في الوقت الذي يتوجب فيه على منظمة الأمم المتحدة أن تفرض احترامها على العالم أجمع واحترام مؤسساتها وأدوارها انطلاقًا من شرعيتها الدولية وأدوارها في تبني القضايا العادلة والوقوف بجانب المظلومين والدفاع عن الأمن والسلم الدوليين، تواصل المنظمة الدولية اتباع سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير، وتصر على المضي في طريق مراكمة الخيبات تجاه من ينتظر دعمها من الشعوب في هذا العالم وشعوب المنطقة وخاصة الشعب الفلسطيني، ساكبةً المزيد من كؤوس الخذلان والحسرة، ومضاعِفةً الآلام والمآسي لهذا الشعب المناضل الذي قادته أقداره إلى أن ينال شرف مواجهة العربدة الصهيونية وعنصريتها وفضحها، وفضح احتلالها وجميع جرائمها الإرهابية وانتهاكاتها ضد الإنسانية.
وبينما تنتظر عائلات الأطفال الفلسطينيين الشهداء من المنظمة الدولية قدرًا من الإنصاف بأن هؤلاء الأطفال ضحايا جرائم حرب، وهدف مقصود أحياء كانوا أم شهداء من قبل أعتى احتلال إرهابي صهيوني عرفته البشرية، تُقدم الأمم المتحدة على موقف بعيد عن دورها الأخلاقي الذي يجب أن تلعبه، موقف يشكل سابقةً خطيرةً تجاه ضحايا أطفال أبرياء شهدت الأرض والسماء على ذلك فكانت مشاهد استهدافهم تنقل على الهواء مباشرة وأمام أعين العالم أجمع بمن فيه منظمة الأمم المتحدة وعلى وجه الخصوص أمينها العام بان كي مون الذي رفض ضم كيان الاحتلال الإسرائيلي في قائمة "العار" للجهات المنتهكة لحقوق الأطفال، ورفضه ضم هذا الكيان الغاصب في التقرير السنوي للأمم المتحدة حول أثر النزاع المسلح على الأطفال، رغم الضحايا من الأطفال الفلسطينيين جراء العدوان الإرهابي الإسرائيلي الغاشم في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي قطاع غزة والذي كانت عين هدفه الأطفال الذين شكلوا ثلث الضحايا في العدوان الإرهابي الأخير على غزة. فاكتفى بان كي مون وذرًّا للرماد في العيون بالتعبير عن "أسفه العميق"، وأن "حجم التأثير غير المسبوق وغير المقبول على الأطفال في 2014 يثير مخاوف كبيرة حول التزام "إسرائيل" بالقانون الدولي الإنساني، وخصوصًا مبادئ التمييز والتكافؤ والحذر في الهجمات، واحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان خصوصًا في ما يتعلق بالاستخدام المفرط للقوة". وما من شك أن هذا التعبير فيه إقرار من قبل بان كي مون بالعار الإسرائيلي، وبذلك لا يمكن وصفه إلا بأنه مناقض للموقف الرافض من إدراج كيان الاحتلال في قائمة "العار".
كم هو مخزٍ ويندى له الجبين، أن لا يرف جفن أو يقشعر جلد الأمم المتحدة من هذه الجريمة الوحشية بحق الأطفال، ويتبلد ضميرها وضمير أمينها العام تجاه استشهاد 538 طفلًا واستهداف 340 مدرسة ومركزًا صحيًّا في أقل من خمسين يومًا، وأن هذه الأرقام ـ حسب الإحصائيات الرسمية الفلسطينية ـ لا تساوي شيئًا لدى المنظمة الدولية التي وضعت معايير قياس انتهاكات حقوق الأطفال في النزاعات المسلحة والتي (الانتهاكات) جميعها قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي الإرهابي وهو ما يجيد فعله منذ 67 عامًا من قتل الأطفال واستهداف المدارس ومراكز الإيواء والمستشفيات واعتقال الأطفال، وكل هذه الجرائم وغيرها لا يوجب في مقاييس المنظمة الدولية وأمينها العام أن يدرج مرتكبوها في قائمة "العار"؟!
إن هذا الموقف الجديد للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لا يذكرنا فقط بموقف مشابه له حين زار قطاع غزة بُعيد العدوان الإسرائيلي الإرهابي نهاية 2008 وبداية 2009 معترفًا بالجريمة الإسرائيلية لهول ما شاهده وفظاعته، ثم تراجعه وتغيير موقفه بعد مغادرته القطاع، وإنما هذا الموقف إن لم يكن وصفه بأنه شراكة وتستر على جريمة في وضح النهار، فهو ضوء أخضر لكيان الاحتلال الإسرائيلي لمواصلة استهداف الشعب الفلسطيني وفي مقدمته الأطفال، وتأييد للهمجية والعنصرية الإسرائيلية.
ولذلك حتى لا يستمر الراهن الدولي حول كيان الاحتلال الإسرائيلي ومعاملته كطفل مدلل واعتباره فوق القانون، فإن على السلطة الفلسطينية أن تتحرك باتجاه تقديم هذا الملف وغيرها من ملفات جرائم الحرب الإسرائيلية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتتخلى السلطة عن التهديد بالأقوال وتنتقل إلى الأفعال فورًا، وإيقاف هذه المهزلة الدولية والاستهتار بأرواح الأبرياء ودمائهم وأعراضهم وممتلكاتهم.