من لا يعرف السياسة العمانية في تعاطيها مع مختلف القضايا سواء على المستوى الإقليمي أو العربي او الدولي، يصفها بأنها خارج الكوكب الذي نعيش عليه لأنهم للأسف الشديد لم يطلعوا على تاريخ الامبراطورية العمانية عبر التاريخ والنهج الذي كانت تدار به البلاد طوال الحقب الماضية، والذي تأكد بشكل جلي خلال الحقبة الأخيرة من التاريخ العُماني بقيادة جلالة السلطان ـ حفظه الله ورعاه ـ، فعمان عندما تنفرد بخصوصية الحياد لايعني ذلك انها بعيدة عن قضايا الأمة والعالم وإنما قراءتها للأحداث تكون مختلفة عن الآخرين الذين يَرون بأن المشاركة في الفعل هو الأساس في تسجيل المواقف والادوار التي يفترض ان تقدم حتى وان كان ذلك يسبب في دمار وخراب مجتمعات لا حول لها ولا قوة، انطلاقا من سياسة ردود الأفعال التي تبتعد عن المنطق وتعمل من اجل مساندة طرف ضد آخر حتى وان كانت الأطراف جميعها تنتمى الى بلد واحد.
هناك الكثير للأسف الشديد من الأشقاء من شن هجوما على عمان عندما نأت بنفسها الدخول في حرب خاسرة في اليمن ووصفها بأنها تغرد خارج السرب وأنها خارج منظومة مجلس التعاون، وهذه الفئة سواء من النقاد او المغردين لم يعلموا ان عدم مشاركة عمان فيه حكمة، ليس فقط لأنها رسمت لها سياسة منذ عقود بفكر قائدها المستنير انها لا ولن تتدخل في الشؤون الداخلية للغير، وإنما الحكمة العمانية تقتضي ترك مساحة باب مفتوح ودولة يمكنها ان تُمارس لم الشمل وحل الخلافات بين المتخاصمين عند ادراكهم بأنهم وصلوا الى طريق يبحثون فيه عن الخلاص من خلاف الكل خرج منه دون مكاسب، فمن كان قبل ايام ينتقد أدرك حيادية المواقف العمانية وتلك المساحة التي تركتها لكي تتمكن من التحرك في خلاص العديد من البشر الذين كادوا ان يكونوا ضحايا الحرب في اليمن وان تُمارس دور الوسيط مع الطرفين لما تحظى به من احترامهما في تأمين اخراج سلامة رعايا العديد من الدول حتى تلك التي تشترك في الحرب ضدهما وتخليص رهائن دول اخرى لم تجد من يساعدها في ذلك سوى هذا البلد الذي وصفه البعض بانه خارج الكوكب.
وليعلم الكثير من الناس ان عمان عندما تنأى بنفسها عن الدخول في قضايا خاسرة ليس لانها خارج منظومة العمل الخليجي وإنما داعمة له لكن من الزاوية التي تراها لضمان ان تكون علاقتها تحظى من الجميع بالاحترام والتقدير، فما يعنيها على سبيل المثال ما يحدث من خلافات مذهبية او سياسية في الدولة الواحدة او حتى بين دول جاره ان تكون طرفا في مثل هذه القضايا الخاسرة، في الوقت الذي يمكن ان تمثل محطة سلام يتوقف عندها كلا المتخاصمين وان تكون على مقربة من الجميع تسهم بحكمتها في رأب الصدع ولم الشمل وتقديم الدعم الذي يعزز تحقيق ذلك.
ظاهرة الحياد العمانية لا اعتقد انها ستتكرر لن ابالغ اذا قلت في محيطنا العربي او القارئ وان كانت سويسرا تتصف بعالمية الحياد من القرن السادس عشر الميلادي فان عمان لاشك أصبحت تشاركها في ذلك، وهذا ما جعلها حتى الان بلد أمن وامان يفقدهما اغلب الدول، فهل عرفتم السبب الذي يجعل من عمان بعيدة عن حروب المصالح الخاسرة.

طالب بن سيف الضباري
[email protected]
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية