرها. ومن ثم مباشرة بلير حملة تسويق مضادة لحملة المقاطعة تحت شعارات زائفة "التسامح ومكافحة التمييز ضد اليهود وكل أشكال العنصرية، ومحاربة معادي السامية"، والهدف الأكبر من كل ذلك هو إكساب الشرعية للمستعمرات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلة والتي أقيمت وسُمِّنت بمخالفة الشرعية والقرارات الدولية ذات العلاقة؛ أي دخول توني بلير على خط جهود مجرم الحرب بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشرعنة الاستيطان وخاصة المغتصبات الاستعمارية الكبرى.
صحيح أن مثل هذه المقاطعات (كما يفعل الآن اتحاد الطلبة الوطني البريطاني وشركة الاتصالات الفرنسية أورانج) لها تأثيرها النفسي والمعنوي، سواء بالنسبة لقادة الاحتلال الإسرائيلي في إسقاط الأقنعة وانكشاف الوجه القبيح لكيان الاحتلال الإسرائيلي أو بالنسبة للرأي العام الأوروبي في معرفة خطأ مناصرتهم لهذا الكيان المحتل، وخطأ دعم حكوماتهم للاحتلال والإرهاب الإسرائيليين. إلا أنه على صعيد الموقف الرسمي الأوروبي لا يوجد أي تغير أو تبدل، بل إن العمل جارٍ في إطار ثبات الموقف في الدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي، ولعل رد الفعل من قبل لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي على موقف شركة "أورانج" الفرنسية للاتصالات شارح لذاته ومبين لحقيقة أوروبا الرسمية على الأقل تجاه الاحتلال الإسرائيلي، حيث قال فابيوس في بيان مقتضب جدًّا وبكل وضوح "إذا كان يعود لرئيس مجموعة أورانج أن يحدد الاستراتيجية التجارية لشركته، فإن فرنسا تعارض بحزم مقاطعة إسرائيل". يأتي هذا الموقف الفرنسي في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند دمج كيان الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة من خلال ما يسميه "الاتحاد من أجل المتوسط" ليكون مقدمة للتطبيع مع هذا الكيان الإرهابي الغاصب وتلميع وجهه القبيح، حيث دعا هولاند إلى تفعيل الاتحاد من أجل المتوسط وعدم ربطه بضرورة حل القضية الفلسطينية. ويعرف الاتحاد من أجل المتوسط، بأنه هيئة تضم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إضافة إلى الدول المطلة على البحر المتوسط بالإضافة إلى الأردن وموريتانيا، وعرف في بداية إطلاقه بمشروع الاتحاد المتوسطي. وقال هولاند، في مؤتمر صحفي عقده بمفرده في الجزائر العاصمة مساء الأربعاء الماضي بفندق الشيراتون عقب اختتام محادثاته المغلقة مع الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بمقر رئاسة الجمهورية، إنه "يجب أن نمضي قدمًا في تفعيل الاتحاد من أجل المتوسط من أجل تحقيق التنمية ومكافحة تهريب المخدرات". وأضاف أن سبب إخفاق مشروع الاتحاد هو القضية الفلسطينية في إشارة إلى قبول عضوية "إسرائيل" بالاتحاد، وما يؤسف ويندى له الجبين أنها بينما كل تلك التحركات الأوروبية ـ الإسرائيلية ـ الأميركية تمضي وفق ما هو مرسوم ومخطط له، لا يزال العرب منكبين على حل ألغاز وأحاجي "خريفهم العربي" و"استراتيجية" صديقهم الأميركي و"فوضاه الخلاقة"، وتقسيم أنفسهم "هذا شيعي، وذاك سني، وذلك كافر".