يقول الله تعالى: { يا أيها آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون * شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه }. إن هذه الآيات الكريمة تبدأ بنداء رباني خالد موجه إلى فئة معينة من الناس وإلى جماعة محددة من البشر. إنهم المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، فالمؤمنون هم الذين يمتثلون لأوامر الله ويستجيبون لندائه وينصاعون لحكمه، وهذا النداء في حقيقته تشريف وتكريم لهذه الفئة. إنه نداء رباني وخطاب إلهي يقرع الآذان والأسماع، ويهز المشاعر والوجدان، ويلامس شغاف القلوب يأمر بالصيام ويعلل الحكمة من مشروعيته التقوى { لعلكم تتقون }، فالصوم من أعظم العبادات وأعلاها، ومن أجل القربات وأسماها، ومن أفضل الطاعات وأرفعها، ومن أشرف الفرائض وأحسنها، فهو ركن من أركان الإسلام الخمسة وقاعدة من قواعد الدين وأصل من أصوله، فيكفي الصوم شرفا أن الله تعالى قد أضافه إلى نفسه دون سائر العبادات الأخرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابّه أحد أو قاتله فلبقل إني امروء صائم، والذي نفس محمد بيده لَخُلُوُف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح لصومه "، فليهنأ المسلمون بقدوم شهر رمضان المبارك، فها هي مدرسة الصيام قد فتحت أبوابها، وأعدت علومها، وهيئت فصولها؛ لاستقبال طلابها الصائمين، فيا فوز من يتعلم في مدرسة الصيام والقيام والبر والإحسان، ويا سعادة من يكون في ضيافة الرحمن حيث تتنزل البركات وتتجلى الرحمات، لقد فضل الله تعالى شهر رمضان على غيره من الشهور، فاختصه بمزايا كريمة، وخصال حميدة، وجوائز عظيمة، ومكافآت ربانية، شهر تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه المردة والشياطين، شهر تكفر فيه السيئات والذنوب، وتمحى فيه الخطايا والآثام، وتضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات، شهر نزل فيه القرآن الكريم، شهر فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، شهر رفع الله قدره، وأعلا شأنه، وخلد ذكره، وجعل اسمه قرآنا يتلى آناء الليل وأطراف النهار، شهر يفتح فيه للمسلم بابان: باب رباني، وباب إنساني، الباب الرباني يكون بالصوم والصلاة والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن الكريم، والباب الإنساني يكون بالتصدق والبذل والإنفاق والإحسان والمسامحة والعفو عن المسيء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " قد جاءكم شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم "، وعن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: " أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيامه تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، شهر يزاد رزق المؤمن، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتقا لرقبته من النار، وكان مثل أجره من غير أن ينقص له من أجره شيء، فقالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، فقال صلى الله عليه وسلم: " يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة ماء، ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، وكان كمن أعتق رقبة، ومن خفف على مملوكه غفر الله له، وأعتقه من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى لكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه لذنوبكم، وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتتعوذون به من النار".