اعداد ـ أم يوسف
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة 183 ـ 186).

* شرح الكلمات:
كتب: فرض وأثبت.
الصيام: لغة الإمساك، والمراد به هنا: الامتناع عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
أياماً معدودات: تسعة وعشرون أو ثلاثون يوماً.
يطيقونه: أي: يتحملونه بمشقة لكبر سن أو مرض لا يرجأ برؤه.
فمن تطوع خيراً: أي: زاد على المُدّين أو أطعم أكثر من مسكين فهو خير له.
وأن تصوموا خيراً: الصيام على من يطيقه ولو بمشقة خير من الإفطار مع الطعام.
(هُدىً لِلنَّاسِ): هادياً للناس إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم في الدارين.
شهد الشهر: حضر الإعلان عن رؤيته.

* معنى الآيات:
لما هاجر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأصبحت دار إسلام أخذ التشريع ينزل ويتوالى، ففي الآيات السابقة كان حكم القصاص والوصية ومراقبة الله في ذلك، وكان من أعظم ما يكون في المؤمن من ملكة التقوى الصيام، فأنزل الله تعالى فرض الصيام في السنة الثانية للهجرة، فناداهم بعنوان الإيمان: يا أيها الذين آمنوا. وأعلمهم أنه كتب عليهم الصيام كما كتبه على الذين من قبلهم من الأمم السابقة، فقال:(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ..) علل ذلك بقوله:(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي: ليعدكم به للتقوى التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، لما في الصيام من مراقبة الله تعالى، وقوله:(أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) ذكره ليهون به عليهم كلفة الصوم ومشقته، إذ لم يجعله شهوراً ولا أعواماً. وزاد في التخفيف أن أذن للمريض والمسافر أن يفطر ويقضي بعد الصحة أو العودة من السفر فقال لهم:(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) كما أن غير المريض والمسافر إذاكان يطيق الصيام بمشقة وكلفة شديدة له أن يفطر ويطعم على كل يوم مسكيناً، وأعلمهم أن الصيام في هذه الحال خير. ثم نسخ هذا الحكم الأخير بقوله في الآية الآتية:(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..) وقوله:(إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يريد: تعلمون فوائد الصوم الدنيوية والآخروية، وهي كثيرة أجلها مغفرة الذنوب وذهاب الأمراض.
لما ذكر تعالى أنه كتب على أمة الإسلام الصيام في الآية السابقة وأنه أيام معدودات يبين في هذه الآية أن المراد من الأيام المعدودات أيام شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن هادياً موضحاً طرق الهداية، وفارقاً به بين الحق والباطل، فقال تعالى:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) يريد شهر رمضان، ومعنى: شهد، كان حاضراً غير مسافر لما أعلن عن رؤية هلال رمضان، فليصمه على سبيل الوجوب إن كان مكلفاً. ثم ذكر عذر المرض والسفر، وأن على من أفطر بهما قضاء ما أفطر بعدده، وأخبر تعالى أنه يريد بالإذن في الإفطار للمريض والمسافر ليس بالأمة، ولا يريد بها العسر فله الحمد وله المنة، فقال تعالى:(وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
ثم علل تعالى للقضاء بقوله ولتكملوا العدة، أي: عدة أيام رمضان، هذا أولاً، وثانياً: لتكبروا الله على ما هداكم عندما تكملون الصيام برؤية هلال شوال وأخيراً ليعدكم بالصيام والذكر للشكر، وقال عز وجل:(وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
ورد أن جماعة من الصحابة سألوا النبي قائلين: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله تعالى قوله:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) .. الآية، ومعنى المناجاة: المكالمة بخفض الصوت، والمناداة برفع الصوت، وإجابة الله دعوة عبده قبول طلبه وإعطاؤه مطلوبه. وما على العباد إلا أن يستجيبوا لربهم بالإيمان به وبطاعته في أمره ونهيه، وبذلك يتم رشدهم ويتأهلون للكمال والإسعاد في الدارين الدنيا والآخرة.

* من هداية الآيات:
- فرضية الصيام وهو شهر رمضان.
- الصيام يربي ملكة التقوى في المؤمن.
- الصيام يكفر الذنوب.
- رخصة الإفطار للمريض والمسافر.
* فضل شهر رمضان وفضل القرآن.
* يسر الشريعة الإسلامية وخلوها من العسر والحرج.
* وجوب الاستجابة لله تعالى بالإيمان وصالح الأعمال.

* فوائد الصيام:
- يعود الصائم الخشية من الله تعالى في السر والعلن.
- كسر حدة الشهوة، ولذا أرشد العازب إلى الصوم.
- يربي الشفقة والرحمة في النفس.
- فيه المساواة بين الأغنياء والفقراء والأشراف والأوضاع.
- تعويد الأمة النظام والوحدة والوئام.
- يذهب المواد المترسبة في البدن، وبذلك تتحسن صحة الصائم.

(المصدر: أيسر التفاسير)