[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
”.. إذا كان السيسي استطاع الإفلات من كمين الإخوان في ألمانيا، آخر المعاقل التي كان يسعى لانتزاع الشرعية من بين أنيابها، بالوصول لصيغة توافقية بينه وبين ميركل مفادها: نحن نؤيدك في الحرب التي تشنها ضد الإرهاب ونعترض على ملفك في مجال حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي سعى إليه السيسي فتأييد ميركل تُرجم إلى اتفاقيات تعاون اقتصادي...”
ــــــــــــــــــــــــــــ

عكست زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأخيرة لألمانيا حالة الانقسام والتناحر التي تعيشها مصر بعد عامين من إزاحة الإخوان عن مقاعد الحكم، وبعد عام على تولي السيسي الرئاسة، فقد كانت ألمانيا الحصن الأخير الذي تمترس خلفه الإخوان لحرمان السيسي ونظامه من آخر صكوك الاعتراف الدولي؛ حيث تبنت ألمانيا منذ الإطاحة بمرسي والإخوان موقفاً متشدداً من النظام الجديد في مصر، وانحازت لصف الإخوان ووصفت ما حدث في مصر في 3/6/2013م بالانقلاب، وزاد موقف الألمان تعنتاً من نظام السيسي عقب مداهمة أجهزة الأمن المصرية لمقرات جمعيات أهلية تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطى المسيحي المحافظ الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بتهمة ممارسة أنشطة سياسية والعمل في القاهرة بدون تصريح من السلطات المصرية.
وهناك تواجد إخواني قوي على الأراضي الألمانية، وكثير من قيادات الجماعة يحمل الجنسية أو حق الإقامة في ألمانيا، وكان من أهمهم عصام الحداد مساعد مرسي للشؤون الخارجية، الذي كانت له علاقات قوية بدوائر صنع القرار ورجال السياسة والاقتصاد الألمان، كما كانت ألمانيا من الوجهات المهمة للرئيس الإخواني السابق محمد مرسي، بالإضافة للعلاقات البرلمانية القوية التي جمعت رئيس البرلمان الإخواني الدكتور سعد الكتاتني برئيس البرلمان الألماني وأعضاء الاتحاد الأوروبي الألمان، ولعل هذا يفسر سبب رفض رئيس البرلمان الألماني استقبال السيسي خلال زيارته الأخيرة لألمانيا.
ولم تقدر الحكومة المصرية الحالية خطورة الفشل في إجراء الانتخابات البرلمانية؛ سواء كان هذا التلكؤ متعمداً مخافة سيطرة الإسلاميين وفلول الحزب الوطني على مقاعد البرلمان لضعف الأحزاب المدنية، وخشية عزوف أغلبية المصريين عن المشاركة في الانتخابات القادمة، بعد أن كفر معظمهم بالديمقراطية والمشاركة السياسية التي لم يجنوا من ورائها إلاّ الفوضى والخراب ـ حسب رأي بعضهم ـ أو كان سبب الفشل عدم دستورية قانون الانتخابات كما تقول الحكومة، والخوف من الطعن على شرعية المجلس بعد انتخاب أعضائه وإهدار مليار و400 مليون جنيه على الانتخابات في دولة فقيرة بها مايقرب من 60 مليون ناخب، بحجة عدم الدستورية كما حدث مع برلمان الإخوان الذي لم يكمل العام.
ويحمل البعض الرئيس المؤقت عدلي منصور مسؤولية عوار قانون الانتخابات بعدم تحصينه من الطعن عليه لعدم الدستورية، ويحمل آخرون لجنة الخمسين التي وضعت دستور 2014م المسؤولية بتركها مهمة إصدار قانون الانتخابات ولائحته التنفيذية للجنة يشكلها رئيس الجمهورية أو الحكومة، ويبدو أن الحكومة لا ترغب في وجود مجلس نواب يراقب أعمالها ويضيف صداعاً لصداع الإخوان ومعارضي النظام، فيكفيها ما تعانيه من مشاكل متراكمة تحتاج سنين طوال وميزانيات ضخمة لمعالجتها، واعتمدت الحكومة على نص في الدستور الجديد يعطي الرئيس المنتخب حق إصدار التشريعات والقوانين في غياب مجلس النواب الذي يقوم بمراجعتها في أولى جلساته بعد انعقاده ، ولا أدري كيف سيجد المجلس الجديد الوقت والجهد لمراجعة أكثر من 500 قانون جديد سنها السيسي خلال سنة واحدة من حكمه.
