يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى-عن أهمية الذكر: هو قوت قلوب القوم الذي إذا فارقها صارت الأجساد لها قبورا. وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذين يطفئون به التهاب الحريق. ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب" ويستطرد ابن القيم قائلا: به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات، وتهون عليهم به المصيبات وإذا أظلهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتاجرون. يدع القلب الحزين ضاحكا مسرورا، ويوصل الذاكر إلى المذكور، بل يدا الذاكر مذكورا!!. ويتابع ابن القيم في كلامه عن منزلة الذكر قائلا: هو جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقا ازداد المذكور محبة إلى لقائه اشتياقا. وإذا واطأ قلبه لسانه في ذكره: نسي في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله عليه كل شيء، وكان له عوضا عن كل شيء .. وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده، ما لم يغلقه العبد بغفلته. يقول الحسن البصري: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن فإن وجدتم. وإلا فاعلموا أن الباب مغلق!.
ويقول المفكر الراحل علي عزت بيجوفيتش رحمه الله واصفا التأمل: « يؤدي التأمل إلى الحكمة والكياسة والطمأنينة، وإلى نوع من التطهير الداخلي (الجواني) الذي سماه الإغريق (قطرسيس). إنه تكريس النفس للأسرار والاستغراق في الذات للوصول إلى بعض الحقائق الدينية والأخلاقية والفنية».
فبين الذكر والتأمل صلة وثيقة باعتبارهما طريقين يحرران الذاكر والمتأمل من آنية الوعي وقيوده إلى رحاب المطلق بكل اتساعه ونوره.
عندما تذكر الله سبحانه وتعالى، فإن الله سيذكرك، وعندئذ فإن مستوى النور في أعماقك يتسع، ومنسوب الحكمة يرتفع، والإدراك الروحي يبدأ يبثك الهامات وإشراقات تصلح كل اعوجاج في جميع أركان حياتك، لأنك بذكر الله تبلغ مستوى الأمان، حيث تعمر الطمأنينة قلبك، وينتصر اليقين على الشك.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفاهه. يقول صلى الله عليه وسلم: مثل البيت الذي يذكر فيه الله تعالى والبيت الذي لا يذكر فيه الله؛ مثل الحي والميت" وفي رواية أخرى عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ذكر الله شفاء للقلوب.
من هنا فإن ذكر الله هو ربط الإنسان بخالقه، وتحرير لطاقاته، وإزاحة هم الزمان والمكان والظروف عن كاهله، فبذكر الله يتسع النور، وتعلو الطاقات الروحية السامية فتتجاوز مادية الإنسان وطاقاته الدنيا، فيصبح الإنسان كائنا نورانيا، حيث تزداد طاقة الروح ويرتقي الإنسان بها آفاقا.
من هنا فإن الصالحين على اختلاف الأزمنة والعصور يفزعون إلى الله وإلى الصلاة وإلى التفكر بالله سبحانه وتعالى وتعظيمه.
يذكر أحد الأطباء من دولة عربية خليجية أنه كان يعمل في مستشفى تنهكه الطاقات السلبية، يتعاطى العاملون فيه الكراهية والحقد والنزاعات، وكان أن ائتلفت عليه مجموعة من ذوي التفكير السلبي من بين زملائه الأطباء، فكانوا يؤذونه بالشكوى والكيد والتعريض به عند المسؤولين، فاستعان ذلك الطبيب في مواجهته لضغائنهم بالمواظبة على صلاة الجماعة وقراءة القرآن والإخلاص في عمله، ثم الاستغفار، ولم ينتهي العام حتى مات بعض أولئك الحاقدين بينما تم نقل بعضهم وبعضهم استقالوا وانتهت مصيبتهم.
جرب أن تدعو الله سبحانه وتعالى وأنت في مستهل شهر رمضان الكريم، جرب أن تتدبر في صلاتك وفي قراءة القرآن. ماذا لو طبقت تقنية داود عليه السلام: الذي كان يستشعر تسبيح الجبال والطير وحتى النمل، فيسير طاقة الذكر لتعمل لصالحه، وبالتالي كان يحقق المعجزات يقول الله سبحانه وتعالى:" ولقد أتينا داود منا فضلا، يا جبال أوبّي معه، والطير وألنا له الحديد" سورة سبأ؛ آية 10.
ويقول الإمام الصوفي بديع الزمان سعيد النورسي: "إن الله منح تسبيحاته داود وأذكاره من القوة العظيمة والصوت الرخيم والأداء الجميل ما جعل الجبال في وجد وشوق، وكأنها حاكٍ عظيم يردد تسبيحا وأذكارا، أو كأنها إنسان ضخم يسبح في حلقة ذكر حول رئيس الحلقة".
استشعر أن كل شيء يذكر الله ويسبح لله، ويتصل بالله سبحانه وتعالى، وسوف يجعل هذا التدبر قريبا من الله متصلا به، فيتحقق لك خيري الدنيا والأخرة.

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مكتب النجاح للتنمية البشرية