شراع .. الاحتلال الإسرائيلي وبعض من حصاد “الحريق العربي”
نعم قد تكون تلك الصيغة مرعبة، لكنه الواقع الذي تتحكم في تفاصيله ومفاصله مظاهر الرجعية والتخلف الممزوجة بالفتن والكراهيات الطائفية والمذهبية، وبالتبعية العمياء للأجنبي، وبآفات الإرهاب والعنف والتكفير والمروق عن مبادئ دين الإسلام وأخلاقه وقيمه، وعن أعراف المجتمعات العربية والإسلامية المعروفة بها وبعاداتها وتقاليدها المستمدة أو المتماهية مع مبادئ الإسلام وقيمه، بدليل أن هناك من زعماء الاستعمار الغربي كانوا على وشك السقوط وتهاوت شعبيتهم إلى الحضيض وفق استطلاعات الرأي نظرًا للركود الاقتصادي وارتفاع نسبة الباحثين عن العمل ونسبة البطالة بأنواعها، وبدء غرق المجتمعات الغربية في أوحال الفقر والجوع والجرائم الناتجة عن كل ذلك، ولكن الكرم العربي الضارب بجذوره في أعماق البداوة عزَّ على قلبه وناظريه أن يرى من ألبس شعوب المنطقة لباس الجوع والفقر والخوف، وربَّى أفاعي الصهيونية واحتلالها البغيض في مكان يعد من أقدس وأطهر الأماكن التي باركها خالقها وما حولها، وجعلها قبلة أولى للمسلمين، وتشد إليها الرحال، ووطأتها أقدام أطهر خلق الله، وأباد من المرابطين على ترابها وشرد منهم من شرد ولا يزال يعمل فيهم جرائم حربه، عزَّ عليه أن يرى سقوط داعمي الإرهاب والاحتلال الصهيوني، وأن تأخذ طبيعة الأشياء منتهاها، فتدلت عليهم ضروع البترودولار من حيث يدرون ولا يدرون لتروي ظمأهم وظمأ اقتصاداتهم.
ومن المفارقات الصادمة والصارخة، أنه كلما ارتوت أرض الاستعمار الغربي بالكرم العربي كان الحصاد إسرائيليًّا والبؤس والفقر المدقع والتشرد والجوع فلسطينيًّا، وليس العكس، فنصيب الشعب الفلسطيني من كل ذلك نكبة تضاف إلى سابقاتها، وفي الحقيقة لم ترتوِ أرض الغرب الاستعماري بالبترودولار وعائداته ولم يحصد كيان الاحتلال الإسرائيلي الغلال الوفيرة بهذا القدر الكبير من قبل، إلا بعد تفجر “الحريق العربي”، الأمر الذي يؤكد صحة المخططات لاستهداف المنطقة وعبر إيجاد أدوات وعملاء ووكلاء نجح الاستعمار الغربي ومن ورائه الصهيوني في إنتاجها وتسخيرها لتحقيق أهدافه الاستراتيجية ومصالحه، ومنذ العام 2011م الذي شهد نشوب هذا “الحريق العربي” كان كيان الاحتلال الإسرائيلي كل يوم على موعد مع حصاد جديد من حصائده ونتائجه، سواء داخل أرض فلسطين المحتلة لكونها الأساس في تطهيرها تطهيرًا عرقيًّا من أي جنس فلسطيني أو عربي أو إسلامي أو مسيحي، أو خارجها، ومن جديد هذا الحصاد:
أولًا: مطالبة الولايات المتحدة الراعي الأكبر لـ”الحريق العربي” وما أفرزه من عملاء ووكلاء وعصابات إرهاب وتكفير، وما قبله من على هذه الشاكلة، لحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي بضرورة البدء بالعمل على استخراج الغاز الطبيعي من حقول فلسطين التاريخية المحتلة بذريعة تزويد احتياجات كل من الأردن ومصر بالغاز الطبيعي، واللتين تعانيان في الوقت الحالي من نقص حاد في هذا النوع من الطاقة، والذريعة الأخرى أن استخراجه مرتبط بوجود استثمارات أميركية، عبر شركات تعمل في إنتاج وتطوير حقول الغاز “الإسرائيلية”، ممثلة بوجود واحدة من أكبر شركات التنقيب والتطوير وهي شركة “نوبل إنرجي” الأميركية، العاملة في فلسطين المحتلة. وهذه المطالبة الأميركية تؤكد معطيين الأول: وضع اليد على ثروة وطنية فلسطينية، في الوقت الذي يحرم منها أصحابها الحقيقيون وبالأخص في قطاع غزة. والثاني: إن أحد أهداف تفجير المنطقة عبر “الحريق العربي” هو نهب ثروتها الطبيعية من النفط والغاز وتقسيمها بين المستعمرين القدماء والجدد، حيث تشير الدراسات المسحية إلى أن السواحل الفلسطينية واللبنانية والسورية تختزن ثروة نفطية وغازية هائلة، ولذلك من ينظر إلى خريطة توجيه العملاء والأدوات الإرهابية وتوزعهم على الجغرافيا يجد أنهم موجهون ومدعومون للسيطرة على حقول النفط والغاز أو تلك التي لم يستخرج منها هذان المصدران، وبالتالي المباشرة بسواحل فلسطين المحتلة قد يكون مقدمة لذلك.
