[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
” .. إذا كانت سلطة الإحتلال قد حاولت تقديم شيء للمرأة العراقية من باب المحاكاة، بفعل خلفية الأميركان الإجتماعية الأكثر إنصافاً للمرأة ولكينونتها الإجتماعية والإقتصادية، فان المرأة العراقية التي دفعتها إملاءات الأميركان الى مناصب وزارية وإدارية، وإلى عضويات البرلمان والمجالس الشعبية ومجالس المحافظات، تبقى قاب قوسين أو أدنى من شرور الإرتدادات الرجوعية المحدقة بها من كل حدب وصوب،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا كانت المرأة الأميركية تشن حملة سياسية/إجتماعية من أجل تحقيق المساواة مع الرجل في الكونجرس وفي الجيش والمؤسسات الحكومية، بل وحتى في هوليوود، فان المرأة العراقية التي "حررتها" القوات الأميركية، كما يظن الأميركان، خاطئين، ترتد القهقرى الى عصر ما قبل الإسلام، من الناحية العملية.
للمرء أن يلاحظ ما ورد أعلاه، ليس على سبيل المقارنة والمقاربة بين ثقافتين غربية وعربية فقط، وإنما على سبيل مراجعة موضوعية لـ"مأساة المرأة العراقية" التي بقيت تكمن تحت أعباء القبلية والطائفية لعصور طوال: ما تلبث أن تجد لها مخرجاً من زنزاناتها المظلمة، حتى تعود مطارق العصر الوسيط لتدق على رأسها، للأسف. تأتي هذه المداخلة في سياق عودة دبيب الحياة لتقاليد عشائرية متخلفة كانت قد قشعت منذ ستينيات القرن الماضي، ولكنها عادت وعلى نحو صارخ لا يتواءم قط مع منح الأميركان نسبة 25% من عضوية كل هيئة رسمية، من البرلمان الى مجالس المعلمين والآباء والأمهات في المدارس الإبتدائية.
وإذا كانت الضجة الإعلامية التي تسببت بها إحدى عشائر إقليم البصرة نظراً لمنحها خمسين شابة لعشيرة متخاصمة معها لفض نزاع قبلي، فان الضجة المضادة لتقليد "نساء الفصل" أعلاه قد أخذت مداها الإجتماعي والإعلامي في عراق اليوم، درجة إضطرار المرء قياس زاوية التراجع الحادة بين عهد الزعيم عبد الكريم قاسم (1958-1963)، ثم عهد البكر/صدام (1968-2003)، من ناحية، وبين عهد ما بعد الإحتلال (2003) من ناحية ثانية، ليباشر بقلب كسير "مأساة المرأة العراقية"، التي كانت شقيقاتها العربيات، من المحيط الى الخليج، تغبطها وتحسدها على ما حققت لها الحكومات أعلاه من قوانين وتشريعات تقدمية تضمن لها حدا أعلى مما حصلت شقيقاتها عليه عبر جميع دول الشرق الأوسط من حقوق وحريات وضمانات مادية وإعتبارية حقيقية.
إلا أني كما أرى اليوم، أجد المرأة العراقية، المعروفة بفطنتها ونشاطها وجمالها وتمسكها بأسرتها، قد كمنت تحت أعباء الماضي لدهور حتى صارت عملية تحريرها بإملاءات الأجنبي من قبيل جهود اللاجدوى. إن القوانين، على قسريتها وقوة تنفيذها، لا تلبث أن تخبو تأثيراتها، خاصة بعد حالات المد الرجوعي، كما يحدث اليوم في العراق، لشديد الأسف. وإذا كانت سلطة الإحتلال قد حاولت تقديم شيء للمرأة العراقية من باب المحاكاة، بفعل خلفية الأميركان الإجتماعية الأكثر إنصافاً للمرأة ولكينونتها الإجتماعية والإقتصادية، فإن المرأة العراقية التي دفعتها إملاءات الأميركان الى مناصب وزارية وإدارية، وإلى عضويات البرلمان والمجالس الشعبية ومجالس المحافظات، تبقى قاب قوسين أو أدنى من شرور الإرتدادات الرجوعية المحدقة بها من كل حدب وصوب، خاصة تحت سطوة "المتأسلمين" والقبليين، للأسف. هي اليوم بين مطرقة "الدولة الإسلامية" الثقيلة، من ناحية، وبين سندان الرجوعية المحلية المنتشية الآن، من الناحية الثانية. هي تعي جيداً، ومن الموصل الى البصرة، أنها لابد أن تكون ذبيحة سكاكين التقليد والإرتجاع والتوحش، في أية لحظة تكون هي فيها معرضة للقوى الذكورية المتعامية بلا حماية، لأنها قوى لا تسوقها سوى الغرائزية البربرية أحياناً.
إن المرأة العراقية، كما جايلتها شخصياً، من أعوام حياة المرحومة والدتي المهيبة والشجاعة، الى ماهي عليه اليوم، إنما تقدم تجسيداً حياً لأسطورة سيزيف: كلما دفع البطل الأسطوري الصخرة الى أعلى الجبل، يشهد إنهيار رؤياه مع تدحرج الصخرة ثانية الى اسفل الوادي، هناك الى نقطة الصفر.