أخبرني صديق من أهل دبي أن والده رحمه الله كان تاجر أقمشة، وكان يستورد الأقمشة من تاجر في سويسرا، وطيلة ثلاثين عاما لم يقابل تاجر دبي نظيره السويسري. بل لم تكن بينهم اتفاقية مكتوبة، فقط كان تاجر دبي يرسل ( تلكس) إلى تاجر سويسرا ويخبره فيه بأنه يحتاج إلى استيراد كمية محددة من الأقمشة فيقوم التاجر السويسري بتصديرها وشحنها فورا دون أن يطلب ضمانات أو مستندات من تاجر دبي الذي كان يقوم فور استلامه للأقمشة بتحويل ثمن البضاعة كاملا عبر الصرافة. استمر التاجران يمارسان نفس العمل بنفس الروح والرقابة الأخلاقية الذاتية، بناموس الضمير دون شهود أو رقابة أو إجراءات أو تدابير. وبالتالي كانت البركة تحل في عمل كل منهما، لأن النوايا كانت صادقة والأفعال منسجمة مع الروح والضمير. إنها حياة الضمير الذي لا يمكن لأي شخص إذا ضيعه أن يعيش في سعادة، الضمير الذي عبر مسالكه ينساب نور الله ومن خلاله ينمو الأمان والسلام والثقة. الضمير هو أنفع للفرد من كل شيء، وهو أهم لأية أمة تريد أن تنهض من أي موارد طبيعية. أين هو الضمير؟ وكيف نوقظه في أعماقنا وأفعالنا وفي حياتنا؟ ما هي عائداته الأخلاقية والمادية؟, ماذا لو كان الضمير حيا في البيت وفي العمل وفي الشارع وفي البيئة وفي حركة المرور وفي النزهة والفسحة وفي كل شيء نقوم به؟ كيف سيكون حالنا؟,
في يوم جمعة من شهر سبتمبر الماضي، ذهبت برفقة بعض الضيوف الى جبال رخيوت في محافظة ظفار، حيث كانت الأرض مكسوة باللون لأخضر الزاهي وكانت السحب غير الماطرة تزيد الأرض جمالا وتجعل الشمس ترسم ابتسامتها الجميلة على المرتفعات والهضاب، الأمر الذي أصاب أحد ضيوفي القادمين من الصحراء بهوس الطلوع والنزول عبر التلال والهضاب متجاهلا وعورة المكان وابتلال التربة. ومن حيث لم يشعر عثر في مكان منخفض، وأصيب ببعض الكدمات والجروح، وسرعان ما أسفعناه واتجهنا به فورا إلى مركز صحي في نيابة شهب أصعيب، وكانت المفاجأة التي أذهلت الضيوف هي وجود طبيب مناوب وممرضات وجاهزية كاملة بالمستوصف جعلته يحظى بمعاملة متميزة واسعاف فعال وسريع، فأعجب ذلك الضيف بحسن الاستقبال وجاهزية المستوصف وكفاءة العاملين الذين عالجوه في زمن قياسي دون أن يلتفتوا إلى جنسيته أو لونه أو أصله أو فصله. كان الضمير الحي يحركهم في تلك المنطقة البعيدة عن عيون المسؤولين في وزارة الصحة. إنه الضمير متى كان حيا ويقظا، تكون الجاهزية والأمانة والجودة في أعلى مستوياتها.
ذات يوم جاءت موظفة أجنبية تعمل في مؤسسة تعليمية وهي تصرخ وتشد شعرها استنكارا ورفضا عندما رأت معلما عربيا يغشش الطلبة في الاختبار، وكان وقع ذلك الفعل عليها كالصاعقة، بينما كان بردا وسلاما على المعلم الذي اعتبر أمر الغش مساعدة للطلبة.
وفي إحدى المدارس كتب موضوعا في الإنشاء وختمه ببعض التساؤلات، منها: كيف يمكن أن تصير مدرستي لو التزم فيها كل معلم بأخلاق مهنة التعليم؟ ماذا يمكن أن يكون حالنا لو درب كل معلم نفسه أن يكون أمينا ومخلصا وعادلا، بما يجعله يكون خير قدوة لطلابه؟ كيف يمكن أن تكون مدرستي لو كان فيها ضمير؟.
قامت إحدى المؤسسات بإنفاق مبالغ مالية طائلة للحصول على شهادة الجودة ( الأيزو) ودربت جميع الموظفين واستحدثت ملفات كثيرة ووظائف جديدة، وقامت بكتابة كثير من الإجراءات ووضعت العديد من الهياكل والعلامات والإشارات، ولكن الخبير الأوروبي بعد أن قضى فترة في تلك المؤسسة، أخبر مجلس إدارة المؤسسة بأن الجودة ليست أوراقا ومستندات وملفات، ولكن الجودة هي قبل كل شيء ( ضمير).

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مكتب النجاح للتنمية البشرية