إن البدء من حيث انتهى الآخرون هي مفتاح للتقدم المنشود في العلم والعلوم، وفي الثقافة والفنون، وفي جني ما تم زرعه في المجتمع عبر السنون، فإذا كان في الواقع هنالك حقيقتان هما: ذوي الإعاقة يشكلون فئة مهمة من فئات المجتمع، وإن لهم حقوق كما عليهم واجبات تجاه مجتمعاتهم، فإنه لا يحق لواحدة من هذه الحقائق أن تنكر الأخرى بل على العكس من ذلك، عليها أن تؤكدها وتشد من أزرها. وهذا ما سنحاول التطرق إليه حول أهمية الفنون والمسرح كأحد أهم الوسائل الثقافية والفنية التي ساهمت في تطوير المجتمعات على مر العصور ومنها الإسهام في دمج ذوي الإعاقة في المجتمع.
المسرح يُعد أحد المنابر الثقافية المهمة المتاحة لذوي الاعاقة بجميع أنواعها للتعبير عن قضاياهم وطموحهم وأحلامهم وهمومهم، وله الأهمية الثقافية والتربوية والنفسية والاجتماعية في خدمتهم، بالإضافة إلى القيمة الترفيهية أيضاً كقيمة مهمة للمسرح لهذه الفئة التي تعاني كثيراً من صعوبات تواجهها في الحياة، فقيمة المسرح كأحد وسائل التطهير والترويح عن النفس والتسلية جميعها جوانب مدعاة إلى التشبث بها والاستمرار في تقديم أنشطة المسرح الخلاقة في زرع الأمل والنجاح والصبر والإصرار لأنه لسان حال المشتغل به كتابة وتمثيلا وتنفيذا من ذوي الاعاقة.
المسرح ظاهرة احتفالية جماعية يقوم به العديد من المجيدين في مختلف مكونات العرض من خلال تقديم عرض مسرحي حي يضج بالحركة والحيوية والجمال والألوان، وبالمؤثرات الصوتية والموسيقية، فالعمل الجماعي ميزة للمسرح تميزه عن غيره من الفنون التي قد تستهدف المعاق وتدمجه مع المشتغلين من الأصحاء.. فوقوف الممثل من ذوي الاحتياجات الخاصة على خشبة المسرح في عرض مسرحي حي يقدم مباشرة للجمهور بدون أي حاجز يتطلب شجاعة وثقة من ذوي الإعاقة، وهذا يسهم في تعزيز الثقة بالنفس ورفع الروح المعنوية للشخص، بالإضافة إلى الكشف عن الامكانيات الحسية والوجدانية للتأثير والتأثر، وبدوره تكون المشاركة والحضور في هذا النشاط الثقافي والفني واحده من أكبر المساهمات الفكرية والجسمية لذوي الاعاقة.
إن ذوي الاعاقة البصرية والجسدية والذهنية يملكون طاقات إبداعية كامنة، وقدرات متميزة، شأنهم شأن الأصحاء، وهذا ما كشفه أهمية ما قام به القرار الذي أصدره وأقره وزراء التنمية الاجتماعية بدول مجلس التعاون الخليجي حول إقامة مهرجان خاص ودوري لذوي الإعاقة بدول مجلس التعاون الخليجي، والذي جاء ايماناً منهم بأهمية المسرح كأحد الوسائل الثقافية والفنية لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وأيضاً جاء ايماناً منهم بالطاقات الايجابية والقدرات الكامنة لدى هذه الفئة، وتوظيف المسرح لتفجير هذه الطاقات الابداعية. وشكل انطلاقة هذا المهرجان نقطة مضيئة ومهمة في مسيرة دول مجلس التعاون الخليجي في الاهتمام بالرعاية الثقافية لهذه الفئة التي لا تقل أهمية عن الرعاية الاجتماعية والصحية والنفسية التي تقدمها هذه الدول لمواطنيها من ذوي الإعاقة.
جدير بالذكر أن كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجية بالإضافة إلى الجمهورية اليمنية شاركت في تقديم عرضا مسرحيا بمشاركة ممثلين من ذوي الإعاقة في هذا المهرجان، والذي سيكون ضيفا هذا العام على أرض السلطنة، ويكون الاحتفال به ضمن فعاليات نزوى عاصمة الثقافة الاسلامية في شهر ديسمبر القادم، بإشراف مباشر من وزارة التنمية الاجتماعية، علماً بأن المهرجان الثالث استضافته مملكة البحرين في العام 2013م، بعد أن تمت استضافته في العام 2009 في دولة قطر، وفي العام 2011 في دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بناء على القرار رقم 4 الصادر عن الدورة 24 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الرياض العام 2007.
وختاما، المسرح حق للجميع وليس حكراً على فئة دون غيرها في المجتمع. المسرح لجميع شرائح المجتمع، لذا فإن المسرح الذي يقدم بواسطة أو لذوي الاعاقة إذا ما تم تبنيه والاهتمام به من قبل الجهات الحكومية المختصة، ومن قبل القطاع الخاص والمجتمع المدني، وإذا ما وُظف هذا المسرح بطريقة محترفة وجيدة فإنه سيُسهم في إنشاء جيل واعٍ ومثقف في شتى جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وحتى السياسية، فذوي الاحتياجات الخاصة هم شركاء في المستقبل، وهم الثروة الحقيقية بما وهبهم الله من قدرات وطاقات خلاقة ومنتجة في أي مجتمع.

د. كاملة الوليد زاهر الهنائي
أستاذ مساعد بقسم الفنون المسرحية