ثانيًا: اتجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي للتخلص من الأسرى وخاصة المضربين عن الطعام والذين يصل عددهم أكثر من خمسمئة أسير مضرب عن الطعام، ما يجعلهم يمثلون قنبلة قابلة للانفجار، حسب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أرادان، صاحب ما يسمى مشروع قانون تغذية الأسير المضرب عن الطعام بالقوة؛ والذي عنه قال الأسير المحرر عمر البرغوثي الذي أمضى 24 عامًا في المعتقل “حاولت “إسرائيل” فرض القانون على المعتقلين منذ 30 عامًا، لكن الأسرى رفضوه لخطورته على صحة الأسير الفلسطيني”، مضيفًا “إن هذا القانون يغلَّف بالغلاف الإنساني، لكنه يقوم على أساس أمني، تخشى فيه “إسرائيل”، من تصاعد تأييد الأسرى وتحوله لانتفاضه (داخل السجون)”.
إن قضية الأسرى الفلسطينيين تعد قضية أخلاقية وإنسانية، وما يتعرض له هؤلاء الأسرى من جرائم وانتهاكات هو عار في جبين مدَّعي الحرية، وبرهان ساطع على ما قلناه آنفًا عن حقيقة المستعمرين وعملائهم ومدى دور الكرم العربي.
ثالثًا: إصدار كيان الاحتلال الإسرائيلي تقريرًا يشرع فيه إرهابه وعدوانه عام 2014م على قطاع غزة، مستبقًا بذلك تقريرًا ستصدره هذا الشهر الأمم المتحدة حول العدوان الإرهابي الإسرائيلي على القطاع، حيث وصف مجرم الحرب بنيامين نتنياهو تقرير الأمم المتحدة المنتظر صدوره بأنه “مضيعة للوقت”، متعهدًا بمواصلة إرهابه وجرائم حربه. والذي جعل كيان الاحتلال الإسرائيلي يقدم على ذلك الضوء الأخضر الذي أعطته إياه الأمم المتحدة ممثلة في أمينها العام بان كي مون برفضه ضم كيان الاحتلال الإسرائيلي في قائمة “العار” للمنتهكين لحقوق الأطفال. كما أن كيان الاحتلال يشعر بأريحية تامة وهو يشاهد إلى جنبه وصفه طوابير من العملاء والوكلاء والأدوات تنوب عنه في إبادة الحرث والنسل في المنطقة.
رابعًا: استمرار كيان الاحتلال الإسرائيلي في هدم منازل العرب الإسرائيليين، وذلك في إطار التطهير العرقي والعنصري لإقامة الحلم التلمودي المتمثل في ما يسمى “يهودية الدولة”.
المؤلم أن دجاجة “الحريق العربي” مستمرة في إنتاج البيض لصالح الاستعمارين الغربي والإسرائيلي، في الوقت الذي تتضاعف فيه نسبة الفقر والجوع لتصل أكثر من ثلاثة وثلاثين مليون جائع في الوطن العربي حسب تقرير “الفاو”.