[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
.. وأخيرا، جمعية أهلية تعنى بالأيتام في محافظة ظفار،، قانونية لا فعلية،، وهي ورغم أنها خاصة بتلك الشريحة البشرية الخاصة جدا، لكنها، سوف يمتد أثرها وتأثيرها الخيري كل من يحتاج لدعم طارئ أو ظرفي أو مستدام، فرد أم أسرة .. وهذه بشرى للمواطنين في هذا الجزء الغالي من وطننا الكبير، بل وللوطن بأكمله، فالجمعية تعد إنجاز من الانجازات التي يجب أن تدخل ضمن موسوعة الانجازات الكبيرة في بلادنا، ليس لأن محافظة ظفار كانت تطالب وتلح عليه كغيرها من المحافظات طوال عقود ماضية، وقد كنا من بين المطالبين بها في عدة مقالات سابقة، وإنما لأن العمل التطوعي الجمعي المؤسساتي،، القانوني،، أصبح ضرورة من ضرورات حياتنا المعاصرة، بعد أن أصبحت الحكومة كغيرها من الحكومات الأخرى عاجزة عن تلبية جميع احتياجات المجتمع العديدة والمتسارعة والمتجددة والطارئة، مما يستدعي تضافر كل مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية لمواجهة هذا الواقع بظروفه المعقدة والمتشابكة.
هي فعلا فرحة كبرى نزلت على النفوس الصادقة والمتعطشة لتطهيرها وتزكيتها بنص قوله تعالى،، خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم،، وهي فرحة كبرى لها كذلك لحفظ مالها وزيادته لقوله تعالى،، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين،، وهي كذلك فرحة كبرى لها لوقايتها من مصائب الدهر، قال صلى الله عليه وسلم،، صنائع المعروف تقي مصارع السوء،، وهي كذلك فرحة كبرى لتلك النفوس المتطلعة للحصول على الرزق ونزول البركات، لقوله تعالى،، يمحق الله الربا ويربي الصدقات،، وهي فرحة كبرى لها كذلك لتطلعها لفتح أبواب الرحمة، لقوله صلى الله عليه وسلم ،، الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء،، لقد تحقق الآن الحلم، فماذا نحن فاعلون به؟ الأهم الذي ينبغي أن يشغل الجمعية الجديدة حتى قبل ولادتها، فكيف بعد ولادتها؟ هو إحداث أكبر قدر من التأثير المحسوس ذي المعنى في المجتمع، نعم هذا هو الأهم بعد أن أصبحنا مثل الآخرين لدينا جمعية يقع على عاتقها استحقاقات إنسانية ووطنية، والكرة الآن في ملعب أهل الخير في ظفار، وكل الخيرين في عموم بلادنا، فعليهم دفع ثمن المواطنة، وشكر نعمة الدين والأمن والرخاء وخدمة المجتمع، ولو تمعنا قليلا في النصوص الشرعية السالفة الذكر، فسوف نجد فيها مصالح شخصية لكل متطوع، ولكل قائم على إدارة وتسيير التطوع، فمن أراد ثمار الخير التطوعي التي أوردنا القليل منها، فعليه دعم هذه الجمعيات،، القانونية،، التي سوف تعمل فوق السطح، ولصالح كل محتاج دون تفرقة بسبب الفكر والمعتقد واللون والجهويات والخلفيات الاجتماعية .. ليس بهدف الشهرة والمكانة والوجاهة الاجتماعية، وإنما بغية استحقاق تلك الثمار العظيمة، أي بغية نيل رضا الله عز وجل، والمحروم من يحرم نفسه الآن من تلك الخيرات العظام، ولعلنا نستحضر هنا كذلك حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم بشأن الأجر العظام لكفالة اليتم،، أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة،، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، وهذه منزلة عظيمة، فمن أراد أن يكون رفيق سيدنا ونبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم فعليه بكفالة اليتيم، وقال بعض العلماء إن التشبيه بالإصبعين يفسر بالقرب من منزلة كافل اليتيم في الجنة مع الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم، فمن يريد أن يحرم نفسه هذا الأجر العظيم وقد أصبح متاحا الآن وبصورة قانونية ودون خوف؟ والأجر العظيم لا يقتصر على أصحاب الأموال فقط وإنما كذلك على العاملين القائمين على مثل هذه الجمعيات، وهذا يتضح لنا من تعريف العمل التطوعي، حيث يعرف بأنه بذل مالي أو عيني أو بدني أو فكري يقدمه المسلم عن رضا وقناعة بدافع من دينه ودون مقابل أو إكراه أو ضغوط، بقصد الإسهام في مصالح معتبرة شرعا يحتاج إليها المجتمع، وهنا نحتسب هذا المقال جزءا من العمل التطوعي على اعتبار أنه بذل فكري، إذن، الكل مدعو للعمل التطوعي تحت مظلة الجمعية القانونية، والكل مطالب فورا إلى إبراز الصور الإنسانية للمجتمع وتدعيم التكافل بين أفراد المجتمع، وتأكيد اللمسة الحانية المجردة من كل الألوان السياسية والتيارية والقبلية .. وبالتالي، لن يتحقق أهداف الجمعية إلا في ظل اطر وإدارة غير ملونة، وكلنا على ثقة تامة بأنه سيكون وراءها رجال في قمة الوعي بالهواجس والسلبيات التي صاحبت وقد تصاحب مثل هذه الجمعيات، وكلنا على ثقة بأن هدف الجمعية سوف ينصب على الإنسان بصفته المجردة، وأن أطرها التسييرية والتنظيرية سوف تنأى بنفسها عن السياسة وعن تجاذبات الخارج وتقاطعاته، وسوف يستفيد من تجارب الدول الأخرى، وبالذات، قضية انهيار جمعياتها التطوعية رغم نجاحها، وذلك عندما سعت إلى تحقيق أجندة سياسية وتيارية؟ ويمكن الاستدلال على وجود الوعي لدى مؤسسي هذه الجمعية الجديدة، شعارها الذي عنونا به المقال، وهو ،، أموالنا .. منا وإلينا ،، ويفهم منه بصريح العبارة أن كل ريال يجمع من الداخل سوف يوظف في الداخل ،،حصريا،، والحصرية هنا كما فهمناها من احد مؤسسيها الرئيسيين في اتصال هاتفي معه، لن تقتصر على الحدود الترابية لمحافظة ظفار فقط وإنما قد تشمل في مرحلة لاحقة كل محتاج في البلاد، فالحصرية هنا تفسر داخل حدودنا الوطنية فقط،، جمعا للمال وإنفاقه،، ويفهم منه كذلك أن له بعدا فلسفيا ذا دلالة كبيرة، وهي أن هناك مسئولية اجتماعية على كل أغنيائنا ـ دون استثناء ـ سواء من بني وطننا أو من بني من يتاجر في بلادنا، تجاه فقراء أو محتاجي المساعدة، فهذه الأموال هي أموال ذاتنا ويجب أن يذهب للذات نفسه في تضامن اجتماعي جديد بين القطاعات الثلاثة، الحكومي والقطاعين الخاص والأهلي، ومن هذا التضامن الجديد لو تم تفعيله سيكون أحد الرهانات الرئيسية لاستدامة الأمن والاستقرار في البلاد، كما يفهم من الشعار كذلك بأنه رسالة للاطمئنان السياسي ونيل الثقة الاجتماعية، كما تعنى بأن المؤسسين على وعي كامل بالسلبيات الماضية والتحديات المقبلة للعمل الخيري المؤسساتي في عصر العولمة وفي مرحلة انكشاف الحدود وفتحها في إطارها الكوني، إذن، ماذا يجب على الجمعية الجديدة أن تفعله لكسب المقتدرين؟ عليها ضم الجمعيات الشخصية والعائلية،، الفعلية لا القانونية،، تحت مظلتها فورا، فهناك حوالي (37) جمعية أهلية، كانت تعمل بصورة فعلية في فضائنا التطوعي بمعزل عن بعضها البعض ودون رؤية استراتيجية أو احترافية، وهذا يعني أن الجمعية الأهلية،، القانونية،، الجديدة، عليها أن لا تقفز أو تتجاهل هذا الواقع أبدا، إذ عليها أن تسعى إلى دمج تلك الجمعيات الفعلية ضمن بنيتها التأسيسية حتى تبدأ قوية منذ ولادتها مباشرة، والأهم هنا، توحيد الجهود في بوتقة واحدة، بدلا من تشتيتها، والأهم هنا كذلك، دمج تلك الخبرات في منظومة العمل الجماعي التطوعي القانوني الجديد، والأهم هنا كذلك ضم الشخصيات المحلية المشهود لها بتاريخ تطوعي واضح وملموس في السر والعلن، لأن الهدف صهر الكل في خدمة الإنسانية المحتاجة واحتواؤهم داخل هذه المظلة القانونية، لكن دون ألوان سياسية أو قبلية إذا ما أردنا نجاحها .. للمقال جزء ثان.