مسقط - العمانية:
كشفت الدراسات الحديثة أن تاريخ الصحافة العمانية يعود إلى مطلع القرن الماضي، حين صدرت عدة صحف عمانية في المهجر. ولعبت تلك الصحف دوراً طليعيا رياديا في بث روح الوحدة العربية وتعاليم الدين الإسلامي وإذكاء روح التنوير الذي كان مطلباً مهماً في تلك المرحلة من عمر الوجود العماني في زنجبار. وقد مارس الكتاب العمانيون في تلك الصحف النقد الاجتماعي والسياسي كما بثوا أفكارهم لوحدة العالم العربي والتمسك بتعالم الدين الحنيف. ورغم الظروف والتحديات الصعبة في تلك المرحلة إلا أن تلك الصحف كانت تتجاوز محيط المهجر وتنتشر في الكثير من بقاع العالم العربي، فتصل مسقط والقاهرة وبيروت كما وتوزع في الكثير من العواصم والمدن الأفريقية التي كانت تحتفظ بالوجود العماني فيها بكثافة. ومن بين أهم الصحف العمانية التي صدرت في المهجر صحيفة (الفلق) التي يعود تاريخ إصدارها إلى الأول من أبريل من عام 1929، وبدأت الجريدة بطبعة عربية فقط قبل أن يضاف إليها القسم الانجليزي عام 1932 وفي عام 1946 أضيف إليها القسم السواحيلي الذي بقي غير منتظم الصدور. وكانت هذه الصحيفة تصدر عن"الجمعية العربية في زنجبار"، وهي جمعية أسهم في تأسيسها عدد من الشخصيات العمانية مثل سيف بن حمد البوسعيدي وسليمان بن ناصر اللمكي وسالم بن عبدالله البرواني. كانت صحيفة "الفلق" تصدر يوم السبت من كل أسبوع حتى عام 1956 وتوزع في زنجبار وفي الجزيرة الخضراء وعدد من المدن الأفريقية، وكانت تصل إلى مسقط ومصر والجزائر وبلاد الشام. ولم يكن عدد صفحات "الفلق"عبر سنوات إصدارها ثابتاً، بل كان يقل أو يكثر حسب عدد الأقسام واللغات، وقد أصدرت الصحيفة بالحجم النصفي "التابلويد" والصفحة الواحدة فيها قسمت إلى ثلاثة أعمدة في غالب الأحيان وأربعة أعمدة في أحيان أخرى، ولم تستخدم الألوان في الصحيفة إذ أن الفترة التي صدرت فيها كانت تمثل
بدايات العمل الطباعي والصحفي في زنجبار. ولم تستعمل الصور الصحفية فيها إلا في حالات نادرة. والمتتبع لأعداد الصحيفة يجد أن مضامينها تنوعت بشكل كبير بين السياسة والاقتصاد والزراعة والأدب وغيرها من المواضيع. وكانت المجلة تنشر مقالات كتاب عمانيين أمثال ناصر بن سليمان اللمكي وهاشل بن راشد المسكري ومحمد بن هلال البرواني وهم في الوقت نفسه محررو الصحيفة. كما كانت تنشر لكتاب وشعراء عرب أبرزهم الكاتب المصري محمد حسنين هيكل صاحب رواية زينب والشاعر السوري سليمان العيسى. واستخدمت الإعلانات في "الفلق" من أجل توفير موارد مادية لها، وانقسمت إلى إعلانات سلع وبضائع وإعلانات للخدمات غير أن الصحيفة واجهت في تاريخها ظروفاً صعبة كضعف الإمكانات المادية اللازمة لاستمرارها وبقائها، إذ كانت "الفلق" تكرر باستمرار طلب الدعم والمساندة المالية من قرائها لضمان بقائها واستمرارها وذلك بشرائها أو الاشتراكات طويلة الأمد أو التبرعات المالية بحسب تقرير الموسوعة العمانية، والتي تقول ان الصحيفة تعرضت للمحاكمة عام 1954 وصدر حكم بحجبها عن الصدور مدة عام من 19 يونيو 1954 إلى 19 يونيو 1955 بسبب ثمانية اتهامات وجهت لها تتعلق بنشر أربعة مقالات مثيرة للشعب وبوجود ثلاث مطبوعات مثيرة في حيز إدارة "الفلق"، وعدم نشر اسم طابع وناشر الجريدة وعنوانها في عدد 12 مايو 1954. وتناوب على رئاسة تحريرها هاشل بن راشد المسكري ومحمد بن هلال البرواني ومحمد بن ناصر اللمكي وسيف بن حمود آل سعيد وسعيد بن سالم الرواحي وعلي بن محسن البرواني.