وإذا كان السيسي استطاع الإفلات من كمين الإخوان في ألمانيا، آخر المعاقل التي كان يسعى لانتزاع الشرعية من بين أنيابها، بالوصول لصيغة توافقية بينه وبين ميركل مفادها: نحن نؤيدك في الحرب التي تشنها ضد الإرهاب ونعترض على ملفك في مجال حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي سعى إليه السيسي فتأييد ميركل تُرجم إلى اتفاقيات تعاون اقتصادي بين الحكومة المصرية والشركات الألمانية في مجالات الطاقة والسياحة ووعد ألماني باستئناف المساعدات العسكرية، وفي ملف حقوق الإنسان، لجأ السيسي للمناورة أمام الضغط الألماني، بالتلميح لاستعداده العفو عن مرسي وقيادات الإخوان المحكوم عليهم بالإعدام، عندما وصف أحكام الإعدام الصادرة بحقهم بأنها أحكام ابتدائية، وأن هناك درجات للاستئناف والنقض، كما قال: دعنا ننتظر حتى يصدر القضاء الأحكام النهائية ووقتها لكل حادثةٍ حديث، مما يشير لإمكانية إصداره عفواً رئاسياً عن مرسي ورفاقه.
كلام السيسي في ألمانيا مناقض لتصريحاته السابقة، التي كان يرفض فيها التعليق على أحكام القضاء، ويصر على أن القضاء المصري مستقل وليس هناك تدخل سياسي من أي جهة في أحكامه، وأن أحكام الإعدام جماعية، لأن الإخوان ارتكبوا مجازر جماعية ضد رجال الجيش والشرطة والمسيحيين، وأحرقوا أكثر من 90 قسماً للشرطة وعشرات الكنائس، ونهبوا السلاح والذخيرة من مخازن الشرطة، ودمروا مئات المركبات والآليات العسكرية والمدنية، وفجروا خطوط الغاز والكهرباء في سيناء والقاهرة والدلتا والصعيد، ولكن يبدو أن السيسي وصل لقناعة باستحالة التأثير على العقلية الألمانية، والثقافة الأوروبية التي لا تستسيغ أحكام الإعدام مهما كانت الجرائم المرتكبة.
رغم إصدار السيسي كتيباً عن إنجازاته في السنة الأولى من حكمه، إلاّ أن أبرز إنجازاته ينحصر في المجال الأمني، بعد تراجع وتيرة العمليات الإرهابية في سيناء، وعودة هيبة الدولة والانضباط إلى الشارع المصري إلى حد معقول، ونجاح أجهزة الأمن في ضبط كثير من الجرائم الجنائية، بعد أربع سنوات من الانفلات عقب ثورة 25يناير، ولكن الكتيب خلا من إنجاز مدني حقيقي حتى المشروع القومي للطرق الذي وعد السيسي بإنجازه في برنامجه الانتخابي لم يتحقق منه سوى 45% ، ولم يجد السيسي مشاريع حقيقية يفتتحها إلاّ مشروعات قام بتنفيذها الجيش.
فشل السيسي حتى الآن في انتشال القطاع المدني من حالة السبات العميق الذي يغط فيها، فمازالت هناك مئات المصانع مغلقة، ومازالت إنتاجية العامل المصري عند أدنى مستوياتها في الحكومة والقطاع الخاص، ورغم محاولات الحكومة لجذب الشباب للعمل في المشروعات الجديدة، إلاّ أن الاستجابة تكاد تكون معدومة، نتيجة تدني الأجور وارتفاع الأسعار، التي تدفع الشباب لامتهان أعمال تافهة ذات دخل مرتفع، فانتشرت مهن سياقة "التوك توك" ومنادي السيارات والباعة الجائلين.
يعول السيسي كثيراً على الانتهاء من مشروع قناة السويس الجديدة في أغسطس القادم، للخروج من مأزق تدني الإنجازات وليكون قاطرة تنتشل الاقتصاد المصري من حالة الكساد، ولكي يبرهن أن آلاف المصريين الذين جمعوا 64 مليار جنيه قرابة (9مليارات دولار) في إسبوع للاستثمار في إنشاء المشروع كانوا محقين في رهانهم على السيسي وثورة 30/6 ، وأنه الوحيد القادر على العبور بمصر إلى بر الأمان، رغم التحديات الجسام والحروب الخفية والمعلنة التي تواجهها مصر في الداخل والخارج.