ومن بين الصحف العمانية التي صدرت في المهجر أيضا صحيفة "النجاح" التي يعود تاريخ إصدار عددها الأول إلى الثاني من أكتوبر من عام 1911. وبدأت الصحيفة التي تصدر عن حزب "الإصلاح" بأربع صفحات فقط. وكان شعار الصحيفة "النجاح لحزب الإصلاح" تعبيراً عن مبادئ أعضائه وأفكارهم من العرب وغيرهم. وتشير المصادر الى أنها تأسست على يد شاعر عمان الكبير أبو مسلم البهلاني وقد تولى ناصر بن سليمان اللمكي رئاسة تحريرها في فترات لاحقة إلا أنها توقفت عن الصدور في يوليو من عام 1914 بعد نفيه إلى الهند. ودعت الصحيفة في العديد من مواضيعها إلى وحدة الأمة الإسلامية وأيدت توجهات الوحدة القومية العربية فسعت إلى توعية المسلمين شرق أفريقيا بأمور الدين الإسلامي وكان يدفع هذا التوجه المبادئ والقيم الإسلامية التي ظهرت في أفكار الدعاة المحررين. وفي منتصف القرن الماضي صدرت أيضا جريدة "النهضة" التي ظهر العدد الأول منها في 18 نوفمبر من عام 1951 وأسس صحيفة "النهضة" سيف بن حمود البوسعيدي وكانت تصدر بشكل أسبوعي باللغتين العربية والانجليزية فيما كانت بعض موادها تترجم إلى السواحيلية. واهتمت الجريدة في صفحاتها الأولى بالمضامين الصحفية المتنوعة، فكانت تقدم الأخبار والتحليلات في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وقد وصلت نسخ توزيع الصحيفة إلى 500 نسخة أسبوعياً. وكانت الصحيفة توزع في زنجبار كما كانت تصل إلى مناطق مختلفة من ساحل شرق أفريقيا مثل بمبا وممباسا والكونغو وموزمبيق وجزر القمر. واستخدمت النهضة فنوناً صحفية مختلفة باستثناء التحقيق والحوار، كما وظفت أخبار المندوب المتجول والمراسل واستعملت مصطلح "جاسوس إخباري" للتعبير عن مصطلح المخبر الصحفي المعهود في الصحافة وفق الموسوعة العمانية. واتخذت الصحيفة الكثير من المواقف السياسية ضد الحكومة المحلية في زنجبار أو ضد المقيم البريطاني فيها الأمر الذي أدى إلى إيقاف رئيس تحريرها سيف بن حمود البوسعيدي غير مرة والتحقيق معه. ولا يعرف تاريخ توقف الصحيفة عن الصدور. ومن بين الصحف التي صدرت في زنجبار أيضا صحيفة "المرشد" التي أصدرها أحمد بن سيف الخروصي لتخاطب الذين يتحدثون باللغة السواحلية وانتهجت خط مهاجمة الحماية البريطانية للجزيرة، وعندما ظهرت الأحزاب السياسية في زنجبار والجزيرة الخضراء انضم كتاب الصحيفة اليها. ظلت الجريدة مستقلة تصدر بثلاث لغات هي العربية والانجليزية والسواحلية، وذلك حتى عام 1954. وأبرز كتاب " المرشد" سعود بن محمد الريامي وعلي بن محسن البرواني، وهاشل المسكري، وأحمد بن محمد اللمكي. كما صدرت في زنجبار أيضا جريدة "الامة" عام 1958 عن حزب"الامة" إثر حصوله على مطبعة عربية من الصين الشعبية واستمرت في الصدور كلسان حال الحزب الى أن توقفت عام 1963م. كما أصدر الأمين بن علي المزروعي جريدة "الإصلاح" التي صدر عددها الأول في
29 فبراير من عام 1932 وهي استكمال للمشروع التنويري الذي كان يقوم به الشيخ الأمين المزروعي. وعنيت الجريدة بالمسائل الدينية والسياسية. واتخذت الجريدة شعاراً لها الآية القرآنية "ان أريد إلا الاصلاح ما استطعت". وعنيت الجريدة بمقالات شكيب أرسلان كما أنها اهتمت بمقتطفات من كتاب "حاضرة العالم الإسلامي". وكتب فيها المزروعي عدة مقالات تناولت موضوع الاسهام الحضاري للدولة الاسلامية في أوروبا، وأسباب تردي وانحطاط المسلمين التي لخصها في بعدهم عن جذورهم الاسلامية وعاداتهم وهويتهم العربية، كما تناول الهجمة الصليبية على أبناء المسلمين في المعاهد والمؤسسات التعليمية القائمة على النظم الغربية.